أثار تفجيران انتحاريان أسفرا عن مقتل 44 شخصاً في كنيستين قبطتيتين في مصر يوم أحد الشعانين، 9 أبريل/نيسان 2017، شبح إراقة الدماء الطائفية المتزايدة التي يقوم بها مقاتلو تنظيم الدولة الإسلامية (داعش)، ما يُهدِّد البلاد التي تصارع بالفعل مع اقتصادٍ مُتعثِّر وشعورٍ مُتعمِّق بضيق الأفق السياسي. وعلقت صحيفة "واشنطن بوست" الأميركية على حادثي التفجيرين قائلة "الأقلية المسيحية في مصر عاشت يوماً هو الأكثر دموية منذ عقود"، حسبما نقل عنها موقع . ويُعَد الأمن هو التعهُّد الرئيسي للسيسي، الذي عاد الجمعة 7 أبريل/نيسان 2017 من زيارةٍ الولايات المتحدة التي وصفت بالمثمرة، وفقاً لما جاء في تقريرٍ لصحيفة الأميركية. فقد أشاد به الرئيس ترامب باعتباره حصناً ضد العنف الإسلامي. وأوضح ترامب أنَّه على استعدادٍ للتغاضي عن سجل الاعتقالات الجماعية، والتعذيب، والقتل خارج إطار القانون خلال حكم السيسي مقابل قدرته على محاربة داعش والدفاع عن الأقلية المسيحية، حسب الصحيفة الأميركية. ولكن في يوم الأحد 9 نيسان/أبريل 2017، وجد السيسي نفسه قد عاد إلى الموقع الدفاعي، ناشِراً قواتٍ من أجل حماية الكنائس في أنحاء البلاد قبل أسابيع من زيارة البابا فرنسيس، بابا الفاتيكان. وسارع السيسي لطمأنة المسيحيين، الذين كانوا عادةً من بين أبرز داعميه، ويخشون الآن أنَّه غير قادرٍ على حمايتهم من المُتطرِّفين. ووقع الهجوم الاول في مدينة طنطا الواقعة في دلتا النيل، حيث تجاوز المُهاجِم الأمن خلسةً إلى الصفوف الأمامية في الكنيسة وفجَّر نفسه، مُحيلاً احتفاليةً دينيةً من الفرح إلى مشهدٍ مُروِّع من سفك الدماء والموت. وشكَّلَ الأطفال، والأهالي، والشمَّاسون جزءاً كبيراً من القتلى، حسب نيويورك تايمز. وأشار داعش، الذي تبنَّى المسؤولية عن الهجومين عبر وكالة أعماق الإخبارية التابعة له، في ديسمبر/كانون الأول 2016 إلى نيته تصعيد الهجمات على المسيحيين حينما أسفر تفجيرٍ انتحاري في كنيسةً رئيسية (الكنيسة البطرسية) في القاهرة عن مقتل 28 شخصاً على الأقل. وفي فبراير/شباط 2017، فرَّ مئات المسيحيين من منازلهم في شمال سيناء بعد حملةٍ للاغتيال والترهيب الجماعي في المنطقة. وعلى الرغم من أنَّ السيسي قد عزَّز بالفعل الأمن في الكنائس، إلّا أنَّ إراقة الدماء التي شهدتها البلاد الأحد تؤكِّد صعوبة إيقاف الهجمات الانتحارية. وبصورةٍ أكبر، سلَّطت الضوء على فشل أجهزة المخابرات المصرية القوية في توقُّع موجةٍ مُنسَّقةٍ من الهجمات المُدمِّرة. وبعد ساعات، عقد السيسي اجتماعاً لمجلس الدفاع الوطني، الذي يضم رئيس الوزراء، وقادة القوات المسلحة المصرية، رداً على التفجيرين. وأعلن بعد ذلك فرض حالة الطوارئ لمدة 3 أشهر، على الرغم من أنَّه لم يكن واضحاً على الفور ما هي الصلاحيات الإضافية التي يحتاجها، وذلك بالنظر إلى أنَّ حكومته تتمتَّع بسلطاتٍ غير مُقيَّدة إلى حدٍ كبير، وسَجَن بالفعل آلاف المعارضين السياسيين أو نفاهم، كما يشرف على البرلمان الذي يهيمن عليه مؤيدوه، حسب نيويورك تايمز. واختلف خبراء أمنيون حول جدوى مشاركة الجيش في عمليات تأمين المنشآت العامة والحيوية ومواجهة الإرهاب خاصة في ظل إعلان السيسي حالة الطوارئ بعد استيفاء الإجراءات القانونية، حسب تقرير لموقع . ورأى بعض الخبراء أن فرض حالة الطوارئ يساهم في فعالية مواجهة الإرهابيين وسرعة المحاكمات دون المساس بالمواطن، في حين اعتبر آخرون أن مواجهة الإرهاب تتحملها وزارة الداخلية باعتبارها الجهة المسؤولة. وينص على إعلان حالة الطوارئ كلما تعرض الأمن القومي في البلد للخطر، ويتم إعلان و انتهاء حالة الطوارئ بقرار من رئيس الجمهورية، وتسمح حالة الطوارىء للرئيس والحكومة باتخاذ قرارات استثنائية بموجب القانون تتيح لهم إلقاء القبض على المتهمين وإحالتهم إلى محاكم أمن الدولة، وإذا استدعى الأمر يتم حظر التجوال في بعض الأماكن، فضلاً عن الاستعانة بقوات الجيش للتأمين. ورأت شبكة بلومبرج الأميركية أن إعلان حالة الطوارئ إنما هو إجراء شكلي إلى حد كبير، بعد أن أمر في وقت سابق الجيش بالانتشار في أنحاء البلاد لتأمين المؤسسات الحيوية والبنية التحتية.