تشهد الأيام الثلاثة المقبلة حبس أنفاس في ظل لعبة عض الأصابع أمام احتمال الدخول في تأزم سياسي جديد على خلفية عدم التوافق على قانون الانتخاب. فالسؤال الذي تتجنب القوى السياسية اللبنانية المختلفة الإجابة القاطعة عنه هو: هل يحصل التمديد للبرلمان 6 أشهر في جلسة نيابية قد يدعو إليها الرئيس نبيه بري منتصف الأسبوع المقبل بعد الاتفاق في الحكومة على قانون الانتخاب، أم يتم تمديد «الضرورة»، تفادياً للفراغ النيابي نتيجة تعذر الوصول إلى القانون، لأن إجراء الانتخابات في موعدها بات مستحيلاً؟ وتقاس الأيام المقبلة بمدى نجاح رئيس الحكومة سعد الحريري بتحقيق وعده حين قال أول من أمس في البرلمان: «رهاني على العودة إلى المجلس خلال فترة قصيرة لمناقشة مشروع قانون يكون محل توافق كل المكونات بإذن الله». فالدعوة إلى جلسة مجلس الوزراء غداً الإثنين اقتصرت على سطر واحد هو البحث بقانون الانتخاب من دون إبلاغ الوزراء بأي مشروع قانون، على رغم ما يقال من أن البحث سيتناول «المشاريع المطروحة»، والمعني بها تلك التي تقدم بمعظمها رئيس «التيار الوطني الحر» الوزير جبران باسيل، وتلك التي طرحت سابقاً. وتؤكد مصادر مطلعة لـ «الحياة» أن الحريري لن يطرح مشروعاً بعينه، في ظل إشاعات بأن رئيس الجمهورية العماد ميشال عون قد يطرح مسودة ما، هي خلاصة ما تم بحثه. ومن المؤكد أن من حق الوزراء أن يطلبوا وقتاً لاستشارة مرجعياتهم وإبداء الرأي بأي مشروع يطرح ليناقشوه في جلسة أخرى. وثمة من يقول أن الرئيس عون قد يطلب عقد اجتماعات يومية متتالية للبت بالقانون وإحالته إلى البرلمان، لاستباق الدعوة إلى التمديد يوم الخميس المقبل، من دون وجود قانون جديد. لكن مصادر نيابية متعددة قالت لـ «الحياة» أن المواقف التي صدرت في البرلمان قطعت الطريق على ما أشيع بأن الأمر سيتم بالتصويت الحكومي، الذي لوح به بعض المقربين من عون، بعد أن رفضه غير فريق، وتأكيد الحريري على التوافق، أكثر من مرة، بدلاً منه. وفي المقابل، طرح ممثل «التيار الوطني الحر» النائب آلان عون معادلة «لا تصويت على قانون الانتخاب إلا إذا كان ميثاقياً ولا تصويت على التمديد إلا إذا كان ميثاقياً». وهذا يعني أنه إذا كان رفض أي فريق إسلامي يمثل أكثرية ضمن طائفته، مشروعَ قانون يطرحه الثنائي المسيحي (التيار والقوات اللبنانية) سيحول دون إقراره، فإن «التيار الحر» و «القوات اللبنانية» وحزب الكتائب ستقاطع الجلسة النيابية المخصصة للتمديد إذا عقدت من دون قانون انتخاب جديد، وفق ما أكد مصدر قيادي في «التيار» لـ «الحياة». وهذا تلويح باعتبار التمديد بعد حصوله، من دون موافقة الفرقاء المسيحيين الثلاثة، غير ميثاقي. وقد يؤدي إلى تعطيل البرلمان بعد ذلك، كما حصل إبان الفراغ الرئاسي. وهو ما يعني الدخول في أزمة جديدة لمح إليها النائب عون والنائب جورج عدوان. وتعتبر هذه المصادر أن الجلسة النيابية انتهت إلى استنتاج راسخ بأن الفراغ النيابي غير وارد (مداخلة النائب في «حزب الله» علي عمار عن أنه يعني أن لا حكومة ولا رئاسة، والنائب نقولا فتوش الذي نقض دستورياً أي بديل للتمديد، بما فيه اجتهاد استمرار المرفق العام). إلا أن المصدر ذاته لم يجزم بأن الرئيس عون سيدعو إلى التصويت