طلال عوكل يكتب: مجزرة مكتملة الأركان

  • 4/9/2017
  • 00:00
  • 7
  • 0
  • 0
news-picture

وسط حالة من الترقب الشعبي العام في قطاع غزة، إزاء إمكانية تعرض القطاع لحرب إسرائيلية رابعة، خصوصا بعد اغتيال القائد القسامي مازن الفقهاء، فوجئ ثمانية وخمسين ألف موظف شرعي لدى السلطة الوطنية الفلسطينية، بقرار جائر يقضي بخصم ما يزيد عن 30% من رواتبهم. القرار أحدث حالة من التذمر والفوضى والاحتجاج، لدى كل سكان القطاع، الذين سيتأثرون على نحو مباشر أو غير مباشر بذلك القرار، المجزرة. من المؤكد أن من اتخذ القرار كان قد درس بعمق، التداعيات والآثار المترتبة على اتخاذه، لكنه أغفل أن هذه التداعيات قد تصل إلى مستوى شعور الناس، بأنهم يتعرضون إلى ما يشبه الحرب. ففي هذا الزمان، لا تخاض الحروب، ولا تدار الصراعات فقط من خلال استخدام وسائل القوة المسلحة أو العنيفة، بل ثمة وسائل أخرى تنطوي على فعالية مؤكدة قد تحقق أهدافا كبيرة بدون شن الحرب. منذ يوم الثلاثاء الرابع من أبريل/ نيسان الجاري، تغص البيوت والشوارع والأسواق والمنتديات، والتجمعات الكبيرة والصغيرة، بمناقشات غاضبة حول أسباب وتداعيات هذا القرار الذي يخص حصريا موظفي السلطة في قطاع غزة، ومن قطاع غزة، ونقصد حتى الموظفين الغزيين العاملين في السلطة في الضفة الغربية. والقرار لا يتقصد فقط الموظفين، الذين التزموا بقرار السلطة بعد انقلاب حماس عام 2007، والذي أمرتهم السلطة بعدم الالتحاق بوظائفهم في ظل سيطرة حماس على غزة، وإنما طال أيضا الموظفين، المداومين على أعمالهم بقرار من السلطة مثلما هو حال هؤلاء في الصحة والتعليم، والشئون المدنية وبعض المؤسسات الأخرى. لا شك أن القرار بإبعاده المادية المباشرة، ينعكس سلبا على الموظفين المعنيين، من حيث قدرتهم على الوفاء بالتزاماتهم الأسرية خاصة وأن معظم هؤلاء، مدانون للبنوك، بقروض جارية مما ترك لبعضهم، مبالغ محدودة، قد لا تزيد عن مئات الشواقل، وبعضهم لم يتبق له شيء من راتبه الشهري. من اتخذ ذلك القرار الجائر، لا بد أنه يعرف بأن الأوضاع الاقتصادية في الأساس تعاني حالة من الكساد والركود الظاهر للعيان، الأمر الذي سيترك بصماته على التجارة والتجار وحركة الاستيراد والباعة، ذلك بسبب تدني القدرة الشرائية، مما دفع أصحاب المحال التجارية لأن يعرضوا تنزيلات كبيرة على بضائعهم، وبدون أن يؤدي ذلك إلى تحريك عملية البيع والشراء. على أن القرار ينطوي على أبعاد سياسية واجتماعية لا تنجح كل التبريرات في إغفال نتائجها. فإذا كان القرار يشكل ضربة حاسمة لملف المصالحة الوطنية واستعادة الوحدة، فإنه يذهب إلى ما هو أبعد من تعميق الانقسام، إلى الدفع باتجاه الانفصال. والقرار يصيب في الصميم حركة فتح في قطاع غزة، ذلك أن أكثر من 80% من الموظفين هم من حركة فتح، وبالتالي فإن من اتخذه، لا يبدي أدنى اهتمام بتماسك وجماهيرية الحركة، ويضرب في الصميم الادعاء بالمطالبة بإجراء انتخابات تشريعية ورئاسية وحتى الانتخابات البلدية، والمجلس الوطني الفلسطيني. ليس هذا وحسب بل إن تداعياته تذهب إلى تعميق الهوة بين المجتمع الفلسطيني في القطاع، وبين المجتمع في الضفة، خصوصا وأن ردود الفعل على القرار في الضفة جاءت ضعيفة، ولا ترقى إلى مستوى خطورة ذلك الإجراء. الفأس وقع في الرأس، بغض النظر عن طبيعة ردود الفعل التي تتخذها السلطة، إن كان للعودة الكلية أو الجزئية عن القرار، أو إن كان لجهة تأجيل التنفيذ ذلك أن موظفي القطاع، يدركون أنهم في صيف هذا العام سيكونون مرة أخرى تحت طائلة قرار التقاعد أو التقعيد المبكر وإن النتيجة واحدة في كل الأحوال. الناس في القطاع تساورهم شكوك عميقة، بأن هذا القرار المفاجئ، قد يكون واحدا من استحقاقات التحرك الأمريكي نحو الحل الإقليمي الذي يجري العمل عليه بشكل حثيث، من قبل كل الأطراف الفاعلة في المنطقة وخارجها. بمعنى أو بآخر فإن المطلوب هو أن تزحف غزة على بطنها، وأن ترضى بما يتمخض عن الحراك السياسي من حلول، لا تقترب من الحد الأدنى، من الحقوق الفلسطينية. تلعثمت الحكومة في تبرير القرار الكارثي، فبعد أن أسقط المتحدث الإعلامي باسم الاتحاد الأوروبي في الأراضي المحتلة شادي عثمان، الذريعة التي أعلنها الدكتور أحمد مجدلاني من أن القرار اتخذ بالاتفاق بين السلطة والاتحاد الأوروبي، لم يتبق للحكومة سوى العزف على وتر الأزمة المالية، ومسؤولية حماس عن عدم تمكين الحكومة من العمل في القطاع، وقيامها بالجباية لصالحها. عذر أقبح من ذنب، فإن كان الأمر يتعلق بالأزمة المالية، فإن المسؤولية الوطنية تقضي بان تتخذ السلطة اجراءات تقشفية في الضفة والقطاع، أما إن كان الأمر يتعلق بسلوك حركة حماس فإن هذا السلوك ليس جديدا، وهو سلوك متواصل منذ أن وقع الانقلاب. هذا يعني أن القرار المجزرة هو قرار سياسي بامتياز ولا سبيل لكل المبررات والذرائع أن تسوقه على نحو مختلف. غزة تعاني من التهميش، وتبدو وكأنها مرفوضة من إسرائيل ومرفوضة من السلطة، وغير مقبولة لأي طرف آخر. على أن من اتخذ ذلك القرار، يتجاهل حقائق التاريخ، فلا غزة سيبتلعها البحر، ولا هي ستتخلى عن دورها ومسؤوليتها الوطنية، الذي هو قدرها، حتى لو بدا عليها الوهن وأنهكها الخذلان.شارك هذا الموضوع:اضغط للمشاركة على تويتر (فتح في نافذة جديدة)انقر للمشاركة على فيسبوك (فتح في نافذة جديدة)اضغط للمشاركة على Google+ (فتح في نافذة جديدة)

مشاركة :