إذا كان علم التاريخ من أهم العلوم المساعدة في معرفة قيام الحضارات فإن السيرة النبوية من أفضل ما ذكره التاريخ عن تلك الحقبة المهمة في تاريخنا من خلال تلك الأدلة المروية والحقائق المشاهدة عن ذلك المكان، وذلك الإنسان الذي قدَّم لنا مجداً حقيقياً وتطبيقاً عملياً لمبادئ وتشريعات ظلت صامدة للعيان حتى الآن، وفي سيرة الهادي البشير والسراج المنير محمد بن عبدالله القرشي المكي، رأينا كيف اجتمعت له من صفات الكمال -عليه السلام- أقصى ما يمكن للعقل البشري أن يتصوره، فالوحي انتهى إليه والنبوة ختمت برسالته وكان رحمة للعالمين، ولهذا فلا غرابة من إعجاب تلك الكوكبة من الزعماء والمفكرين في العالم بأعظم العظماء وأشرف الشرفاء على الرغم أنها لم تأت من تدين ولم تكن لاتباع بقدر ما هي إكبار لصفاته الإنسانية واحترام لعبقريته الشخصية، فمثلاً يقول الفيزيائي الفلكي الأمريكي (إن ما جاء به محمد يتنافى بكل الأشكال مع البيئة البعيدة عن التحضر والتي نشأ بها وسط مجتمع قبلي قاسٍ تحكمه عصبية الجاهلية وفوضويتها..) فاستحق -عليه السلام- بجدارة أن يضع مايكل هارت شخصية رسولنا الكريم على رأس قائمة كتابه ذائع الصيت (الخالدون مئة). ويقول برناردشو (إنني أعتقد أن رجلاً كمحمد لو تسلَّم الحكم المطلق في العالم بأجمعه اليوم لتم له النجاح في حكمه، ولقاد العالم إلى الخير وحل مشكلاته على وجه يحقّق للعالم كله السلام والسعادة المنشودة..) والقائمة تطول في هذا المجال علماً أننا لسنا في حاجة إلى الاستدلال بأقوال كل أولئك المفكريين من الغرب إذ يكفيه فخراً وشرفاً التكريم من لدن عليم حكيم. إن محبته -صلى الله عليه وسلم- أصل من أصول الإيمان واتباعه دليل محبته فهو قدوتنا في الحياة الدنيا وهو شفيعنا يوم القيامة ولو لم يكن له من الفضل إلا أنه الواسطة في حمل هدية السلام إلى الأرض وإيصال هذا القرآن الكريم لقد كان هو بأبي وأمي أجود الناس وأزهد الناس وأرفق الناس وأشجع الناس وأحلم الناس وكان من أجمل الناس بلَّغ الرسالة وأدَّى الأمانة وظل يدعو باللين تارة وبالشدة تارة 23 عاماً من المعاناة حتى أظهر الله كلمته وأتم نعمته وأكمل دينه، فكان أعدل الخلق حكماً وأعظمهم إنصافاً وأوضحهم بياناً وأعفهم لساناً، وما هذا المقال الذي أكتبه إلا إبراءً لذمتي ودفاعاً عن قدوتي لا أبتغي به إلا وجه الله وشفاعة رسول الله، وإلا فأي قلم يحيط بوصفه وأي مقال يتسع لعبقريته بل أي إنسان مهما أعطاه الله سيظل عاجزاً ويبقى مقصراً عن كشف فضائل وشمائل أعظم الخلق وأطهر البشر وأصدق الناس.
مشاركة :