النفط في أسبوع (الغاز المصري: استيراد في انتظار الاكتفاء الذاتي)

  • 4/9/2017
  • 00:00
  • 32
  • 0
  • 0
news-picture

تزمع مصر زيادة إنتاجها من الغاز الطبيعي بنحو 50 في المئة خلال الأشهر المقبلة (حتى منتصف عام 2018)، ليبلغ معدل الإنتاج نحو 5.85 بليون قدم مكعبة يومياً. وتبلغ قيمة الاستثمار في تطوير الحقول الجديدة نحو 9.9 بليون دولار. والهدف من هذا البرنامج الطموح هو أن تصل مصر إلى مرحلة جديدة، وتحقق الاكتفاء الداخلي لاستهلاك الغاز من الإنتاج المحلي، ويصبح الاعتماد في فترة لاحقة على تصدير الغاز المسال من خلال استيراد الغاز الطبيعي من الدول المجاورة (قبرص وإسرائيل). ويذكر أن إنتاج مصر من الغاز انخفض في أيار (مايو) 2016 إلى أدنى مستوياته في تسع سنوات، ليصل إلى 3.89 بليون قدم مكعبة، لكن ارتفع أخيراً إلى 4.5 بليون قدم مكعبة يومياً. واجهت مصر مؤشرات انخفاض في إمدادات الغاز الطبيعي مطلع عام 2011، أي تقريباً مع بدء الثورة التي أطاحت بحكم الرئيس حسني مبارك. وتفاقم تراجع إنتاج الغاز بحيث اضطرت مصر إلى خفض التصدير عبر محطات تسييل الغاز في «إدكو» و «دمياط» ثم وقفه، وكذلك التصدير عبر خط الأنابيب إلى إسرائيل في 2012، ووقف الضخ في خط الأنابيب إلى الأردن ثم إعادته، لكن بكميات مخفضة وبمعادلة سعرية أعلى من السابق. تفاقم تراجع إنتاج الغاز الطبيعي خلال فترة الاضطرابات السياسية الداخلية ما بين 2011 و2014 حتى مجيء حكم الرئيس عبدالفتاح السيسي. إذ أوقف الكثير من الشركات النفطية العاملة في البلد أعماله الاستكشافية والتطويرية لعدم سداد نحو ستة بلايين دولار من الديون المتراكمة للشركات، وخوف الشركات الدولية من الاضطرابات السياسية في البلاد. شعر المواطن المصري بالنقص في إنتاج الغاز من خلال الانقطاعات المتتالية للكهرباء التي واجهتها مصر خلال الفترة 2012-2014. ويذكر أن قطاع الكهرباء هو المستهلك الأكبر للغاز في البلد (70 في المئة من الغاز الطبيعي المحلي). ومن أجل توفير الغاز لمحطات الكهرباء، بادرت حكومة السيسي إلى وقف الصادرات، على رغم المساءلة القانونية التي تنص عليها عقود البيع والشراء مع المستوردين بتسليم كميات محددة من الغاز في أوقات منتظمة، وخفض إمدادات الغاز لمصانع شركات البتروكيماويات والحديد والصلب المحلية، ومن ثم المنازل. كما بدأ تقليص الدعم لأسعار الوقود المحلية لتحقيق زيادة تدريجية لأسعار الغاز ليقترب مستواها من الأسعار العالمية ولخفض الاستهلاك المحلي. وكانت هذه إجراءات موقتة واضطرارية لمعالجة أزمة النقص في الكهرباء. لكن بقيت هناك المشكلة الأكبر للدولة، وهي تشجيع عمليات الاستكشاف ومحاولة العثور على حقول غازية ضخمة تحقق توازناً للعرض والطلب المحليين الطويلي الأمد على الغاز. ما يتطلب أولاً العثور على حقول جديدة، ثم الانتظار سنوات عدة لتطويرها، ناهيك عن تعديل نصوص الاتفاقات مع الشركات الدولية وسداد الديون المستحقة لها لتشجيعها على استثمار