محمود الريماوي لم تحمل الضربة الأمريكية ضد مطار الشعيرات السوري، قدراً كبيراً من المفاجأة. ذلك أن استخدام الأسلحة الكيماوية ضد بلدة خان شيخون الخالية من أي تواجد مسلح، قد تجاوز كل الحدود، ولم تكن هناك من دولة قادرة على تحمل مسؤولية هذه الضربة مثل الولايات المتحدة التي أبلغت بالعملية قبل وقوعها عدداً من الدول المعنية من بينها روسيا. كما لم يكن من المنطق استمرار استخدام الأسلحة المحرمة ضد المدنيين بغير رادع أو مساءلة.يسوء المرء أن يتعرض أي بلد عربي لاعتداء خارجي، أو أن تتعرض المقدرات العسكرية لأي بلد عربي لاستهداف أجنبي. غير أنه في حالة سوريا، فإن المدنيين هناك يتعرضون لاعتداءات جسيمة من الطرف الذي يفترض أنه منوط بحمايتهم. فيما تُستخدم الأسلحة بما فيها المحظورة والمحرمة دولياً ضد هذا الشعب الشقيق المنكوب، الذي تجرع الويلات على مدى ست سنوات.ورغم أنه قد تم إطلاق تحذيرات دولية عدة للنظام بالكف عن استخدام أسلحة محظورة، وعن الاستهداف المنهجي شبه اليومي للمدنيين، إلّا أنه لم يتوقف عن ذلك. وكان يفترض أن النظام قد تخلى عن أسلحته الكيماوية وفق الاتفاق الذي رعته الأمم المتحدة، وذلك بعد المجزرة المروعة التي ارتكبت ضد الغوطة شرق دمشق، وذهب ضحيتها أكثر من ألف ضحية بينهم مئات الأطفال وذلك يوم 21 أغسطس/آب 2013، إلّا أن التطورات اللاحقة أثبتت أنه ما زال يستخدم بعضها رغم تسليم جزء كبير منها. من المحظور في الحروب بين الدول استخدام هذه الأسلحة.بقليل من التماس العقل والمنطق فإنه يفترض بأي نظام أن يحمي شعبه ووطنه من أي اعتداء خارجي، لكن الصورة في بلد الشام معكوسة، إذ تعمد قوة دولية للتدخل المحدود كي لا يتجدد استخدام أسلحة محظورة من طرف الدولة الوطنية ضد مواطنيها، هذا في وقت ترفض فيه هذه الدولة الامتثال للقرارات الدولية في التفاوض لإنهاء الصراع، كما برهنت مفاوضات جنيف في جولاتها الخمس.من الواجب الآن المضي قدماً في الضغط على أي طرف في الصراع السوري يستهدف المدنيين والمرافق المدنية، كي يخرج الصراع من حلقته الجهنمية التي يدفع فيها المدنيون الثمن الأكبر للصراع. وبموازاة ذلك فلا بديل عن حل سياسي جدي ينهي الصراع وفق القرارات الدولية ذات العلاقة، وهو أمر يتطلب الضغط على طرفي الصراع كي تتوقف مسرحية تحويل منصة جنيف إلى منبر للخطابة وتسجيل المواقف، بدلاً من وظيفتها الأصلية كمائدة للتفاوض وفق مرجعيات محددة سبق أن تداولت بشأنها الأطراف الإقليمية والدولية وتوجّت بصدور القرارات ذات العلاقة من مجلس الأمن.من يريد رؤية نهاية للصراع في سوريا مدعوٌ للدفع بهذا الاتجاه، كي لا تظل الكوارث تحيق بهذا البلد، وتهدد أمن وسلامة الإقليم ويتطاير شررها مهدداً بتوتر دولي واصطدامات على الأرض السورية وأجوائها. وقد باتت هناك مخاوف من احتكاك أمريكي روسي مُدمّر بعد الضربة الأمريكية، حتى لو كان احتكاكاً محدوداً. ولن تكون نتائج أي احتكاك أو توتر عالٍ سوى وبالاً على السوريين. فيما المطلوب في واقع الأمر نشوء تفاهم دولي وإقليمي يدفع نحو حل سياسي وتسبقه ضغوط جدية ملموسة على أطراف الصراع، لضمان التوصل إلى الحل، وعدم تبديد المزيد من الوقت، فوقت السوريين من دم، وبقاء سوريا كياناً قائماً وموحداً بات على المحك، وتهدده مخاطر داهمة، ولا يرجو كل عربي سوى أن تبقى سوريا وطناً موحداً لأبنائه جميعاً، يرفلون فيه بالكرامة والأمن والسلام ويتشاركون جميعاً في إدارته وفي بنائه وازدهاره بعيداً عن التدخلات الأجنبية من كل نوع، ومن أي مصدر كان. من الواضح أن هذا التطور قد لقي تأييداً عربياً بعد طول ترقب وانتظار لوضع نهاية لمحنة السوريين، وهو ما عبّرت عنه أطراف عربية عدة، وعلى الخصوص مجلس التعاون الخليجي حيث أعربت دول المجلس بغير مواربة عن «ترحيبها بالضربة الصاروخية رداً على قصف مدينة خان شخون بالأسلحة الكيماوية المحرمة، مع الأمل أن تشكل هذه الضربة رادعاً للنظام لوقف اعتداءاته الهمجية على المدنيين العزل».وعلاوة على هذا التأييد، فإنه من المنتظر أن يؤدي هذا التطور إلى تفاعلات شتى، قد ترفع من درجة التوتر مؤقتاً، لكن من شأنها كسر الجمود والمراوحة اللذين يكتنفان الأزمة السورية، وفق منطوق المثل العربي: اشتدي أزمة ًتنفرجي.. ووقف التسويفات السياسية والمناورات الدبلوماسية، والتقدم نحو تفاهمات صلبة بمشاركة سائر الأطراف الإقليمية والدولية ذات العلاقة، من أجل وضع حد لأسوأ أزمة يتعرض لها بلد عربي، ورؤية نهاية للتناهش المحموم على الجسد السوري المُدمّى، وعلى الوطن الممزق. mdrimawi@yahoo.com
مشاركة :