على قانون الانتخاب قائلاً أن هذا الاحتمال غير مستبعد، «لكننا لم نصل إليه بعد»، لعله يحصل خرق في نهاية الأسبوع. كما أن مصادر في «المستقبل» تشك في إمكان طرح الرئيس عون التصويت على القانون، لأن صفته كرئيس للبلاد غير زعامته لتيار سياسي. وقالت مصادر «التيار» و «المستقبل» لـ «الحياة» أن الاجتماع الذي عقده الحريري ليل أول من أمس مع رئيس «التيار الوطني الحر» الوزير جبران باسيل، حين اصطحبه بسيارته من المجلس النيابي إلى منزله إثر الجلسة لم يرشح عنه ما يدل على هذا الاختراق، مع أن الاتصالات تواصلت أمس وتستمر اليوم. كما أن الثنائي الشيعي ما زال رافضاً اقتراح باسيل الانتخابي المختلط بين النظامين النسبي والمختلط، على رغم أن الحريري لم يمانع فيه وأعلن انفتاحه على تمسك «حزب الله» بالنسبية الكاملة، في الوقت ذاته. وتستبعد مصادر توصل الفرقاء إلى توافق على قانون الانتخاب مرجحة الانتقال إلى طرح التمديد للبرلمان، منتصف الأسبوع، احتياطاً لإمكان رد رئيس الجمهورية القانون، وحتى تبقى العملية القانونية ضمن الآجال الدستورية، ومنها حقه في وقف اجتماعات البرلمان لمدة شهر، فيما الدورة العادية للمجلس تنتهي في آخر شهر أيار (مايو). «المستقبل»: لن نذهب إلى التصويت بالفرض «التقدمي» : اعتماده يأخذنا الى خيارات صعبة وكان الملف الانتخابي محور المواقف السياسية، فاعتبر وزير الدولة لشؤون المرأة جان أوغاسابيان أن «لتيار المستقبل مبادئ اساسية لن يتخلى عنها، فهو لن يمشي بالتصويت على القانون الانتخابي أو بمنطق فرضه على الآخرين بل بالتفاهم عليه، وبالتالي ليس هناك عزل لأحد، بل إن الأساس هو السلم الأهلي والعيش المشترك»، مؤكداً أن «الرئيس سعد الحريري منفتح على كل الطروحات ويسعى الى الوصول الى قانون في الشهر الجاري ومشاوراتنا التي بدأت أمس كانت للتحضير لجلسة الاثنين (غداً) أقله لكي تكون لدينا مسودة لنقاط متفق عليها». وأضاف: «نحن دخلنا في مرحلة الاستحقاقات الخطرة، فسمعنا أمس في المجلس النيابي من الثنائي الشيعي كلاماً خطيراً وواضحاً، إذ قال إذا وصلنا الى الفراغ في المجلس النيابي، فلن تكون هناك حكومة ولا رئاسة جمهورية»، لافتاً الى أن كلامه «رسائل موجهة لرئيس الجمهورية»، معتبراً «أننا أمام احتمالين إما تأجيل تقني يفرضه القانون الجديد وإما تمديد للمجلس، اما الخيار الثالث فنهاية البلد والفوضى». وأكد وزير الاتصالات جمال الجراح أن في حال اتخذ تيار «المستقبل» قراراً سياسياً بحجم السير بـ «النسبية»، فإن ذلك لن يكون لإحراج هذا الفريق أو ذاك، بل من أجل تسهيل إنجاز قانون وإجراء الإنتخابات في موعدها»، مذكّراً أن رئيس الحكومة سعد الحريري أعلن أنه يؤيّد أي قانون يؤدي الى تصحيح التمثيل ويحافظ على الوحدة الوطنية، قائلاً: نلتزم بهذين المبدأين وما تبقّى تفاصيل»، وقال: «لا يمكننا الجزم بأن التمديد بات أمراً محتّماً قبل جلسة الإثنين والإتجاه الذي ستسلكه النقاشات حول النقاط الخلافية»، مؤكداً أن «كل الجهات تحاول جدّياً لإنتاج قانون جديد». وأوضح أن «تيار المستقبل منفتح على كل الخيارات والطروحات حيث لا نتوقف عند أي طرح بسلبية بل نناقش كل الصيغ، ونحن إيجابيون في مقاربة كل الأفكار المطروحة والمستقبل