مئات ملايين الدولارات سنوياً. ظهرت نظرة متفائلة مفاجئة في صناعة الطاقة المصرية مع اكتشاف شركة «ايني» حقل «ظهر» العملاق عام 2015، باحتياطات تقدر بنحو 30 تريليون قدم مكعبة. ويعتبر «ظهر» أكبر حقل غاز في البحر الأبيض المتوسط. وتشير الخطط لتطويره إلى أنه سيلعب دوراً محورياً في كل من صناعة الغاز في شرق المتوسط وفي الصناعة المصرية ذاتها. برزت أيضاً بوادر مشجعة أخرى لزيادة إنتاج الغاز. فقد أعلنت شركة «بريتيش بتروليوم - بي بي» بعد انتظار طويل، عن بدء الإنتاج التجريبي من مشروع حقل «غرب دلتا النيل» الذي تبلغ احتياطاته الغازية نحو خمسة تريليونات قدم مكعبة، بحيث يبدأ الانتاج بطاقة 200 مليون قدم مكعبة يومياً في حزيران (يونيو) المقبل، ومن ثم يتصاعد إلى 600 مليون قدم مكعبة يومياً في نهاية السنة. كما يتوقع أن تزيد شركة «أديسون» المتفرعة عن شركة الكهرباء الفرنسية إنتاجها في حقل «أبو قير»، بعد إضافة منصات إنتاج جديدة ليرتفع معدل الإنتاج الغازي لها نحو 80-90 مليون قدم مكعبة يومياً. وهناك احتمالات لاكتشاف احتياطات غازية إضافية مستقبلاً في حقل «ابو قير» الذي يحتوي صخوراً «كاربوناتية» والمجاور لـ «ظهر» الذي يحتوي على الصخور ذاتها. ويتوقع أن يبدأ إنتاج حقل «ظهر» في 2019 /2020، من ثم ستتوافر إمدادات غازية كافية للاستهلاك الداخلي من الإنتاج المحلي بدءاً من عام 2020 لأمد طويل. لكن ستجد مصر نفسها مضطرة إلى حين بدء الإنتاج من «ظهر» إلى استيراد الغاز الطبيعي. ومن المتوقع أن يزود كل من قبرص وإسرائيل مصر بالغاز، عبر أنابيب قصيرة لسد العجز المحلي حتى عام 2020. هذا يعني أن الاستيراد المصري للغاز من الدول المجاورة سيخصص في بادىء الأمر للاستهلاك الداخلي خلال السنوات القليلة المتبقية من هذا العقد. ومن ثم بعد هذه الفترة، وبعد تحقيق الاكتفاء الذاتي، سيستعمل الغاز المستورد في محطات التسييل للتصدير إلى الأسواق الأوروبية للوفاء بعقود الغاز المسال الطويلة المدى التي التزمت بها مصر. تستفيد مصر من الغاز المستورد من الدول المجاورة على المدى القريب في سد العجز في الإنتاج . ومع بداية العقد المقبل، حيث ستكتفي بالإمدادات المحلية لتحقيق الاكتفاء الذاتي، ستستعمل الغاز الطبيعي المستورد في تشغيل مصانع تسييل الغاز المتوقفة عن العمل حالياً نظراً إلى عدم توافر غاز كاف لديها، ما يحملها خسائر مالية باهظة نتيجة لذلك. في الوقت ذاته، تستفيد الدول المجاورة من تصدير الغاز إلى واحد من أكبر سوقين للغاز في شرق المتوسط (تركيا ومصر) من خلال تكاليف قليلة نسبياً، ببناء خط أنابيب قصير المدى. إن تصدير الغاز من إسرائيل إلى مصر، وقبلها الأردن، يعكس الاهتمام بربط الدول التي وقعت معاهدات سلام مع إسرائيل بالاعتماد على الصادرات الإسرائيلية، بخاصة الغاز الطبيعي، لعقود. ويشكل هذا الاستيراد بالنسبة إلى الاسرائيليين، وفقاً لتصريحات مسؤوليهم، أهم عملية للتطبيع.     * كاتب عراقي متخصص بشؤون الطاقة

مشاركة :