ألمانيا تريد الخروج من العباءة الأميركية

  • 4/12/2017
  • 00:00
  • 2
  • 0
  • 0
news-picture

تبنت ألمانيا الغربية، التي كانت تقود أوروبا صناعياً، خياراً استراتيجياً يتمثل في السمع والطاعة للولايات المتحدة، خلال النصف الثاني من القرن الـ20. لقد بدأت ألمانيا مشروع إعادة التسليح في الخمسينات، عندما شجعتها واشنطن على ذلك، ضمن إطار حلف شمال الأطلسي. كما التزمت بشكل مطلق ببناء أوروبا بـ«مُباركة» من العم سام. وفي 1963 أطلقت ألمانيا الغربية شراكة مع فرنسا التي كان يقودها شارل ديغول، على أن يسهم ذلك في تعزيز استقلالها. لكن عند المصادقة على معاهدة الشراكة أضاف المشرعون الألمان بنوداً تُذكّر بعلاقة بلادهم الخاصة بالولايات المتحدة، التي كانت توفر لها الحماية المناسبة ضد تهديدات الاتحاد السوفييتي. لم يتقبل الألمان انتقادات ديغول لهيمنة العملة الأميركية، وتدخُّل الجيش الأميركي في فيتنام، وفضّلوا الاحتفاظ بولائهم للقوة الكبرى التي تحميهم. هذا النموذج الألماني المطيع لأميركا لم يعد موجوداً. خلال اجتماع وزاري للحلف الأطلسي في 31 من مارس، رفض وزير الخارجية الألماني، سيغمار غابرييل، الامتثال لطلب تقدم به نظيره الأميركي، فقد جاء ريكس تيلرسون إلى بروكسل لإقناع حلفائه بزيادة الإنفاق العسكري إلى 2% من الناتج المحلي، وهو الحد الأدنى الذي حدده الحلف. تم الإعلان عن اجتماع آخر للحلف، في نهاية مايو المقبل، مباشرة بعد زيارة المستشارة الألمانية، أنغيلا ميركل، إلى واشنطن، حيث صرح الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، أن «ألمانيا مدينة بكثير من المال للحلف الأطلسي، ويجب تعويض الولايات المتحدة عن الحماية باهظة الثمن والفعالة التي تقدمها لألمانيا». رسائل ترامب تنقصها الدقة القانونية أحياناً، فالحلف الأطلسي لم يعد نادياً يجمع نفقات الدفاع، ويتم تمويله من اشتراكات الأعضاء. إنه منظمة تعمل على تشغيل وحدات محلية تحت قيادة عملياتية أميركية. صحيح أن ألمانيا لا تنفق سوى 1.2% من ناتجها المحلي على الدفاع مقابل 3.7% في الولايات المتحدة. ويقول الوزير الألماني إنه من غير المعقول أن تغير بلاده ميزانية الدفاع بين عشية وضحاها «ليس فقط الإنفاق على الدفاع هو الذي يضمن الأمن في العالم، لكن أيضاً الإنفاق على التنمية». استراتيجياً، بدأت برلين تأخذ مسافة من حليفها الأميركي، منذ بداية هذا القرن، رافضة بذلك عقيدة المحافظين الجدد، وقد امتنعت عن المشاركة في الحرب على العراق في 2003 وفي قصف نظام القذافي في 2011. واقتصادياً باتت ألمانيا تكره سياسة الحماية التي يتبناها ترامب، الذي يرى «عدداً كبيراً من سيارات المرسيدس في نيويورك». وقد طلب الأخير من إدارته إجراء دراسة مفصلة للتوازن التجاري مع كل بلد تتعامل معه أميركا. في ما يخص ألمانيا، يبدو أن لها فائضاً كبيراً في ما يخص التوازن التجاري، لكنها غير مستعدة لتغيير سياستها الخاصة بالتصدير، فهي متمسكة بحرية التبادل بقوة، هل سيُغضب ذلك الجهاز التنفيذي في واشنطن؟ هذا ممكن جداً. في هذه الظروف الاستثنائية، تجد ألمانيا نفسها أمام دور تاريخي يجب أن تلعبه، خصوصاً ضمن منطقة اليورو، الكتلة التي بإمكانها أن تتصدى للهيمنة المالية والقضائية الأميركية. وهنا، على برلين أن تدرك أنه من أجل استمرار وجود منطقة مالية، يتعين أن تقدم البلدان الغنية يد المساعدة للبلدان الفقيرة. رونو جيرار محلل سياسي فرنسي.

مشاركة :