كبار السن أمام شاشات التلفزيون.. أنقذوهم من الوحدة !

  • 4/10/2017
  • 00:00
  • 2
  • 0
  • 0
news-picture

حينما يتقدم الآباء في السن فإن الكثير من الأشياء تغيرهم إلاّ أن تغيرهما يصبح ملفتاً وكبيراً، فالاهتمامات تبدأ في التغير تدريجياً حتى إن البعض منهم يمارس عادات جديدة تميل إلى السكون والبقاء في المنزل لفترات طويلة، وربما يتخذ لدى البعض منهم شكل الصمت أو الغضب المتكرر. وعلى الرغم من أن لكل مرحلة عمرية طريقتها وصفاتها وحالاتها المزاجية والنفسية إلاّ أن هناك حالة أصبحت واضحة وظاهرة لدى كبار السن، بل نستطيع أن نقول: إنها أصبحت تطال الأشخاص من سن الستين فما فوق، خاصةً حينما يتقاعد الرجل وحينما يتزوج المرأة جميع أبنائها فتعيش حالة السكون في المنزل، فإن الالتصاق والقرب يتحول إلى الشاشة الصغيرة التي توضع في مكان الجلوس، فالتلفاز يتحول لدى كبار السن السلوة الكبيرة والمتعة التي تقربهم من الأشياء التي يتعرفون عليها للمرة الأولى من خلال عرض تلفزيوني أصبح منكشفا ومفتوحا على عوالم وتجارب أخرى، حتى أصبحت المرأة المتقدمة في السن تكره أن تضع "الريموت كنترول" من يدها، وتشعر بأن في التلفاز وفيما تشاهده متعتها الكبرى، فما الذي يدفع كبار السن إلى الالتصاق بمشاهدة المسلسلات التلفزيونية والتفاعل معها بشكل دفع البعض إلى الحزن مع أحزان المسلسل والفرح مع أفراحهم والغضب في حال شجاراتهم؟، والحديث عن أحد شخصيات المسلسل وكأنها موجودة وتتحدث عنها المرأة الطاعنة في السن كما لو كانت تتحدث عن جارتها، هل هي الوحدة ومرحلة العمر الفارغ التي أصبحت تتصف بقلة التفاعل والكلام والهدوء؟، أم في عالم يدخلونه كبار السن فيعيشون أكثر من حياة في حياة واحدة؟. تفاعل كبير وقالت فاطمة عبدالله - معلمة -: إنها بدأت تشعر بالتصاق والدتها بالتلفاز بشكل كبير مؤخراً، فعلى الرغم من أن والدتها تعيش معهم إلاّ أن التصاقها بالتلفاز ورفضها أن تترك "الريموت كنترول" من يدها حالة أثارت انتباه الأبناء لها، فأصبحت تجلس أمام التلفاز لفترات طويلة وتتعايش مع شخوص المسلسلات الدرامية التي تراها خاصةً الخليجية منها، إلاّ أن المشكلة الكبيرة بأن هذه المسلسلات فيها كمية كبيرة من الخلافات والشجارات والمآسي والدموع التي أثرت على الحالة النفسية لدى والدتها، فأصبحت تتفاعل مع تلك الأحداث وكأنها حقيقة، وحينما يحاول البعض أن يوضح لها بأنه مشهد تمثيلي غير حقيقي وبأن الزوجة التي ضربها زوجها هو مشهد من نسج الخيال ترفض وتتفاعل وربما تدعو على الزوج بأن يحاسبه الله - سبحانه -. وأحياناً ترفض أن تخرج من المنزل في موعد عرض ذلك المسلسل، مبينةً أنها حاولت أن تفهم ذلك الارتباط الكبير ولم تجد له مبررا سوى المرحلة العمرية والوحدة على الرغم من أن الجميع بالقرب منها. أثر سلبي وأوضحت منال صالح - ممرضة - أن والدتها تعيش ذات الالتصاق بالتلفاز، وعلى الرغم من محاولاتهم الدائمة لشغل الكثير من مساحة وقتها إلاّ أنها تحب مشاهدة مسلسلاتها حتى المدبلجة منها، مشددةً على ضرورة أن يتنبه القائمون على القنوات التلفزيونية خاصةً العربية منها لأثر مثل هذه المسلسلات على نفسية كبار السن، فالكثير منها يخرج بصورة السلبية ويتحدث عن مرارة الحياة وعن الجانب المظلم منها، بل ويظهر الأبناء جاحدين والزوجة مظلومة والرجل ظالم، مما ينعكس