السُّحب التي جلبت الخراب إلى بلدة خان شيخون السورية لم يكن لها أي رائحة، بيد أن تأثيرها امتد إلى الأشخاص الذين تلامسوا مع الموتى الذين قتلتهم هذه المادة، الأمر الذي يؤكد أنها غاز السارين، وهو مركب كيميائي صنعه النازيون، يعد أشد فتكاً بـ26 مرة من السيانيد. 26 مرة السارين أشد فتكاً من السيانيد. 10 أطنان من غاز السارين، أنتجها هتلر في الحرب العالمية الثانية. 1997 عام حظر السارين بموجب اتفاقية حظر الأسلحة الكيماوية. تأثير سريع جداً يعتبر تأثير التعرض لغاز السارين سريعاً جداً، حيث يؤدي إلى الموت بصورة مؤلمة. ويكفي استنشاق كمية قليلة من هذا الغاز، وخلال أقل من 10 ثوانٍ يبدأ الضحية بإفراز اللعاب والتقيؤ، في حين يصبح التنفس مضطرباً. وبعد أقل من دقيقة على تعرض الضحية للهجوم بغاز السارين يتعرض الجهاز التنفسي لهجوم قوي، الأمر الذي يجعل الجسم عاجزاً عن السيطرة على الجهاز التنفسي. وتقوم الرئتان بإفراز سوائل للتخلص من الغاز، الأمر الذي يجعل الضحية يخرج الرغوة من الفم، حيث يكون ملطخاً بنقط الدم. ويعاني البعض حالة مرضية تجعله عاجزاً عن السيطرة على وظائف الجسم مثل التقيؤ، والتبرز والتبول، وإفراز اللعاب. وقالت منظمة «أطباء بلا حدود» الخيرية، إن أطباءها عالجوا ضحايا يعانون أعراض اتساع حدقة العين، وتشنج العضلات، والتغوط اللاإرادي، كانوا قد تعرضوا لمواد مسممة للأعصاب مثل السارين. وقالت «منظمة الصحة العالمية» كان من الواضح أن ضحايا خان شيخون تعرضوا لمواد تؤثر في الأعصاب. وتشير جميع الأعراض إلى مادة واحدة هي غاز السارين، وهو السلاح الكيماوي الذي تم اكتشافه عن طريق المصادفة عام 1938 من قبل علماء ألمان كانوا يعملون في صناعة المبيدات الحشرية. واعتقد الخبير الكيميائي المسؤول عن المشروع بدايةً، أنه فشل في عمله لأن المركب الذي تشكّل لديه كان قاتلاً للبشر والحيوانات بصورة غير معقولة، الأمر الذي يجعل من المستحيل استخدامه على النباتات، لكن ذلك كان يروق للزعيم النازي، أدولف هتلر، حيث طالب بتحويل المشروع إلى هيئة صنع الأسلحة. وكان هتلر سعيداً جداً بحصوله على مثل هذا السلاح، وأطلق عليه اسم «السارين» تيمناً بأسماء العلماء الذين اكتشفوه. ويموت الكثيرون خلال بضع دقائق من استنشاق الغاز، وأطول زمن يمكن أن يعيشه من يتعرض لغاز السارين هو 10دقائق، أما الذين يتعرضون لكميات قليلة جداً منه، مثل ملامسة شخص ملوث بالسارين، فانه يعيش بقية حياته وهو يعاني أضراراً في الأعصاب والدماغ. وجاء اكتشاف السارين، الذي يؤثر في الجملة العصبية، في وقت كانت ألمانيا النازية قد طلبت من العلماء تطوير مبيدات حشرية، لضمان عدم احتياج ألمانيا للاعتماد على استيراد المواد الغذائية، في الوقت الذي كانت تستعد للحرب. وترأس العالم، جيرهارد شريدر (33 عاماً) فريقاً مخصصاً لهذا الغرض. لكن بعد أن فشل في صنع مبيد حشري من الفلورايد، قرر مزج الفسفور مع السيانيد. وكانت النتيجة أنه، إضافة إلى قتل كل الحشرات، فقد أثبتت الاختبارات على الحيوانات أنها مذهلة، إذ قتلت القرود بعد تعرضها للمركّب بثوانٍ قليلة، وكذلك الفئران والطيور التي نفقت بسرعة غير عادية. وعلى الرغم من ذلك فإن شريدر اعتقد أنه فشل في مشروعه، لأن المركب الذي حصل عليه لا يمكن استخدامه في الزراعة، لكن هتلر شاهد في المركب الجديد استخداماً آخر، وكونه مؤرخاً عسكرياً، فقد عرف أن ألمانيا شنّت ما عرف لاحقاً بحرب «الكيماويين» في 22 أبريل 1915، عندما تم إطلاق غاز الكلورين على الجنود الفرنسيين في الخنادق. وقتل نحو 90 ألف جندي نتيجة «الضباب الأخضر المصفر» في مواقع الحلفاء، حسب ما قال أحد الناجين، الذي أضاف قائلاً «العديد سقطوا وماتوا في مكانهم، في حين أن آخرين أخذوا يلهثون ويتعثرون في خطواتهم، وكانت وجوههم