المدن الذكيّة: التكنولوجيا تقترن بالبنية التحتيّة من جيل المستقبل لتكوين مقاربة استشرافيّة حقيقيّة تركّز على المواطن

  • 4/9/2017
  • 00:00
  • 8
  • 0
  • 0
news-picture

تُغيّر التكنولوجيا نظرة الناس إلى الحياة وعلاقتهم بها وتمثِّل الرقمنة فرصةً ذهبيّةً لتعزيز طريقة عيشهم في المدن. ونتيجة لذلك، تقوم الحكومات الى جانب المسؤولين في المدن ببناء «مدن ذكية» من خلال تفعيل أحدث التكنولوجيّات المدعومة ببنية تحتيّة واسعة النطاق من جيل المستقبل، قابلة للتكيّف والتطوير، وترمي إلى إشراك المواطنين أو المقيمين إشراكاً أفضل. ولكنّ النجاح في تطوير المدن الذكيّة يقتضي مقاربةً متدرّجة المراحل وشاملة وتركّز على المواطن. ومن خلال تسهيل استحداث المدن الذكيّة، التي تستعين ببنية تحتيّة متطوّرة وبحلول رقميّة لتوفير الخدمات، باستطاعة التكنولوجيا أن تُساعد واضعي السياسات على معالجة التحديات الاقتصاديّة والاجتماعيّة والبيئيّة الناشئة عن التوسع الحضري. وتجعل المدن الذكيّة التكنولوجيا الرقميّة والشبكات والتطبيقات جزءاً رئيسيا من العمليّات والتفاعل مع المقيمين. هذه المشاريع المتقدّمة المبنية على التكنولوجيا تشهد توسّعا كبيرا حول العالم. ففي هولندا على سبيل المثال، يُساعد تحليل البيانات على توقّع الفيضانات وتفادي النقص في المياه وتخفيض كلفة إدارة المياه بنسبة 15%. وفي الهند، تؤدّي أنظمة ضبط حركة السير المتكيفة في الوقت الفعلي إلى خفض متوسّط وقت الزحمة بنسبة 12%. وفي كوريا الجنوبيّة، تسمح التكنولوجيا الذكيّة بإدارة النفايات، وبالرعاية الصحيّة عن بعد وبالتعلّم التفاعلي كمجموعة مبدئية أولى من الخدمات. أمّا في الإمارات العربيّة المتحدة فترمي رؤية مدينة دبي الذكيّة إلى إقامة مدينة يتمّ تعزيز كل مواردها لتحقيق فعالية قصوى، تندمج الخدمات اليومية فيها اندماجاً سلسا ضمن الحياة اليوميّة مما يولِّد تجربةً حياتيّةً وتجاريّةً أكثر تواصلاً واستدامةً وتفاعلاً للجميع. خطّة دبي 2021 تضع الابتكار في صدارة محرّكات الاقتصاد عبر جميع القطاعات، وتُعزز «المكان» (The Place) باعتباره أحد المواضيع الستّة الأساسيّة التي تهدف إلى تحقيق مدينة ذكيّة ومستدامة. أمّا أن تترجم هذه الحقيقة على أرض الواقع وأن تتحوّل المدينة بالكامل الى الوضع المنشود، فيستوجب تقدّم بعض العناصر الأساسيّة وتحققها وهي بحسب بوز ألن هاملتون: المواطن المشارك؛ الخدمات الذكيّة؛ البنية التحتيّة من الجيل الجديد وعناصر التمكين التأسيسية الرقميّة. المواطن المشارك: تُشرك المدن الذكيّة المواطنين أو المقيمين من خلال قنوات عديدة هي أجهزة التلفزيون، وأجهزة الهاتف الذكيّة، والأجهزة اللوحية، والأجهزة القابلة للارتداء، والتكنولوجيّات المستقبليّة ونقاط وصول سيتم التفكير بها أو تطويرها. ولكي تكون هذه القنوات على قدرٍ من الفاعليّة، يجب أن يعي المواطنون الخدمات وأن يُبدوا ارتياحاً لاستخدام التكنولوجيا. فالمواطن المشارك هو ضروري لتحقيق الاستخدام «الشامل» للخدمات الذكيّة لا بل لتبنيها ولضمان المشاركة في مدينة ذكيّة والانخراط بها. الخدمات الذكيّة: تتجاوز الخدمات الذكيّة الخدمات التي توفّرها حكومات المدن بحيث تضمّ الخدمات التي يُتيحها القطاع الخاص. فليست الخدمات الذكيّة كلّها متساويةً بل تختلف من حيث درجة «الذكاء». أمّا الدرجة الأدنى من ذكاء الخدمة فهي «خدمة الاتصال» حيث تتصل الخدمات بالإنترنت وتكون متاحةً للمستخدمين في أيّ زمانٍ ومكان. وعلى مستوى أعلى، تكون «الخدمة المدمجة» متكاملةً مع العديد من الأنظمة ومتّصلة بمركز قيادة وضبطٍ مركزي، بما يُتيح التواصل السلس وتدفق المعلومات (كنظام مركزي للتبليغ عن الكوارث يتضمّن التواصل في حالات الطوارئ والاستجابة