، حسبما نقل عنها موقع . واستطردت: “قرارات الأحد تشير إلى أن الرئيس سوف ينتهج أسلوباً أكثر شدة ضد المسلحين الذين يقاومون جهوده لاستقرار الوطن وإحياء الاقتصاد الذي ضربته سنوات من الاضطرابات". وأردف تقرير بلومبرج: “حتى قبل السلطات الجديدة المتزايدة، فإن هجمات القوات الأمنية ضد الإسلاميين والمعارضين الآخرين كانت مثار انتقادات من الحكومات الغربية وجماعات حقوق الإنسان".البابا تواضروس ووقع الهجوم الثاني في مدينة الإسكندرية الساحلية بعد ساعتين فقط من الهجوم الأول الذي وقع بطنطا، حيث حاول انتحاري دخول الكاتدرائية المرقسية، مقر الكنيسة القبطية في الإسكندرية، غير أنه فجَّر نفسه عند أبواب الكنيسة بعدما ترأّس بابا الأقباط، البابا تواضروس الثاني، قُدَّاس أحد الشعانين داخلها. وأظهرت لقطات كاميرات المراقبة، التي بُثَّت لاحقاً على محطة تلفزيونية مصرية خاصة، رجلاً يرتدي سترةً ضخمة أثناء توجُّهه إلى داخل جهاز الكشف عن المعادن عند بوابات الكنيسة، حيث توقَّف الانتحاري ليقوم أحد ضبَّاط الشرطة بتفتيشه. وبعد لحظة، وقع انفجارٌ ضخم. وبحسب وزارة الصحة، قُتِل 17 شخصاً على الأقل، من بينهم قائد شرطة الحي وضابط شرطة، وأُصيب 48 آخرون. ولم يُصَب البابا تواضروس، الذي من المُقرَّر أن يلتقي البابا فرنسيس خلال زيارة الأخير لمصر نهاية هذا الشهر، أبريل/نيسان 2017، خلال التفجير. وأصدر لاحقاً بياناً يقول فيه إنَّ "هذه الأعمال الآثمة لن تضر بوحدة وتماسك الشعب". ويُشكِّل المسيحيون نحو 10% من سكان مصر البالغين 90 مليوناً شخص، معظمهم من المسلمين السُنّة. وعانى المسيحيون طويلاً من التمييز والعنف المتقطِّع على يد المُتطرِّفين، وفقاً لنيويورك تايمز. وكان الزعماء المسيحيون داعمين بارزين للسيسي بعد وصوله للسلطة في 2013 حينما أطاح انقلابٌ عسكري الرئيس المُنتَخَب محمد مرسي الذي ينتمي إلى جماعة الإخوان المسلمين. وينظر العديد من المسيحيين للسيسي على أنَّه مُدافِعٌ عنهم، غير أنَّ أحداث الأحد أبرزت مدى صعوبة تحقيقه لهذا التعهُّد، وأثارت تساؤلاتٍ مُلحّة حول الترتيبات الأمنية لزيارة البابا فرنسيس في 28 و27 أبريل/نيسان 2017. وذكرت وسائل الإعلام الرسمية أنَّه بينما كان خبراء الطب الشرعي يُمشِّطون الحطام الدموي في موقعي التفجيرين في الكنيستين، عثر ضُبَّاط أمن على أجهزةٍ متفجِّرة وأبطلوها في مواقع أخرى في الإسكندرية وطنطا. وعُثِرَ على جهازين مُتفجِّرين في مسجد سيدي عبد الرحمن في طنطا، الذي يضم أحد أشهر الأضرحة الصوفية الإسلامية في المدينة، وعُثِر على آخر في كلية سان مارك، وهي مدرسة للبنين وسط الإسكندرية. وفي خطابٍ أُذِيعَ على شاشة التلفزيون، أشار السيسي إلى أنَّ تغطية وسائل الإعلام الإخبارية للهجومين، والتي تُحرج سلطته، قد تُقيَّد. وقال: "على الخطاب الإعلامي أن يتعامل بمسؤولية. فليس من المعقول أن نرى الواقعة مُكرَّرةً على قنواتنا على مدار اليوم". واعتاد المصريون على خطواتٍ كتلك. إذ كانت البلاد رسمياً في حالة طوارئ طوال الـ30 عاماً من حكم حسني مبارك، ثُمَّ لمدة 3 أشهر مرةً أخرى عام 2013، حسب نيويورك تايمز.
مشاركة :