متشنجة، وصرخ بعضهم صرخات أجشة من الألم، وهرب بعضهم إلى القرى والمزارع المجاورة، حاملين الرعب لمم تبقى من المدنيين في تلك المناطق». وغاز السارين أقوى بكثير من غازَي الكلور والخردل، فقد كان هذا الغاز قوياً جداً إلى درجة أنه في عام 1940 بدأت إدارة التسليح في الجيش الألماني «وافنمات» تشييد منشآت صناعة سرية، اكتظت بالعديد من العلماء الذين يرتدون الملابس الواقية، واستُدعي العالم شريدر ليترأس المشروع. وتم إنتاج 10 أطنان من غاز السارين، وهو ما يكفي لقتل الملايين من الأشخاص، لكن هتلر لم يستخدمه بعد أن حذره خبراءه من أن الغرب، خصوصاً بريطانيا وأميركا، لديه الكثير من غاز المسترد، ويمكن أن يستخدموه انتقاماً لاستخدام السارين. وفي واقع الأمر فان السارين كان يشكّل اهتماماً عظيماً بالنسبة لكل من بريطانيا وأميركا. وفي أحد الحوادث التي ظلت سرية لنحو نصف قرن من الزمن، اتضح أن بريطانيا قامت بتجربة غاز السارين على مهندس يدعى رونالد ماديسون (20 عاماً)، في «بورتون داون» التي كانت تعد مركز أبحاث الأسلحة الكيماوية السري في ويلتشير. وفي عام 1953 حصل ماديسون على إجازة لمدة ثلاثة أيام و15 شلناً، لأنه وافق على المشاركة في الاختبار، الذي كان مخصصاً لاكتشاف آثار قطرات السارين على الملابس. وتظل هذه المادة سائلة حتى تصل حرارتها إلى درجة 150 درجة مئوية، وعندما يتم إطلاقها في قذيفة فإن انفجارها يحولها إلى غاز. وكان ماديسون يخطط لاستخدام المال الذي حصل عليه لشراء خاتم الخطوبة، لكن بعد أن أدخل في غرفة مقفلة تماماً مع خمس قطرات من السارين على ذراعه، انهار فوراً وسقط على الأرض، لكن إثر تدخل العلماء الذين كانوا يرتدون ملابس واقية وإخراج ماديسون من الغرفة، قال إنه غير قادر على التنفس أو السمع أو الرؤية، وتم نقله إلى المستشفى الموجود ضمن منشأة بورتون داون، وتم الإعلان عن فاته خلال 40 دقيقة من تعرضه للسارين. وظهرت هذه التفاصيل فقط بعد إجراء تحقيق في موضوع الوفاة عام 2004، بعد سنوات طويلة من مطالبات عائلته، التي أثارتها حقيقة أن وزارة الدفاع كانت قد أزالت العديد من أعضاء ماديسون، بما فيها دماغه ونخاعه الشوكي ورئتاه، واستخدمتها لمزيد من التجارب. وقامت روسيا وأميركا بإجراء تجارب أيضاً على غاز السارين بموجب برامج أسلحة كيماوية سرية، لكنهما لم تستخدما هذا الغاز القاتل في الأعمال القتالية مخافة الانتقام بالمثل. ومن أشهر الحالات التي تم استخدام غاز السارين فيها، قيام إرهابي ينتمي إلى طائفة يابانية باستخدام هذا الغاز عام 1995 على محطة مترو في طوكيو، ونجم عن ذلك مقتل 12 شخصاً وإصابة نحو 5000 آخرين. ويعد هذا أكثر الهجمات فتكاً التي تحدث على الأراضي اليابانية منذ الحرب العالمية الثانية. واستخدم العراق أيضاً غاز السارين ضد الأكراد عام 1998 في بلدة حلبجة، ونجم عن ذلك مقتل 5000 شخص في الحال وإصابة كثيرين. ولمنع استخدام غاز السارين في الحروب الحديثة، عمدت الأمم المتحدة إلى حظره عام 1997، بموجب اتفاقية حظر الأسلحة الكيماوية، لكن لم يتم تدمير كل المخزونات من هذا السلاح. وفي عام 2013 ادّعى الرئيس الأميركي، في حينه، باراك أوباما، أن سورية «تجاوزت الخط الأحمر» عندما استخدمت نحو طن من السارين، على منطقة تابعة لدمشق، ونجم عن ذلك مقتل نحو 1400 شخص، لكن التدخل الأميركي توقف بعد أن توسطت روسيا لإجراء صفقة بين الأميركيين والسوريين، يتخلى بموجبها النظام السوري عن مخزونه من غاز السارين والأسلحة الكيماوية الأخرى. لكن الاستخدام الأخير لغاز السارين تم في سورية بمنطقة تسيطر عليها المعارضة، ولكن وزير الدفاع الروسي قال إن المبنى المستهدف هو مستودع أسلحة كيماوية، كان مقرراً نقلها إلى العراق، لكن أحداً من العالم الغربي لم يقتنع بمثل هذه المزاعم.
مشاركة :