سلباً على نفسية كبار السن، مستشهدةً بوالدة صديقتها حينما أخذها أحد أبنائها إلى المستشفى من أجل موعدها الشهري وأجلسها ابنها على المقعد في غرفة الانتظار وطلب منها الانتظار قالت له بشكل صادم: "لا تذهب وتتركني كما فعل محمد بأمه في دمعة عمر"، فتأثر الابن واستغرب وصول مثل هذه المشاعر لأمه وحينما حاول البحث وجد بأن والدته في كل يوم تشاهد حلقات هذا المسلسل وتتأثر بما يحدث للأم في المسلسل، لذا نحن بحاجة إلى مسلسلات تبعث الأمل بداخل كبار السن وتسعدهم وتدخلهم عوالم الأمل والفرح. حزن وانفعال وتحدث د. شريف عزام - استشاري علم النفس بمركز العلاج النفسي بجدة - قائلاً: إن كبار السن تحدث لهم الكثير من التغيرات الجسدية والنفسية، فالتغيرات النفسية تدفع المسنين إلى التحول إلى صورة الطفل في مشاعره، فيصبح كثير الغضب والحزن والانفعال، فيصبح حسّاسا جداً، لذلك يجب أن تكون هناك مراعاة في التعامل معه خاصةً حينما يكون المسن في غير منزله، كأن يكون في بيت ابنه أو بيت ابنته فتزيد الحساسية لديه ويشعر بأنه وحيد، وبأن هذا ليس منزله، فيجب أن يكون هناك مراعاة في التعامل معه، مشيراً إلى ظهور حالة الالتصاق من قبل كبار السن بمشاهدة التلفاز والتفاعل معه بشكل كبير جداً؛ وذلك بسبب الانفتاح على العالم الآخر، فكبير السن يشاهد أكثر من قناة والعالم مفتوح أمامه، فهو لا يرى العالم إلاّ من خلال هذه الشاشة، فالتلفاز يخلق لدى كبار السن إشباع نفسي كبير وأهم إشباع يتمثل في أنه لا يطالبه بأفعال، فهو لا يأخذ منه إلاّ ما يريد، فهناك تواصل في اتجاه واحد، ذاكراً أن كبير السن يتفرج على التلفاز فيشعر بتواصل هذه الشاشة معه دون أن يطالبه التلفاز بضرورة التواصل معه فهو متلقٍ ويأخذ ما يحب منه، كذلك يقدم له مادة تخصه وتلامس الكثير من عالمه، لذلك فكبار السن كثيراً ما يحبون الأفلام القديمة أو التراثية لأنها تلامس الفترة الزمنية التي عاشها. تقمص واستدماج وذكر د. عزام: أن هناك حالة يصل إليها كبار السن يعيش حالة التقمص أو الاستدماج أو التوحد مع ما يشاهده في التلفاز، فالتقمص يشعر المسن كأنه أحد شخصيات الفيلم، لذلك يعيش ذلك فيغضب حينما يشاهد موقفا، وربما يتحامل وينتقد بشدة، وكأن ذلك المسلسل حقيقي لفرط الاندماج، كما أن بعض الأفلام أصبحت تصل حلقاتها إلى (140) حلقة فيدخل كبار السن في ذلك الاندماج بسبب طول المدة، مؤكداً على أن الوحدة سبب في اندماجه الكبير مع المسلسلات، كذلك عدم شعوره بأن هناك أحد يحب الاستماع لأحاديثه بخلاف التلفاز الذي لا يحبطه لأنه لا يطالبه بشيء، مشيراً إلى أن أكبر مشكلة ترافق الارتباط الشديد بالتلفاز لكبار السن حدوث مشاكل لديهم في التواصل الاجتماعي، فيرفض أن يتحرك من أمام التلفاز، ويرفض أن يجلس مع الضيوف، ويرفض أن يخرج لأنه يخشى بأن الحلقة تمضي ولا يراها، مبيناً أن الحل لا يكمن في منع مشاهدة التلفاز بل في زيادة التواصل الاجتماعي، كذلك مشاركته في مشاهدة الحلقة ونقاشه في تفاصيل الأحداث، فذلك يسعده دون إشعاره بأننا نتعمد ذلك، كما يفضل التركيز على إخراجه من المنزل إلى أماكن عامة ليعيش أجواء التغيير، كذلك الحديث معه عن إنجازاته التي قدمها لأبنائه؛ لأن ذلك يسعده ويشعره بأن الآخرين ما زالوا يتذكرون ما قدم في الحياة. وسائل التواصل أشغلت الأبناء والبنات كثيراً عن والديهم

مشاركة :