هل دخل الإرهاب حضن روسيا وما علاقة المظاهرات الاحتجاجية في موسكو بما جرى في سان بطرسبرغ؟العرب جابر بكر [نُشر في 2017/04/09، العدد: 10597، ص(7)]العمق الروسي تحت ضربات الإرهاب باريس - لا يكاد العالم يلمّ بما حدث في سان بطرسبورغ، والجميع مشغولون بآثار وتبعات الضربة الأميركية على مطار الشعيرات والتي أمر الرئيس الأميركي دونالد ترامب بتوجيهها إلى النظام السوري. ولكن لا شيء بلا تأثير أو مسببات تقود إلى تأثيرات هنا أو هناك. وممّا لا شك فيه أن روسيا بحادث سان بطرسبورغ قد تعرضت للاعتداء عليها في العمق. وهذا لن يكون بلا معنى. أكبر جون جليلوف شاب روسي الجنسية من أصل قرغيزي، هكذا أُقرّ أخيراً، بعد تضارب كبير حول هوية منفذ عمليات التفجير في ثاني أكبر مدينة روسية سان بطرسبورغ. ولد جليلوف عام 1995 في مدينة أوش جنوب قرغيزستان، وهو ينتمي لعائلة متواضعة انتقلت إلى روسيا عام 2011 حيث حصل الأب والابن الأكبر على الجنسية الروسية آنذاك، وكذلك نال أكبر جون الجنسية الروسية بعد بلوغه سن الرشد وفقا للقانون الروسي، وما يزال الأب يعيش في روسيا في حين عادت الأم مع عدد من الأطفال إلى مسقط رأسهم في قرغيزستان. الوكالات والمواقع الروسية الناطقة بالعربية نقلت بعض المعلومات عن العائلة تفيد بأنهم أناس بسطاء وهادئون. ولم يكونوا متطرفين دينياً يوماً، جاؤوا من مدينة أوش عاصمة الجنوب القرغيزي، الإشكالية، نظرا لعدم وجود ترسيم واضح للحدود مع أوزبكستان وطاجيكستان حيث تنشأ باستمرار نزاعات حدودية عنيفة. تعتبر أوش أكثر المدن عرضة لمحاولات تجنيد المنظمات الإرهابية حيث ترى المصادر الروسية بأنها منطقة ذات ميل ديني متطرف عموماً. في حين تشير المصادر التاريخية إلى أنها منطقة ذات ميل صوفي حتى منتصف القرن الماضي، قبل أن تطحن تقريباً بالمد الشيوعي السوفييتي. لكن البلاد عموماً صدّرت قرابة الخمسمئة مقاتل إلى سوريا قتل منهم قرابة الثلاثين وعاد حوالي الأربعين، وبطبيعة الحال فإن قرغيزستان كما باقي بلاد آسيا الوسطى تعاني من نشاط الحركات الراديكالية الإسلامية الدينية والتي نشطت خلال الحروب الروسية في تلك المناطق بداية من أفغانستان المجاورة ومروراً بالشيشان والتدخلات الروسية الدائمة هناك. هل بدأت إمارة القوقاز يبقى السؤال، ما شأن جليلوف بكل هذا؟ أين هو من تاريخ الحركات الجهادية الإسلامية في بلاده؟ كيف له أن يكون جزءا من تلك الحركات وهو الذي خرج منها بعمر الستة عشر عاماً؟ لماذا سان بطرسبورغ؟ لماذا في ذاك اليوم بالذات؟ أين المسألة السورية من الحدث؟ وأين العامل الشيشاني من القصة؟ كيف لنا فهم كل هذه الاشتباكات والمعلومات وفيض التفاصيل المتضاربة والمتقاربة حول ما جرى هناك وراح ضحيته مدنيون لا ذنب لهم إلا أنهم تواجدوا في تلك اللحظة المشؤومة على متن قطارات الأنفاق تلك. أصيب وقتل منهم أكثر من ستين شخصاً.سان بطرسبورغ "محبوبة بوتين" كما يطيب للروس تسميتها، يعقد فيها منتدى الإعلام الروسي، ويزورها رئيس روسيا البيضاء، لتشهد في الفترة ذاتها، تحركات أمنية واسعة ونشاطا كبيراً لأجهزة الأمن لتأمين هذه المناسبات على أقل تقدير، فكيف لشاب صغير أن يتسلل من خلال هذا كله إلى المترو ويضع حقيبة متفجرة تقتل وتجرح العشرات؟ هل دخل الإرهاب حضن روسيا؟ ما علاقة المظاهرات الاحتجاجية في موسكو بما جرى في سان بطرسبرغ؟ ما علاقة تطور الموقف الروسي المدافع عن غالبية دكتاتوريات العالم بما يجري على أراضيها هذه المرة؟ لماذا روسيا اليوم وهي التي كانت بعيدة عن أيّ أعمال إرهابية مباشرة رغم “محاربتها الإرهاب” على أراضي الآخرين؟ هل تذكر تنظيم الدولة، الذي تحوم حوله الاتهامات، خصمه فجأة؟ أم هل انتهى انتقام التنظيم من فرنسا وبريطانيا ليتحوّل إلى روسيا؟ أسئلة كثيرة لا أظن بأن جليلوف، إن كان هو المهاجم، قد فكر فيها ولا حتى من أرسله، إن كان مدفوعا من قبل جماعة ما لتنفيذ تلك العملية. قرغيزستان هي ثاني أصغر دول آسيا الوسطى الخمس. استقلت عن الاتحاد السوفييتي يوم 31 أغسطس 1991. وتبلغ مساحتها نحو 198 ألف كيلومتر مربع، عاصمتها بشكيك. وهي بلد محاصر بكل من أوزبكستان وكازاخستان وطاجيكستان والصين. تعداد سكانها يتجاوز الخمسة ملايين ونصف المليون مواطن، يتوزعون على عرقيات وديانات مختلفة، فالغالبية منهم قرغيز بنسبة 64.9 بالمئة، ومن ثم الأوزبك 13.8 بالمئة، وبعدهم الروس 12.5 بالمئة، والبقية من الدونغان والأوغور والأوكران وعرقيات أخرى. 80 بالمئة من السكان مسلمون سُنّة و16 بالمئة منهم مسيحيون أرثوذوكس والباقي من البهائية وشهود يهوه، يمكن القول إنه بلد متعلم فنسبة الأمية فيه أقل من 2 بالمئة. كرة الثلج الروسية أريد لها أن تتدحرج بأيدي الآخرين، فقد امتنع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين عن التعليق على الحادثة في المؤتمر الصحافي مع رئيس روسيا البيضاء والذي عقد بعد اجتماع الرئيسين في سان بطرسبورغ التي شهدت بالتزامن ذاك الهجوم الدامي. لماذا رفض الرئيس حاضر البديهة التعليق على الحدث وانتظر وضع الزهور الحمراء عند النصب التذكاري للحادثة، ليقول كلاماً مفاده بأنها يمكن أن تكون هجمات إرهابية. بالتزامن مع ضرب “محبوبة بوتين”، سان بطرسبورغ، يعقد منتدى الإعلام الروسي في المدينة ويزورها رئيس روسيا البيضاء، إذن المدينة تشهد تحركات أمنية واسعة ونشاطا كبيرا لأجهزة الأمن لتأمين هذه المناسبات على أقل تقدير، فكيف لشاب صغير ومن معه بحسب التحقيقات الأولية أن يصعدوا مترو الأنفاق ويضعوا حقيبة متفجرة تقتل وتجرح العشرات؟ وأخرى لا تنفجر وتكتشفها الشرطة الروسية بعد حملة التفتيش الواسعة إثر إغلاق كافة محطات المترو؟كرة الثلج الروسية أريد لها أن تتدحرج بأيدي الآخرين انتقاما من الرئيس الصلب يمكن القول إنها هجمات انتقامية، وربما تكون هجمات تمويه وتشتيت انتباه عمّا تشهده أو قد تشهده روسيا من احتجاجات ضد الرئيس الصلب. هل يمكن للأفعى أن تقضم ذيلها؟ من يدري ماذا جرى ويجري في الكواليس؟ ومن يمكن له فهم كيف لإمارة القوقاز الإسلامية أن تبدأ أعمالاً انتقامية أو عسكرية على الأراضي الروسية؟ هل هي اللعنة السورية قد حلّت بحليف الأسد بعد أن حلّت بأصدقاء الشعب السوري في فرنسا وبريطانيا وبلجيكا وألمانيا؟ إن كان عدوّ روسيا بطبيعة الحال عدوا للأسد فإنه يضرب من يقفون مع حقوق الشعب السوري المنتفض ضد الأسد، تلك الانتفاضة التي ركبها تنظيم داعش الإرهابي ليزرع مخالبه في تلك الأرض، ومن ثم ينطلق ليضرب أصدقاء الشعب الذي قال بأنه جاء لنصرته. لا تطال بنادقه لا إيران ولا روسيا ولا الصين ولا أيّا من البلاد التي تدعم عدوه المباشر. فكيف جاءت روسيا على خاطر البغدادي وغيره من الإرهابيين؟ لم يسأل أيّ من المنظرين الروس أو المقربين منهم هذه الأسئلة بطبيعة الحال، وإذا ما توجهت لهم يجيبون عبر القنوات التلفزيونية بأن ما جرى سيزيد من تمسك الأمة الروسية بخيار محاربة الإرهاب خلف الرئيس الحازم بوتين. أمّا أثر التفجيرات على سمعته الأمنية فيأتي الرد مدغماً بأن ما جرى هو فعل انتقامي من تلك التنظيمات الجهادية الإرهابية التي تلقت ضربات موجعة من القوات الروسية في سوريا. لكن الواقع يخبر غير ذلك، فهذا القوات تركت مدينة تدمر السورية لصالح تنظيم الدولة للمرة الثانية على أقل تقدير خلال عام، هذه القوات ركزت جلّ جهدها العسكري على تحطيم مدينة حلب وإعادة مشهد غروزني إلى أذهان البشرية، هذه القوات تصرف سحابة أيامها السورية بالتفاوض على الانسحابات التكتيكية من وادي بردى بريف دمشق مرة ومن حي الوعر الحمصي أخرى.قرغيزستان كما باقي بلاد آسيا الوسطى تعاني من نشاط الحركات الراديكالية الإسلامية الدينية والتي نشطت خلال الحروب الروسية في تلك المناطق بداية من أفغانستان المجاورة ومرورا بالشيشان والتدخلات الروسية الدائمة هناك. وقد صدرت قرابة الخمسمئة مقاتل إلى سوريا قتل منهم نحو الثلاثين وعاد حوالي الأربعين إشكالات داخلية يتجاوز المنظرون الروس وأتباعهم هذه المواقف كلها ولا يعترفون بها، يقفزون إلى مطالبة الشعب الروسي بأن يلتفّ حول القيادة الروسية الحكيمة ويتوقّفون عن صرف جهودهم بالاحتجاجات ضد الفساد أو غيرها من الأزمات التي تحيق بالأمة الروسية وإعطاء الرئيس القائد بوتين فرصة القضاء على الإرهاب في كل أنحاء العالم. لا أحد منهم يناقش جدوى القضاء على الإرهاب بإبقاء كل الدكتاتوريات تحت حماية روسيا الاتحادية وأولها تلك الدكتاتوريات القريبة في آسيا الوسطى وليس انتهاء بسوريا مرورا بكوريا الشمالية. لا أحد يريد الحقيقة وربما أيضا لا أحد منهم يبحث عنها بالأصل. باتت الحقيقة هي المعطيات التي تخدم مصالحك فقط والباقي كله أكاذيب. “أكاذيب وتضليل” كما وصف الكرملين ما جرى في موسكو من احتجاجات. فقد أكد الأخير أنه مع حق التظاهر المرخص، حيث قال دميتري بيسكوف الناطق الصحافي باسم الرئيس الروسي إن الكرملين يحترم موقف المواطنين المدني وحقهم في التعبير. لكنه شدد على أن التعبير عن مثل هذه المواقف يجب أن يأتي بالصيغ المسموح بها وفق القانون الروسي وفي الأماكن التي تمّ تنسيقها مع السلطات المحلية. واستطرد قائلا “لا يمكننا أن نتعامل بنفس القدر من الاحترام مع أولئك الذين يعملون عمدا على تضليل الناس وتحريضهم على أعمال غير شرعية. ما رأيناه في بعض المناطق، ولا سيما في موسكو، كان استفزازا وكذبا لأن أولئك الذين أوضحوا بلغة شبه أكاديمية أن المظاهرة شرعية ولا تتعارض مع القانون الروسي، كانوا يقولون كذبا بحتا. لم يتم تنسيق هذه المظاهرة”. كل ما يجري كذب والوقوف مع الحدث أيضا كذب، ومن يبرّر الحدث يكذب. والاحتجاجات لعبة دولية ضد روسيا الأمة، وليست موقفا ضد موت الجنود الروس بالمجّان في بقاع العالم لأجل عيون القائد بوتين. من ثمّ وبشكل مفاجئ تأتي تفجيرات سان بطرسبورغ، كيف ولماذا؟ لا لشيء إلا لتكبر كرة الثلج أكثر وتصير حاملاً ممتازاً لما قد يأتي في القادم من الأيام. فالأوراق تختلط بشدة هذه الفترة أمام بوتين والفكر السياسي الروسي الجديد.
مشاركة :