يسهّل عملية التوافق حول القانون، ويسعى الى تقريب وجهات النظر بين مختلف الأطراف حتى ولو كان الأمر على حسابه». ورأى وزير العدل سليم جريصاتي، أن «ما جرى من مساءلة للحكومة هو جدي في موضوع قانون الانتخاب، والكلام مسؤول عن خطر الفراغ على الرئاسة والحكومة والمؤسسات»، مشيراً الى أن «القانون يجب أن يراعي كل الخصوصيات ومن ثم يعرض على البرلمان». وشدد على أن «الدستور يحدد نسبة الثلثين في الحكومة لإقرار القانون، ولكن لن نكسر أحداً، مستعينين بهالة الرئيس ميشال عون، لأنه ليس بوارد أن يفرض قانوناً على أحد، أما القانون فيجب أن يجمع اللبنانيين لا أن يفرقهم»، كاشفاً أن «هذا المسعى في الربع ساعة الأخير يقوم به مشكوراً رئيس الجمهورية، وجلسة الغد ستحمل كل الدلالات لخروج الجميع من مفهوم السلطة الى مفهوم الوطن». وشدد عضو «اللقاء الديموقراطي» النائب وائل أبو فاعور «على ضرورة التوافق، وأقول باسم «الحزب التقدمي الاشتراكي» و «اللقاء الديموقراطي» أن أي قانون مهما كان ضالاً نتفق عليه أفضل من قوانين العالم وأكثرها إنصافاً إذا ما حصل، لذلك نتمنى استبعاد خيار التصويت في مجلس الوزراء لأن هذا الأمر لا يؤخذ غلاباً، بل يقر توافقاً وتفاهماً وإلا خيار التصويت هو خيار انقسامي، يضع الكل في موقف صعب وربما يجبر بعض القوى على اتخاذ خيارات صعبة». وأضاف: «نثق بضمانة رئيس المجلس النيابي نبيه بري الذي حرص ويحرص ليس على «الحزب التقدمي» بل على الوفاق، وثقتنا كاملة بالموقف الوفاقي والضمانة التي يشكلها الرئيس الحريري ونثق بالموقف الذي أعلن عنه «حزب الله» أكثر من مرة، ونثق بأن رئيس الجمهورية الذي يقود اليوم مسيرة هذا الوطن لن يقود البلاد الى أي خيار انقسامي، وحريص كل الحرص على هذا الوطن إضافة الى كل القوى السياسية الأخرى التيار الوطني الحر وغيره من الأحزاب التي لولا رغبتها بالتوافق ما كانت سعت هذا السعي المحموم للوصول الى قانون انتخابي يتم التوافق عليه». وأكد عضو كتلة «المستقبل» النائب أمين وهبي أن «جلسة مساءلة الحكومة ضرورية للحياة البرلمانية والمطلوب تعزيزها، والكلمات توزعت بين حقيقية واستعراضية وانتخابية». واعتبر في حديث إلى «صوت لبنان - ضبيه» أن «التصويت خرق للميثاقية والقانون يقر بالإجماع». ورأى أن «الجو الإيجابي الذي ظهر في الفترة الأخيرة قد يخلق نوعاً من التوافق على قانون الانتخاب الجديد». وشدد على أن «الحوار هو الحل الوحيد لكل خلافاتنا»، وأمل بأن يتم «الاتفاق في جلسة الاثنين على قانون جديد»، مؤكداً «دعم أي قانون يحافظ على ثوابت اتفاق الطائف وجوهره». وإذ حذر من أن «الوقت أصبح ضاغطاً والقوى السياسية أصبحت في سباق مع المهل الدستورية، والتمديد التقني لأشهر معدودة أمر حتمي لا مفر منه»، أكد «انفتاح تيار المستقبل على كل الصيغ المطروحة في محاولة لتسهيل التوصل الى قانون انتخابي جامع يراعي صحة التمثيل ويحافظ على العيش المشترك»، رافضاً «الفراغ في السلطة التشريعية تحت أي ظرف». وأشار النائب علي بزي الى أن «الأولوية للتوافق الوطني والقانون الانتخابي هو قانون توافقي لأن قدر لبنان واللبنانيين هو الوفاق والتوافق حيال كل العناوين المتصلة بحياة واستقرار وطنهم ومؤسساته».
مشاركة :