عبر وكالات السلامة/الأمن). أمّا الدرجة التالية من الذكاء فهي «الخدمة الشخصيّة» التي تكون مفصلة بحسب الحاجات ومتاحةً للمواطنين والمقيمين أو السيّاح بحسب خصوصيّاتهم وخياراتهم وموقعهم وعاداتهم الاستهلاكيّة الخ. أمّا الخدمة الذكيّة القصوى فهي «الخدمة الاستشرافيّة» التي تُتاح للمواطنين والمقيمين أو السيّاح بشكل استباقي من خلال توقّع حاجاتهم بالاستناد إلى الذكاء الفعلي الميداني (التحليلات التوقعية) الذي يسمح بالوقاية والجهوزيّة و/أو الحذر. البنية التحتيّة من الجيل المقبل: بهدف توفير نوعيّة حياة أرقى لمواطني المدينة وسكّانها أو سيّاحها، يجب أن تُبنى البنية التحتيّة من الجيل المقبل على البيانات المفتوحة وتحليلات البيانات الاستشرافيّة. وتُعدّ منصّات التحليلات الذكية، التي تغطي تحليلات البيانات الكبيرة والتحليلات الاستشرافيّة وتحليلات القرار، أساسيّة من أجل توفير خدمة راقية للعملاء في المدينة. ولا يقلّ شأناً اعتماد البنية التحتيّة الذكيّة التي تشمل شبكات الاستشعار والاتصال اللاسلكي بين الأجهزة في المدينة والاتصال الشديد السرعة ومنصّات التقارب لضمان الوصول المريح إلى الخدمات الذكيّة ودمجها على النحو الصحيح لتوفير خدمة شاملة بصرف النظر عن الكيان الذي يُتيح الخدمة أكان من القطاع العام أم الخاص. عناصر التمكين التأسيسية الرقميّة: يُبنى قيام نظام بيئي رقمي شامل في المدينة الذكيّة على ثمانية عناصر أساسيّة هي الحوكمة والحكومة المفتوحة والتحليلات والابتكار وريادة الأعمال ومعرفة القراءة والكتابة الالكترونيّة والأمن السيبراني والسياسات والمعايير والشراكات بين القطاعَين العام والخاص والاتصالات الاستراتيجية وآليّات محفّزات الاستخدام. تضمن هذه العناصر استدامة وتقدّم خدمات المدينة الذكيّة وتقديماتها. وباعتماد العناصر الأساسيّة المذكورة أعلاه كمرجعٍ، يبدو واضحاً أنّ دول مجلس التعاون الخليجي هي في صدارة التحوّل نحو مدن ذكيّة ولا سيّما الإمارات العربيّة المتحدة (دبي وأبوظبي) والمملكة العربيّة السعوديّة (الرياض) وقطر (الدوحة) والتي طوّرت برامجها في الفترة الأخيرة. ولكنّ منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا بشكل عام لا تزال متأخرةً في مجالٍ واحد هو القدرات المتصلة بعلم البيانات. وحتّى الساعة، لا تزال هذه القدرات ضئيلةً وتعوِّل بدرجةٍ كبيرةٍ على استيراد المعرفة إمّا من أوروبا أو من الولايات المتحدة. ولا بدّ من بذل المزيد في سبيل تكوين علماء البيانات في المنطقة وتعزيز قدراتهم. فمازالت المؤسسات في معظمها غير واضحةٍ بشأن القيمة المضافة المستقاة من تحليلات البيانات، وهي مترددة في تطبيق أيّ نوعٍ من أنواع البرامج التحليليّة. وللتغلّب على هذا التحدي، لا بد أن تعمل المؤسسات في القطاع العام أو الخاص نحو تطوير ثقافةٍ فعليّةٍ مبنية على علم البيانات. وكي تتمكن المؤسسات من البناء على قوّة تحليلات المواطنين أو العملاء ينبغي أن تضع الابتكار والتحليلات والتركيز على المواطنين أو العملاء في قلب ثقافتها المؤسسيّة. الاقتصاد الرقمي الأقوى والأكثر فاعليّةً سيكون حجر أساس في نمو الاقتصاد في المنطقة وتطوّره في المستقبل. وفي منطقةٍ تصل فيها نسبة الشباب دون سنّ الخامسة والعشرين المتعطشين إلى التكنولوجيا إلى ستين بالمائة، يكون لدينا عدد هائل من الأشخاص ذوي التوجّه الالكتروني والرقمي القويّ. وفي منطقةٍ تسير باتجاه تنويع اقتصاديّاتها المبنيّة على النفط، سيُبرهن تبني العصر الرقمي على أنّه محفّز أساسي باتجاه النمو وهو محرّك قادر على تحقيق المزيد من الفعالية من خلال تطوير القدرات الاقليمية الصحيحة، وخصوصا في مجال تحليلات البيانات. { نائب الرئيس التنفيذي، بوز ألن هاملتون

مشاركة :