« الشارقة للفنون ».. نافذة الحداثة التشكيلية

  • 4/10/2017
  • 00:00
  • 1
  • 0
  • 0
news-picture

الشارقة: محمد ولد محمد سالم اتجهت مؤسسة الشارقة للفنون، منذ عامين، إلى الانفتاح على الساحة العربية، والبحث في واقع الفكر والفن التشكيلي العربي، من خلال أنشطة تُعنى بحركة الفن والفكر في عدد من الدول العربية، وجاء ذلك التوجه بالتعاون مع مؤسسات بحثية وفنية دولية من أجل تعميق الرؤية لتاريخ الفنون والأفكار الحداثية في الساحة العربية، وإماطة اللثام عن محطات مضيئة في ذلك التاريخ.في هذا الإطار استضافت المؤسسة في إبريل/نيسان 2015 مؤتمراً فكرياً بعنوان «الحداثة وصناعة الهوية في السودان.. استعادة حقبة الستينات والسبعينات»، ثم أتبعته أكتوبر/تشرين الأول في 2016، بمعرض فني بعنوان «مدرسة الخرطوم.. صناعة حركة الفن الحديث في السودان»، وفي نوفمبر/تشرين الثاني 2015 نظمت المؤسسة مؤتمراً دولياً بعنوان: «السرياليون المصريون من منظور عالمي» احتضنته الجامعة الأمريكية بالقاهرة، وأتبعته في سبتمبر/أيلول 2016، بمعرض متجول بعنوان «حين يصبح الفن حرية.. السرياليون المصريون (1938- 1965)» الذي افتتح في قصر الفنون بالقاهرة، ثم تجول في عدة مدن عالمية، كما شهد بينالي الشارقة 13 تنظيم عدة فعاليات موازية للبينالي في بيروت وداكار وإسطنبول، وفي أجندة المؤسسة عدد من الأنشطة الخارجية التي تركز على قضايا فنية وحداثية عربية. تعطي هذه الأنشطة المفتوحة على الساحة الفنية العربية، وما راج فيها من أفكار، مجالاً خصباً لمؤسسة الشارقة للفنون لإبراز دورها كمؤسسة تعمل على تنشيط الساحة الفنية والثقافية العربية، بالجديد، وتشجع البحث في المنجز العربي في مجال الفنون والفكر الفني، وتسلّط الضوء على قامات من المبدعين العرب كان لهم دور حاسم في تطوير حركة الفن في بلدانهم، وتأثير كبير في مسيرة الفن العربي، كما تسعى المؤسسة من خلال نشاطها ذلك إلى تحفيز أخيلة الفنانين، وتدعيم قدراتهم للعمل والتطوير، عبر طيف واسع من الفنون المعاصرة والبرامج الثقافية، وتحريض الطاقات الإبداعية، وإنتاج الفنون البصرية المغايرة والمأخوذة بهاجس البحث والتجريب والتفرد، وفتح أبواب الحوار على مصاريعها مع كافة الهويّات الثقافية والحضارية، بما يعكس ثراء البيئة الفنية العربية وتعدديتها الثقافية. تزامن مؤتمر «الحداثة وصناعة الهوية في السودان» مع إقامة بينالي الشارقة 11، ما مكّن المشاركين في المؤتمر من زيارة مختلف الأماكن التي يقام فيها البينالي، والاطلاع على أشكال الفنون والمعارض والمشاريع الفنية التي يتضمنها، والمشاركة في الحوارات والنقاشات الدائرة في أروقة البينالي، فكان فرصة لتبادل ثقافي واسع، بين فناني البينالي الذين جاؤوا من مشارب شتى ومن دول عديدة عربية وشرقية وغربية، وبين الفنانين والمفكرين السودانيين المشاركين في المؤتمر، الذي استقطب مفكرين ونقادَ أدبٍ وفن ومشتغلين بالفن السينمائي وشعراء، كما استقطب كتاباً مسرحيين وروائيين وفنانين، وثقوا وقدموا قراءات نقدية حول تشكل الحداثة في السودان، بالتلازم مع قضية الهوية كموضوع ظل مثار نقاش دائم طوال مراحل التاريخ الثقافي والسياسي السوداني.سعى المؤتمر إلى إيجاد أرض جديدة للتفاهم تنقذ ما تبقى من السودان من الانقسامات والعنف الدامي الذي يعيشه، ورصف أرض جديدة لالتقاء كافة التيارات والعناصر المكونة للمشهد الثقافي السوداني، فبحث في حركة الحداثة في السودان بأبعادها التاريخية والاجتماعية والثقافية والأدبية والفنية، وركز بالخصوص على حقبة الستينات والسبعينات، باعتبارها حقبة محورية شهدت صعود العديد من الحركات الحداثية التي شكلت انعطافاً جذرياً في المشهدين الأدبي والفني، وأفرزت زخماً هائلاً من الأنشطة في كافة مجالات الإنتاج الثقافي والفني، من الأدب والموسيقى والمسرح إلى الفنون البصرية والأدائية، ودرست أوراقه تراث المدرستين الأقوى حضوراً في المشهد في تلك الحقبة: مدرسة الخرطوم في مجال الفنون البصرية، ومدرسة (الغابة والصحراء) في مجال الأدب، وقد كان سؤال الهوية مركزياً في آثار المدرستين، اللتين عكست أعمالهما تعدد الهويات في السودان كأمة متنوعة تقف على مفترق الطرق بين إفريقيا والعالم العربي الإسلامي.