الأرقام وحدها لا تكفي .. المشاعر مهمة

  • 4/10/2017
  • 00:00
  • 2
  • 0
  • 0
news-picture

في عام 1929 تعرضت ثروة وسمعة خبير الاقتصاد الكبير، إيرفينج فيشر، للدمار بسبب فشله التام في توقع الانهيار الكبير. علق المتنبئ المنافس، روجر بابسون، ليس دون تعاطف، أن مشكلة فيشر أنه "يعتقد أن العالم تحكمه الأرقام وليس المشاعر".يا له من خطأ مثير للشفقة. وهو تحذير للاقتصاديين من أمثالي. نحن نود الاعتقاد أن الأرقام تتحدث عن نفسها، لكن العالم السياسي يفضل التفكير بغريزته.لا يوجد مكان ينطبق فيه هذا القول أكثر من حالة الهجرة التي يغلب على خبراء الاقتصاد استنتاج أنها بشكل عام قوة إيجابية. ويغلب على السياسيين الذين يدركون أن العالم تحكمه المشاعر، النظر إلى الهجرة على أنها شيء أقرب إلى سلسلة من محاولات الهروب من السجن: إذا لم تستطع السيطرة عليها، عليك الاعتذار والاستقالة.كانت الهجرة محور حملة دونالد ترمب الانتخابية "لبناء الجدار". وهي سبب معلن في أن الحكومة البريطانية تنوي أن تتجاوز نتيجة الاستفتاء إلى حد بعيد وأن تخرج ليس من الاتحاد الأوروبي فحسب، ولكن من السوق الموحدة أيضا. الهجرة تلهم مشاعر قوية، وتلك المشاعر ليست مشاعر سعادة وامتنان. هذا عار.هل هناك حجة قائمة على الغريزة تفيد بأننا ينبغي أن نكون ممتنين للمهاجرين؟ أود أن أعتقد ذلك. ربما ينبغي أن نبدأ بالقاعدة الذهبية "أن نتصرف تجاه الآخرين بالطريقة التي نود أن يتصرفوا بها تجاهنا". هذه لها تأثير واضح على تفكيرنا بشأن المهاجرين - أو "المغتربين"، كما تقترح القاعدة أن نصفهم، على اعتبار أن ذلك هو ما نصف به أنفسنا عندما نذهب للعيش في الخارج. الكلمات مترادفة، لكن الاختلاف في وجهة النظر والاحترام هائل.القاعدة الذهبية تعري بسرعة الكثير من الحديث عن المهاجرين - المغتربين – وتظهره على أنه نفاق. هناك فكرة واحدة شائعة هي أن الهجرة ينبغي أن تكون قائمة على نوع من نظام "النقاط" - أو كما يصفها البيت الأبيض، الهجرة "القائمة على الجدارة". هذا يبدو معقولا. لكن لن يخطر على بالنا ولو للحظة أن نقول لشخص ما إنه لا يستطيع الانتقال من ديترويت إلى دالاس لأنه "يفتقر إلى الجدارة". يلاحظ ماثيو إجليسياس، الكاتب في موقع فوكس، أنه لن ينجو بفعلته إذا وصف الأمريكيين البيض الذين بدون شهادات جامعية بأنهم أشخاص "بلا جدارة". وهذا أمر مؤكد.هناك حماقة مغرية أخرى هي فكرة أن السلطات ينبغي، نظرا لحكمتها البيروقراطية، أن تقرر مدى السهولة التي تستطيع بها الصناعات المختلفة توظيف العاملين. كما أشارت خبيرة الهجرة، مادلين سومبتون، محاولة تحسين سوق العمل من خلال سياسة الهجرة يمكن أن تبدو أمرا جذابا، لكنها تتطلب بيروقراطية واسعة ومكلفة وستجد نفسها بسرعة محاطة بجماعات الضغط الحريصة. علينا أن نتساءل فقط كيف سيكون شعورنا لو تم تطبيق مثل هذه السياسة علينا، حين تتخذ إحدى الوزارات البريطانية قرارا حول ما إذا كانت كامبريدج تتطلب مهندسا آخر للبرمجيات.