القاهرة: جمال القصاص كرم قطاع الفنون التشكيلية بوزارة الثقافة المصرية الفنان الراحل محسن شعلان، وذلك في معرض استعادي لأعماله الفنية افتتحه وزير الثقافة صابر عرب والفنان صلاح المليجي رئيس القطاع. يقام المعرض في قصر الفنون بساحة دار الأوبرا بالقاهرة ويضم مجموعة كبيرة من أعمال شعلان، بعضها يُعرض للمرة الأولى، وتتنوع الأعمال المعروضة ما بين لوحات زيتية وأبيض وأسود واسكتشات تتميز جميعها بعفويتها الخالصة وتلقائيتها المستمدة من شخصية الفنان. ويستمر المعرض حتى 15 مايو (أيار). يأتي هذا المعرض كمحاولة لإنصاف محسن شعلان الذي رحل عن عالمنا إثر أزمة صحية مفاجئة في 9 فبراير (شباط) الماضي عن عمر يناهز 63 عاما، وبعد أن قضى في السجن 60 يوما في قضية سرقة لوحة فان غوخ «زهرة الخشخاش» من متحف محمود خليل بالقاهرة، في أغسطس (آب) عام 2010، حيث وجهت له محكمة جنح مستأنف الدقي، تهمة الإهمال الجسيم، وعاقبته بالحبس لمدة عام بوصفه مسؤولا عن المتحف كوكيل أول وزارة الثقافة، ورئيس قطاع الفنون التشكيلية السابق. أجواء هذا القضية تحضر في كثير من لوحات المعرض، وتنحو نحو المرثية الفنية، كما أنها تعد امتدادا للخيط الفني الذي برز في معرضه الذي أقامه فور خروجه من السجن بعنوان «القط الأسود.. تجربة سجن» بمركز الجزيرة للفنون بالزمالك، وضم المعرض 112 لوحة، ما بين التصوير الزيتي ورسم بالحبر الأسود والألوان المائية، وفسر شعلان اختياره تيمة «القط الأسود» في كل لوحاته، لأنه يحمل كل معاني الفساد والشر، وعلامة على الغموض والغدر الذي تعرض له كفنان في حياته الوظيفية، وعدّ أن القط الأسود هو مندوب الشر الذي جاء في السجن ليطمئن على إتمام مهمة توقيع الظلم على المظلومين داخل السجن، موضحا أن القط تقمص شخصية بعينها تأكيدا على تنفيذ مخططاته الشريرة. وخلال مشواره الفني، لم يتخلّ شعلان عن إبراز الروح الشعبية المصرية في لوحاته، التي عايشها من خلال نشأته بحي بولاق الشعبي بالقاهرة، حيث انحاز في أعمالة لأحلام وهموم الفقراء، ومحاربة القبح والفساد، وتميز أسلوبه بتعبيرية رمزية شديدة البساطة والشفافية، برزت على نحو خاص في تصويره لبعض المشاهد الحميمية من واقع الحياة اليومية الشعبية، مثل وجوه ابن البلد والفلاحة والاحتفاء بالحضور الإنساني في لوحاته بشكل عام، والتأكيد على مفارقات هذا الحضور ما بين حيوية الفانتازيا والطابع التراجيدي. وتومض في الكثير من أعمال شعلان مكونات ثقافته وذاكرته وأحلامه الشخصية، وذكرياته مع المكان، كما كان شديد الاعتزاز بمن تأثر بهم من الفنانين، خاصة سيف وانلي، وتحية حليم، وعبد الهادي الجزار. كما استفاد شعلان من طاقة الشعر في كثير من لوحاته، ولم ينس أبدا أنه شاعر، وأن إحساسه بالذبذبة النغمية في حركة الخطوط والألوان والأشكال، صدى لحبه للطرب والموسيقي، فتنداح في خلفية لوحاته أصداء لألحان وأغاني محمد عبد الوهاب وأم كلثوم وفيروز، والسنباطي والقصبجي، وغيرهم من الفنانين. وفي نزعته الرمزية وولعه بالرموز لا يعبأ شعلان بالعلاقة المباشرة بين الرمز ومرموزه، بل يذهب بهما أبعد من المألوف والشائع، وقد برز هذا على نحو لافت في معرضه «نحن هنا» حيث يبلغ اللعب بالكرافت ذروته الفنية والدرامية، حين يتحول في إحدى اللوحات إلى مظهر من مظاهر التنكر والخداع والتزييف، فنجد رجلا يرتعش خوفا خلف مانيكان أنيق لـ«كرافت» في حلة أنيقة، يتلمسه بأصابعه المرتعشة، وكأنه بصدد خوض مغامرة في مجهول، أو في مسافة مستحيلة بين هويتين، يفتقدان أي نقطة للالتقاء والدفء الإنساني الحميم، ثم يقلب شعلان المشهد نفسه من منظور التجاور مع تحوير في الدلالة في لوحة أخرى، حيث تقف أنثى عارية الصدر أمام المانيكان، واضعة يدها فوق خدها، وكأنها تندب حظها العاثر، في البحث عن شريك الحياة، وفي الدلالة نفسها يؤكد شعلان أن التضاد ليس أحد مقومات الانسجام الفني والإنساني فحسب، بل يمكنه إشاعة الرقة والإحساس بالجمال في أحيان كثيرة. هذه النزعة التعبيرية لا تبرح وجوه شعلان الأنثوية، فهو يغطيها بألوان بنية ورمادية كابية وساكنة، محيِّدا طاقة البوح الكامنة في داخلها، وكأنها سر يخص الفنان وحده، ليبقى من ثم التخمين والتأويل طاقة مفتوحة للمشاهد، بحيوية على تخوم التجريد والتجسيد والكاريكاتير لإعادة التأمل، وربما إثارة شهوة الحوار مع اللوحة نفسها. فالشكل لا يبرر أسلوب الرسم، بقدر ما يحرره من نواقص التشخيص، كما ينفتح الخط بلا حذر على فضاء الشخوص، وكأنها أيقونات للحن قديم يتصبب عرقا وحنوا.
مشاركة :