لا شك أن تعيين أحمد الجسار على رأس ديوان الخدمة المدنية، قد جاء في فترة حساسة تزايدت فيها المشاكل الإدارية في الدولة، وكثرت فيها التحديات.ونأمل أن يؤدي هذا التعيين إلى نفض الغبار وإزالة الصدأ عن هذا المرفق الحيوي، لكي يمارس دوره الأساسي في إدارة وتطوير الموارد البشرية، ومواجهة وحل المشاكل الإدارية المزمنة التي أصابت الجهاز الإداري بكامله.ومن الواضح أن ممارسات الديوان خلال أكثر من عقدين مضيا، قد شابها الكثير من القصور والجمود، وأدت إلى تدهور كبير لبيئة العمل، وتسببت في ضياع هوية الديوان وترهل أدائه، فهو المتسبب الرئيسي في فوضى الكوادر التي عمت جميع وزارات الدولة، وأدت إلى تذمر الموظفين لدرجات وصلت إلى الإضراب في بعض الأحيان.كما لم يكن للديوان أي دور يذكر في موضوع دعم العمالة أو تحديد احتياجات السوق من التخصصات التي يحتاجها، ليساهم في حل مشكلة توظيف الشباب، وأيضا كان دوره سلبياً أمام القوانين التي ساهمت في إبعاد الشباب عن التوظيف في القطاع الخاص، كما تنازل عن دوره في قيادة مشروع البديل الإستراتيجي لجهات أخرى، بالرغم من أن ذلك من صميم عمله.كما وقف عاجزاً أمام القرارات الوزارية الداخلية، التي أهدرت عملية المساواة بين موظفي الجهات المختلفة، كما تسبب في هدر مبالغ طائلة ذهبت أساساً إلى جيوب المستشارين الوافدين الذين يعشقهم «الديوان»، بحيث صرفت تلك المبالغ على مشاريع ولجان وفرق عمل لدراسة أمورعديدة مثل الكوادر الإدارية والوصف الوظيفي والهياكل التنظيمية وأمور أخرى كثيرة، استغرقت دراستها فترات طويلة وبدون أي نتائج تذكر.وهذه الأمثلة هي غيض من فيض، وتسترعي قطعاً وضع الإستراتيجيات والخطط اللازمة التي تحدد مسيرة الديوان المستقبلية، بحيث نرى أن الديوان يجب أن يحدد ويجدد هويته بما يتماشى مع تطورات العصر، فهو ديوان الخدمة المدنية وليس ديوان موظفي الحكومة، وهو الذي يجب أن يكون مسؤولاً عن إدارة الموارد البشرية في الدولة ككل، ما يحتم المبادرة إلى إقناع مجلس الوزراء لضم جميع الجهات المسؤولة عن القوى العاملة تحت مظلة الديوان.وسيؤدي هذا الأمر إلى توحيد الممارسات العامة لإدارة الموارد البشرية في الدولة، وما يتضمنه ذلك من توحيد الحقوق والواجبات والالتزامات، وبحيث يمثل الديوان الجهة المركزية والمرجع الرئيسي لتنسيق جهود تلك الجهات، وضمان عدم تعارض دورها، أو قواعدها مع الجهات الأخرى.المسألة الاخرى التي يجب الاهتمام بها هي تطوير دور الديوان، في تحديد احتياجات سوق العمل، سواء الحكومي أو الخاص، وأخذ الدور القيادي وتولي زمام المبادرة لتوجيه مراكز التعليم والتدريب، ومن ضمنها الجامعات والكليات لتكييف مخرجاتها وفقاً لمتطلبات سوق العمل، بناء على دراسات متخصصة بالتنسيق مع الجهات الأخرى المعنية بذلك، لكي يساهم في حل مشكلة توظيف الشباب وفقاً لتخصصاتهم وتحقيق الاستغلال الأمثل للموارد البشرية الوطنية.كما يجب أن يكون من أولويات الديوان الاهتمام بتطبيق مبدأ التجانس، والعدالة في تطبيق القواعد في جميع جهات الدولة، والقضاء على فوضى القرارات الإدارية الداخلية في الجهات المختلفة، والتي تكرس مبدأ عدم المساواة بين موظفي جهة وأخرى.فليس من المقبول أن تلجأ بعض الجهات مثلاً، إلى وضع اختبارات كشرط من شروط الترقية، بينما لا نجد ذلك الشرط في جهات أخرى، وليس مقبولاً أن يتم تعيين المواطنين وفقاً لقرار إداري غير محدد المدة في غالبية الجهات، بينما يتم تعيين المواطنين في جهات أخرى وفقاً لعقود عمل محددة المدة يخضع تجديدها أو عدم تجديدها، لرغبة المسؤول وبدون أي معايير واضحة في تلك الجهات.وتنطبق مسألة عدم توحيد الممارسات على كثير من الأمور الأخرى، مثل المكافآت والبدلات والإجازات وأنظمة الدوام وأمور أخرى كثيرة، ما يحتم إعادة النظر ومراجعة قوانين وتشريعات وأنظمة الخدمة المدنية، بما يضمن توجيهها إلى تطوير الأداء أولاً، وتفعيل سياسات وأدوات المراقبة والمتابعة، والتشديد على تطبيق مبدأ الثواب والعقاب، ووضع وتطبيق المعايير الخاصة بالتوظيف والترقيات والمكافآت، لضمان عدالة الممارسات وتوحيدها.جميع هذه الامور تستدعي ثورة إدارية شاملة، تقوم أساساً على تنظيف الديوان من مستعمرة المستشارين الوافدين، الذين عششوا فيه وشغلوا هذه المناصب لفترة طويلة، وبدون أي مؤهلات أو خبرات تذكر لمعظمهم، وتسببهم في مخرجات عديمة الفائدة كلفت الدولة مبالغ طائلة، والاستعانة بالمخلصين من أبناء البلد ممن يملكون الخبرة والممارسات المهنية، والذين يضعون مصلحة البلد أولاً نصب أعينهم.والله المستعانهاني سعود المير: twitter
مشاركة :