دعني أصدقك القول عزيزي القارئ أنني أتحسس خطاي وأنا بصدد تناول هذا الموضوع وكأنني في حقل ألغام، لا أعلم هل سينفجر لغم المعرفة في وجهي أم لغم الاتهامات؟! ولا أدري من أية زاوية سترى الموضوع، هل ستراه بشكل موضوعي فيكون في عينيك جريمة إنسانية بكل المقاييس؟! هل ستضع نفسك محل تلك المرأة التي تساق للذبح مثلما تُساق الشاة؟! أم سترى كل هذا حقاً مُكتسباً في عالم الرجال؟! دعونا نبدأ السير لنرى ما سيكشفه لنا المسير. ما بين سنوات من اللهث وراء إثبات عذرية المرأة، وتقييد لحريتها بمجرد بدء تغير ملامح جسدها وبلوغها، للحفاظ على سُمعتها من القيل والقال، إلى رياضات محظور عليها ممارستها خوفاً من تمزق غشاء بكارتها، وإن مارست تلك الرياضات توجب عليها إحضار شهادة طبية تفيد بأن أية أضرار لحقت بغشائها كانت نتيجة ممارسة تلك الرياضة! كل الممارسات العنيفة والمُهينة التي تُمارس على المرأة عبر العصور وفي العديد من دول الشرق الأوسط وجنوب إفريقيا وبعض الدول الأخرى تحدث بسبب قضية عُذرية وشرف المرأة الذي يسكن خلف غشاء البكارة. الأمر الذي يبدأ من "كشف العذرية"، والذي ينتهك حرمة جسد الأنثى، ويعتدي على كرامتها، ويُخالف الأعراف القانونية والدستورية والأحكام، والذي تم تجسيده بشكل واضح في مشهد صارخ بفيلم "بنتين من مصر". وأسوأ تلك الممارسات ما يُطلق عليه "الدخلة البلدي" التي ما زالت تحدث إلى الآن، والتي تتم بعدة طرق، بحضور بعض أقارب العروس والعريس والزوج الذي يقوم بلف إصبعه بمحرمة بيضاء لفض غشاء بكارة للعروس، وسط ترقب من المحيطين يتبعه زغاريد النصرة بعد سيل دمائها، وعمل زفة بتلك المحرمة دليل شرف الفتاة، وأن والدها قد أحسن تربيتها. وفي أماكن أخرى من يقوم بتلك المهمة هي "الداية" أو امرأة كل وظيفتها هي فض غشاء بكارة العروس يوم فرحها، والتي قد تستخدم طرقاً غير آدمية لإتمام تلك العملية، وسط نفس الحضور للأقارب من الطرفين. ولتلك الممارسة الهمجية العديد من الآثار الجسدية والنفسية التي لا تزول آثارها من نفسها ولا تُمحى من ذاكرتها، فتظل تذكر دائماً ذبحها وسط تهليل ومباركة أقرب الناس لها بدلاً من حمايتها. وما يدعو للعجب والتوقف والتساؤل هو عدم وجود مرجعية دينية أو علمية لارتباط غشاء البكارة بالشرف من عدمه، والوظيفة الطبيعية لغشاء البكارة في الجسم هي الحماية من العدوى الجرثومية فقط. وصعوبة هذا المعيار لقياس الشرف هي وجود أسباب مختلفة قد تؤدي إلى تمزق غشاء البكارة غير الممارسة الجنسية، مثل بعض الرياضات العنيفة أو التعرض لحادث قوي، أو الوثب والسقوط العنيف على جسم صلب أو حاد. والتساؤل الذي يفرض نفسه هنا هو: ماذا تفعل الفتاة التي تعرضت لأي من تلك المواقف لتُثبت أنها "شريفة"؛ لكون شرفها ارتبط بغشاء بكارتها؟! والأمر لا يتوقف عند هذا الحد، لكن عليك سماع اختبارات العديد من الزوجات التي تروى بدموع مأساة يوم فرحها الذي تحول إلى يوم كربها، لما تعرضت له من إهانات وشتائم وإيذاء بدني نتيجة عدم تقديم دليل عفتها في شكل دماء، وذلك لجهل الزوج بأنواع أغشية البكارة الذي لسوء حظ بعضهن يكون من النوع "المطاطي" الذي يستدعي تدخلاً طبيً لفضِّه. كم هائل من الإيذاء النفسي الذي تتعرض له الفتاة وعدد لا نهائي من الذكريات المتراكمة التي لا تُمحى بمرور الأيام، لكن تتعمق جذورها إيلاماً أكثر وأكثر! على الفتاة أن تجتهد للحفاظ على دليل شرفها لتقدمه لرجل يوماً ما، أما شرف الرجل فيكون فقط بكلمة منه بأنه لم يقم بأي علاقة سابقة، ولا دليل مادي لإثباته، وحقيقة القول إن عُذرية الرجل لا تشغل باله ولا تشغل بال الكثير من المجتمعات، وأكثر جملة يتم ترديدها (هو راجل يعمل اللي عايزه مفيش حاجة تعيبه!)، الأكثر أنه قد لا يجد البعض مذاقاً لجملة "عُذرية الرجل"؛ لأن أغلب الرجال يرون أن مقياس فحولتهم في تعدد تجاربهم الجنسية على الأقل قبل الزواج، إن لم يكن بعده أيضاً. بينما يرى الرجل شرف المرأة في سلامة غشاء بكارتها، وأنه الفارس الأول والأوحد في دخول تلك الغرفة، الأمر الذي تحول إلى هوس مرضي. هذا ليس تعبيراً مجازياً لكنه حقيقي، فقد تقابلت مع العديد من الرجال الذين يشكون في زوجاتهم، ويتوهمون أنها أجرت عملية ترقيع لغشائها حتى تتزوجه، نعم إنه الهوس. عزيزي الرجل.. شرف امرأتك أكبر بكثير جداً من غشاء بكارتها؛ لأنك إذا كنت تأمل فقط في ذلك فكأنك تطلب اختباراً للشرف مرة واحدة فقط في العُمر، في حين أن اختبار الشرف هو الثقة المستمرة مدى الحياة، والمستمدة من الأخلاق. ملحوظة: التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.
مشاركة :