استطاع المؤتمر أن يعيد الاعتبار لحقبة الستينات والسبعينات، التي على الرغم من أهميتها في تشكيل بعدي الحداثة والهوية في السودان، فإنها، وللمفارقة، ظلت تعاني إغفالاً وشحاً في الدراسات والبحوث العلمية التي ترصد بتمعنٍ دورها، فباستثناء عدد قليل من الكتب والمقالات والمذكرات المنشورة، فإن هذه الفترة قد ظلت وإلى حد كبير تعاني الإهمال في الدراسات الأكاديمية والأدبية السودانية، وكان من حسنات المؤتمر أنه استضاف مجموعة من الشخصيات البارزة التي أسهمت في تشكيل المشهد الأدبي والفني لتلك الحقبة، وشكلت علامات في المدرستين المذكورتين، واستضاف معها أسماء بارزة من أبناء الجيل الشاب من العلماء والفنانين والنقاد الأدبيين والفنيين، موفراً بذلك منصة للتوثيق والبحث والرصد النقدي الرصين، ومن تلك الشخصيات البارزة منصور خالد، وكمالا إبراهيم إسحاق، ومحمد المكي إبراهيم، وعبدالله علي إبراهيم، وسوندرا هيل، وإبراهيم محمد زين، والنور حمد، وإبراهيم الصلحي، وإيمان عباس النور، وعبدالله جلاب، وأحمد إبراهيم أبوشوك، وستيلا قايتانو، وسليمان محمد إبراهيم، وكمال الجيزولي، وتعبان لو ليو، وناهد محمد حسن، ونور الدين ساتي، والدكتور يوسف عيدابي.أما معرض «مدرسة الخرطوم.. صناعة حركة الفن الحديث في السودان» الذي نظمته المؤسسة في الشارقة في أكتوبر/تشرين الأول 2016، فجاء استكمالاً لسعيها لبناء صورة متكاملة عن حركة الحداثة الفنية في السودان بماضيها وحاضرها، وضم المعرض حوالي 400 عمل فني لأكثر من أربعين فناناً، وقُسِّم إلى ثلاثة معارض نوعية، أولها بعنوان «سعة الأفق.. إيجاز العبارة»، وهو معرض استعادي للفنان عامر نور، يتتبع إنتاج خمسين عاماً في مجال النحت، ويجمع ما بين مفهوم التبسيطية وبين التأثير الإفريقي، خصوصاً التأثير السوداني من حيث المعمار والبيئة.كان المعرض الثاني بعنوان «نساء في مكعبات بلورية» للفنانة كمالا إبراهيم إسحق، وفيه قدمت شخوصاً مشوهة بألوان ساكنة، تعكس تأثيرات طفولتها في السودان، وذكرياتها عن حكايات الجدات والأساطير المروية، والطقوس النسائية التقليدية مثل «الزار»، أما المعرض الثالث فكان معرضاً جماعياً بعنوان: «مدرسة الخرطوم.. حركة الفن الحديث في السودان من 1945 إلى الحاضر»، وضم أعمال 60 فناناً من أبرز الفنانين السودانيين، منهم إبراهيم الصلحي وأحمد شبرين وحسن موسى، وجمع المعرض بين أعلام مدرسة الخرطوم، وبين أسماء فنية أخرى موازية لها أو جاءت بعدها.النشاط الثالث الأبرز في أنشطة المؤسسة الخارجية في 2015 هو مؤتمر «السرياليون المصريون من منظور عالمي»، وقد كانت تجربة هذه الحركة، وخاصة جماعة الفن والحرية، قصيرة الأمد، ولم تدم طويلاً، لكنها خلفت أثراً دائماً على فناني الحداثة المصريين الذين ما زالوا ينشرون جماليّاتها وأطروحاتها الأصلية حتى اليوم، وقد ارتبطت حركة السورياليين المصريين باسم الفنان جورج حنين (1914- 1973)، الذي كان المنظر الأول لها في مصر، وكان يكتب الشعر بالفرنسية، وقد أسس «جماعة الفن والحرية» عام 1937، وأصدر البيان المؤسس للسريالية المصرية أواخر عام 1938، وكان حنين على صلة وثيقة بأندريه بريتون أبي السوريالية في فرنسا.وجاء النشاط الخارجي الرابع للمؤسسة في صورة معرض «حين يصبح الفن حرية.. السرياليون المصريون (1938- 1965)»، الذي كان استكمالاً للمؤتمر السابق عن هذه الحركة الأدبية والفنية، سعياً إلى إبراز تاريخ الحداثة الفنية في مصر، وتياراتها المختلفة، والظروف الفكرية التي نمت فيها، وأبرز المعرض دور جماعات أخرى ظهرت في الخمسينات والستينات متأثرة ب«جماعة الفن والحرية» منها، «جماعة الفن المعاصر» التي قادها فنانون معروفون: عبدالهادي الجزار، كمال يوسف، حامد ندا، ماهر رائف، منير كنعان، سالم الحبشي، سمير رافع، إبراهيم مسعودة وغيرهم، بقيادة مرشدهم المُلهم حسين يوسف أمين.أبرز المعرض غنى تجربة السريالية المصرية، ومساهمتها في صناعة مفهوم الحداثة باعتباره مفهوماً جامعاً لتيارات عديدة وتوجهات وأساليب مختلفة في مجال الفن، قد تختلف أو تتقاطع أو توازي الحداثة الفنية الغربية، بما يعطي لكل حداثة خصوصيتها، ولونها المميز والمستقل عن الحداثة الغربية، وفي الوقت نفسه يشترك معها في مفهوم الحداثة كثورة فنية وفكرية على السائد، وسعي حثيث إلى استشراف المستقبل، واستحداث الجديد.

مشاركة :