< لم يضع سورية منذ وقت مبكر في حال هلع دائم ونزف مستمر إلا عجز العموم عن تفتيت حماية موسكو للإرهاب، وعبث طهران بقوة في أكثر من جغرافيا بذريعة هذه الحماية، وقابل العجز في الوقت ذاته تخاذل عالمي، وتأجيل أخذ القصاص من النظام السوري وأعوانه للزمن المر، لتكون سورية أبشع ألم عالمي. ما يميز المزاج الأميركي المختلف تماماً هذه المرة على يد ترامب هو الخروج من ورطة الصمت التي اتصفت بها الإدارة الأميركية الراحلة، ومن ثم رمي كل مخلفات التردد الطابعة لسياسة واشنطن في عهد أوباما، لتكون الضربة العسكرية الأميركية مقدمة طيبة لخلط أوراق اللعبة في الشرق الأوسط، والتي عبث بها لاعبون كثر، ومارسوا من خلالها أبشع الانتهاكات، ضاربين بالإنسان وحقوقه والأبرياء والقوانين عرض الحائط. عبرت مجازر متنوعة وكانت وصمات عار في جبين الضمير العالمي، وربما أتت مجزرة خان شيخون كسيناريو أخير بائس ومخيف ومؤكد لامتداد رذائل السياسة، لتجعل مزاج شرطي العالم في مهمة صعبة، وهي الخروج عن السلبية، ومحاولة تغيير المعطيات البشعة على الأرض، ولو تحت عناوين مختلفة كثيرة من أشهرها اقتلاع التنظيمات الإرهابية ومحاربة الإرهاب والمرور على إثر ذلك إلى المأساة السورية العميقة. تأتي القرارات الشجاعة دوماً كنافذة أمل بأن وضع العالم قابل للعلاج مهما كانت تسميته «علاجا بطيئاً/ متدرجاً/ مربكاً/ متوقعاً/ ممكناً»، ما يهم ألا يمضي اللاعبون في ملفات الإرهاب والعالم أجمع من قوته العظمى لقواه المسكينة المتعددة في وضع المتفرج اليائس عن فعل شيء، أما القول فلا أظن شيئاً مهدراً لدينا يقارب حجم الانكسارات والجراح الهائلة سوى سيله وسيل الوعود المصاحبة وكميات الشجب والتنديد التي لم تسترح للحظة. القرارات المفاجئة الشجاعة مرة أخرى قد تقود لتوقع جنون محتمل من الأنظمة الإرهابية وتصفية المتاح والممكن، لكن ذلك يستوجب اتحاداً عالمياً رفيع المستوى، وإيماناً بأن الدب الروسي والعمائم المختلة وراء حرائق القطع الجغرافية التي تئن وتجزأ، وسيكون الشرق الأوسط بكل تأكيد إزاء تحديات مختلفة، فالإنسان يتمزق من الداخل ولسنوات طويلة فائتة، والضمير هابط لدرجة غير مسبوقة، وفقدت الثقة بأمن حقيقي وسلام دائم طالماً كانت مساحات جغرافية تصل لأصابع اليدين الواحدة تتعرض للتفتيت والظلم والبشاعة والمجازر والحرائق والعالم مكتوف اليدين لحسابات لا تعرف النزاهة ومصالح تباع مع أي تغيير لخطة اللعب أو بوصلة النوايا، ما يحلم به شرفاء العالم أن تنتهي هذه الفوضى، وتكون واشنطن قوة عظمى قولاً وفعلاً، فتقف إزاء التهريج والهشاشة في المواقف، وتحضر بنفوذها وحضورها لتفصل في واحدة من أسوأ الأزمات الإنسانية في العالم، وتعيد الحياة لقواعد قانون دولي مسح بها بشار الأسد وحلفاؤه البلاط. alialqassmi@
مشاركة :