منذ إعلان مشروع القديّة، أكبر مدينة ترفيهية ورياضية وثقافية في العالم، تحدث المختصون باستفاضة عن النقلة النوعية التي ستشهدها المملكة ترفيهياً واقتصادياً مع انطلاقة المشروع عام ٢٠٢٢م، دون التنبه للقفزة الاستثمارية الهائلة التي سيحققها صندوق الاستثمارات العامة -المستثمر الرئيس للمشروع- والذي سيعتلي هرم الصناديق السيادية في العالم مع اكتمال تملكه "أرامكو"، لتصل قيمته إلى تريليوني دولار. استثمارات عالمية الصندوق سيبدأ فعلياً مع إعلان القديّة مشوار تنويع مصادر دخله بعيداً عن النفط والرسوم، وهذه المرة سيتجه إلى السوق المحلي بعد استثماراته العالمية والإقليمية الأخيرة، حيث تحرك سابقاً بذكاء نحو استحواذ نسبة 38% من الأسهم في شركة "بوسكو" للهندسة والإنشاءات (الكورية) في يوليو 2015، وشارك في تأسيس صندوق كبير بالتعاون مع شركات فرنسية في أكتوبر 2015. وفي يونيو 2016 تم الإعلان عن استحواذ الصندوق على نحو 5% تقريباً من الأسهم في أوبر، في استثمار بلغت قيمته 3.5 مليار دولار أمريكي، وهو أكبر استثمار على الإطلاق في شركة تصنف ضمن الشركات الناشئة. تنوع الصندوق هذه القائمة المتنوعة لاستثمارات الصندوق في الودائع والسندات الخارجية، والتي تقدر عوائدها بين 2.5 و3%. وتقدم استثماراً جيداً، ينقصها أنها لا تحرك الاقتصاد المحلي. ولذلك سيتفاءل خبراء الاقتصاد ببدء توجه الصندوق للسوق المحلي، ولعل ما يزيد مساحات التفاؤل ابتكار استثمار جديد ونافع يتمثل في أرض مشروع "القديّة" والتي لا تدر عوائد حالياً ولا قيمة دفترية تذكر لها، وستنتقل إلى شركة قابضة تؤول ملكيتها لصندوق الاستثمارات العامة، هذه الشركة وبإنفاق محدود لتهيئة البنية التحتية ستصبح مالكة للمشروع ككل. استثمار ٥٠% ويعتقد الكاتب والمحلل الاقتصادي فضل البوعينين أن توجه صندوق الاستثمارات للداخل في مشروع القديّة يأتي وفقاً للسياسة الاستثمارية المعلنة لصندوق الاستثمارات العامة؛ والتي توجه 50% من أصول الصندوق للاستثمار الداخلي، وهذا أمر مهم؛ لأنه يحقق ثلاثة أهداف رئيسة: الأول التنمية الاقتصادية في الداخل من خلال المشروعات التي يطلقها الصندوق، والثاني العوائد المالية المجزية، والثالث الأمان الاستثماري. ويضيف: "الصندوق يهدف إلى تحقيق عوائد أعلى من خلال مزيج استثماري يسمح بتحمل مخاطر أعلى في مقابل عوائد أكثر؛ وهو أمر يفترض أن يدار وفق آلية منضبطة ودراسات معمقة تجنّب الصندوق تحمّل المخاطر؛ فإدارة الأموال السيادية تحتاج دائماً إلى الحذر الشديد. ومن خلال التنوع الاستثماري أعتقد أن الاستثمار السياحي ربما يكون أحد أهم الاستثمارات الجاذبة للصندوق، ومنها مشروع مدينة القدية السياحية". ويقول الدكتور حبيب تركستاني أستاذ التسويق الدولي: المشروع ذكي استثمارياً، وأعتقد بأنه سيتم طرحه للقطاع الخاص بطريقة (BTO) وهي تعني البناء والتشغيل والصيانة لفترة زمنية مطولة ينال فيها صندوق الاستثمارات الحصة الأكبر قبل أن تؤول إليه الملكية بالكامل، حسب الاتفاق مع الشركاء. عشرات المليارات ويؤمل صندوق الاستثمارات العامة أن يوفر المشروع قيمة اقتصادية بعشرات المليارات، وزيادة في نمو الناتج المحلي تتراوح بين 3.5 إلى 4%. وبعيداً عن الإيرادات السنوية فهناك زيادة قوية بقيمة الأصول؛ فالأرض -وهو الأصل الأساسي الذي تقدمه الحكومة- ستتحول إلى أصل بعشرات مليارات الريالات بعد انتهاء المشاريع العملاقة المخطط لها، فالتوسع في الاستثمارات السياحية في مناطق المملكة يمكن أن يخلق تنمية جيدة في المناطق البعيدة التي لا تحظى اليوم بالجذب الاستثماري، وهو ما يتوافق مع رؤية السعودية 2030. خليط استثماري ويعود فضل البوعينين للحديث قائلاً: وفق المعلن فنموذج الاستثمار في مدينة القدية سيكون خليطاً بين الاستثمارات الحكومية والقطاع الخاص. حيث يتولى الصندوق توفير أرض المشروع وتجهيز البنى التحتية، في الوقت الذي يقوم به المستثمرون بضخ استثماراتهم في مشروعات متفق عليها سلفاً، وبذلك يكون التحمل المالي على الحكومة أقل وهو المرتبط بالبنى التحتية والأرض المملوكة لها. ويستطرد: "العائد على الاستثمار في حال اكتمال المشروعات وتشغيلها سيكون جيداً للحكومة. ولكن ينبغي الإشارة إلى أن الاستثمارات السياحية تحتاج في الغالب إلى وقت أطول لتحقيق عوائدها المرجوة".
مشاركة :