وربما نعتقد أيضا أن المخاوف بشأن "هجرة الأدمغة" لم تكن سببا مقنعا لإجبار أهل ليستر على البقاء في المدينة على أساس أن ليستر بحاجة إلى مهاراتهم.كل هذه السياسات تمكنت من الظهور في الأذهان باعتبارها معتدلة ومعقولة وحتى متعاطفة عند تطبيقها على الأجانب. في اللحظة التي نتساءل فيها ما إذا كنا سنطبقها على أنفسنا سنراها على حقيقتها: محاولة مرهقة للغاية في التخطيط الاقتصادي، وطريقة غير ليبرالية بائسة لمعاملة البشر.هناك الكثير من تحليلات تكاليف وفوائد الهجرة. الأمر الذي لا يقدر على نطاق واسع هو أن معظمها ببساطة تتجاهل أي فوائد تعود على المهاجرين - المغتربين - أنفسهم. بالنظر إلى هذا العائق، من المدهش أن كثيرا من الدراسات الجادة تجد بعض الفوائد الاقتصادية الصافية المتواضعة. إذا قلت لك إن هناك مدرسة أو مستشفى يمكن أن يجتاز اختبار "الاقتصاد في التكاليف" حتى بعد تجاهل الفوائد التي ستعود على التلاميذ أو المرضى، ستستنج بشكل منطقي أن المدرسة والمستشفى هما منظمتان مثيرتان للإعجاب. وستقول لي كذلك إن تلك هي طريقة غريبة جدا لتحليل مدى الاقتصاد في التكاليف.في فرنسا في القرن الثامن عشر كان العاملون يضطرون إلى إظهار أوراقهم للحصول على إذن للانتقال من بلدة إلى أخرى. الاعتراض لم يكن أن المهاجرين يمكن أن يدخلوا. بل كان أن العاملين من ذوي القيمة ربما يغادرون.وضع النبلاء الفرنسيون أيديهم على شيء ما. في معظم الظروف نحن حريصون على العيش بالقرب من أشخاص آخرين. يغلب على المناطق المكتظة بالسكان أن تكون أكثر ثراء، وأكثر إنتاجية، وأكثر ابتكارا. ولأن المساكن متراصة والناس يسافرون بوسائل النقل العام، فإن المدن أيضا أكثر ملائمة للبيئة. ونحن نعرف أن المدن هي أماكن يرغب الناس في العيش فيها لأن الناس مستعدين للدفع غاليا جدا من أجل العيش فيها.عادة ما ننظر إلى الآخرين باعتبارهم زبائن وزملاء وأصدقاء. من الشارع الرئيسي إلى النادي الليلي، الآخرون هم شريان الحياة لمجتمعاتنا. فقط عندما نقول عن الآخرين إنهم "مهاجرون" يظهرون بمظهر من يتسبب في مثل هذا القلق. أعتقد أن علينا أن نكون أكثر امتنانا للناس الذين لديهم الشجاعة والقدرة على مغادرة ديارهم والعيش في مكان جديد. لكن ربما أنا الشخص الذي ينبغي أن يكون أكثر امتنانا. كما يلاحظ خبير الاقتصاد، بول سيبرايت، في كتابه "صحبة الغرباء" الصادر في عام 2004، نحن البشر الأحفاد الحديثون للقردة الخجولة والقاتلة. بطريقة ما وجدنا طريقة للعيش معا وللتعاون. لا تزال أمامنا مسافة لا بأس بها، لكني أشعر بالامتنان للتقدم الذي أحرزناه حتى الآن.Image: category: FINANCIAL TIMESAuthor: تيم هارفورد من لندنpublication date: الاثنين, أبريل 10, 2017 - 03:00

مشاركة :