د. علي حسين باكير | عندما كانت إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب لا تزال تبحث الخيارات التي من الممكن اعتمادها ردّا علىاستخدام نظام الأسد للسلاح الكيماوي ضد المدنيّين، سارع الرئيس التركي رجب طيّب أردوغان إلى الإعلان بأنّ بلاده ستكون حاضرة لأداء ما يتوجّب عليها في حال تقرّر استهداف نظام الأسد. وقد كان ذلك بمنزلة أول تعليق دولي يحثّ بطريقة غير مباشرة على استهداف نظام الأسد ردّاً على خرقه القوانين الدولية واستخدامه غاز السارين ضد المدنيين. وما أن قامت الإدارة الأميركية باستهداف قاعدة الشعيرات الجويّة بصواريخ توماهوك كرد محدود على المجزرة الكيماوية التي ارتكبها الأسد، حتى أثنى الجانب التركي على هذه العملية مطالبا بالمزيد من الإجراءات لاستهداف النظام مباشرة، بالإضافة الى محاسبته دولياً، كما دعا وزير الخارجية مولود تشاووش أوغلول إلى تشكيل هيئة حكم انتقالي كاملة الصلاحيات وفق ما نصّت عليه الاتفاقات الدولية في إشارة الى ضرورة إخراج الأسد من السلطة. هذه التصريحات، التي جاءت بعد فترة من تعمّد الجانب التركي عدم الحديث عن الأسد مباشرة، تعكس الأجندة الحقيقية لتركيا وهي رد صريح وواضح على كل من ادّعى سابقا أنّ أنقرة كانت قد تخلّت عن هذا المطلب أو ساومت عليه. لكن كيف يمكن المواءمة بين هذين الأمرين؟ الأسد هو المشكلة في حقيقة الأمر، ما جرى خلال المرحلة الماضية هو اضطرار أنقرة للحديث عن أولويات أخرى بسبب التهديد الحقيقي التي كانت ولا تزال تواجهه من تنظيم داعش وميليشيات (بي واي دي) الكرديّة، علماً أنّ الجانب التركي لا يخفي أبداً إدراكه لحقيقة أنّ هذه التنظيمات وغيرها من التنظيمات المتطرفة والإرهابية إنما جاءت نتيجة لممارسات الأسد على مدى السنوات الماضية، وأنّ المشكلة الرئيسية تنبع من نظام الأسد وأنّه من دون تغيير النظام لن يتم القضاء على الإرهاب في سوريا. لقد أدركت أنقرة في فترة من الفترات أنّه لم يعد بالإمكان الدفع بأجندة إخراج الأسد ما لم يتم اللحاق بالأجندة الأخرى التي اتفق عليها الاميركيون والروس والإيرانيون في سوريا ألا وهي أجندة محاربة الإرهاب. ولذلك فقد ركّز الجانب التركي أيضا في المرحلة الماضية على موضوع محاربة الارهاب للتقرّب من الجانب الأميركي والروسي من الناحية السياسية، ولقطع الطريق عملياً على استيلاء ميليشيات (بي واي دي) الكردية على كامل الشمال السوري ولمنع داعش من تنفيذ المزيد من العمليات الارهابية داخل تركيا. أمّا وقد عاد الموقف الأميركي في لحظة من اللاحظات الى المشكلة الأساسية، فقد أتاح ذلك للجانب التركي التعبير عن أجندته الأساسيّة مرةّ أخرى ألا وهي الإطاحة بالأسد. صحيح أنّ الجانب التركي يأمل ربما أن تتّخذ إدارة ترامب المزيد من الخطوات في هذا المجال، لكنّ ذلك سيأتي بالتأكيد على حساب التطبيع في العلاقات بين أنقرة وموسكو لاسيما فيما يتعلق بالملف السوري. لقد شهدنا خلال الأيام القليلة الماضية تراشقا بن تركيا وروسيا حول المجزرة الكيماوية وحول الضربة الأميركية، حيث ترى أنقرة بأنّ موسكو لا تلعب دورها المطلوب منها كضامن لاتفاق وقف إطلاق النار، ولا تضغط على الأسد كما هو واضح، ولا شك أنّ اتخاذ إدارة ترامب المزيد من الخطوات التصعيدية مع نظام الأسد مستقبلا قد يفيد أنقرة، لكنّه سيضع من دون شك ضغوطاً متزايدة على العلاقة بين تركيا وروسيا، وهذا يعني انّ أنقرة ربما قد تضطر لاحقا إلى الاختيار مرة أخرى في أن تميل إلى الجانب الأميركي أو أن تميل إلى الجانب الروسي في الملف السوري إلا في حال عادت واشنطن من جديد الى سياسة تجاهل الأسد، ناهيك عن التساؤلات التي يطرحها لاحقا حول مصير اجتماع الاستانة وكذلك مفاوضات جنيف في المرحلة المقبلة.
مشاركة :