النسخة: الورقية - سعودي الناس في اقتنائها أصناف، منهم من هو صائد ماهر، ومنهم من هو حاطب ليل، ومنهم مستكثر بما لم يعط، ومنهم كتبي غاية همه ونهاية مرامه أن يكدس الكتب في دواليبه الخشبية لينظفها كل يوم ويعيد ترتيبها كل يوم وإن قرأ منها شيئاً سقط على الرديء وقليل القيمة، وقد عرفت أحدهم ورثيت له كثيراً إنه يبتاع منها الكثير والكثير ولديه مكتبة هائلة مخيفة إنه يقتني العديد من النسخ للكتاب الواحد وإن كان من المطولات والمجلدات بلا ميزة بين الطبعة والطبعة والنسخة والنسخة بل هيا هيا. في الستينات الميلادية فشت ظاهرة استعراضية يقوم الناس فيها برص أوراق في مجلدات وكأنها كتب ووضعها على أرفف الصالون المنزلي أو لصق ورق الجدران المزين بصور الرفوف حاملة الكتب لتعطي المكان انطباعاً ثقافياً. تلقف العرب هذا بعد حين وفي بواكير نهضتهم عندما جلبت المطبعة إلى مصر وصارت تقذف بالجيد وغيره من الكتب، فتلقفها أهلها وغير أهلها ممن يتجملون بها ويجملون بها مجالسهم، وهنا أهمس في أذن القارئ المبتدئ بألا يكثر بل يحرص على الكيف وما يناسب مرحلته القرائية وأن يضع الكتب أمامه في مكتبة صغيرة جذابة لتشع أجواءه بالثقافة ولا يزهد في وصايا القراء الكبار المنتجين. اقتناء الكتب فن وذوق وتحضر، وهو طبيعة نفسية تختلف باختلاف الناس، فمنهم من كتبه ملونة مشرقة، ومنهم من كتبه سوداء مظلمة يغرق في عتمتها يوماً بعد يوم، وهذا الاقتناء يتطور ويتغير مع تقدم عمر الإنسان القرائي، بل وتصقل الحاسة الانتقائية للكتب لديه، فما أن يدخل المكتبة وبلحظة عين واحدة يمر على رف كامل وهو يعلم أنه ليس ذا بال وأكثر من هذا يدور بهدوء في المكتبة ثم لا يلبث أن ينقض كنسر على رف من الرفوف ليلتقط كتاباً ويقلبه متصفحاً لفهرسه ليدسه في كيسه بحبور، فقد وقع على صيد سمين. كل هذا في لحظة واحدة. وكثرة الاقتناء لا تتعلق بالضرورة بالبدايات ولا النهايات، فكل قارئ وقصته الخاصة، ولكنها تخضع لعوامل عدة، فتكون في البداية أحياناً لبناء المكتبة وأيضاً للتخبط الشرائي، أو في المنتصف لوضوح الرؤية شيئاً ما، وللرغبة في اقتناء بعض الأمهات، وربما في النهاية لوضوح الخريطة الذهنية والتخصص والجداول المحاذية للقضية الكبرى لدى القارئ، ولا يخفى ما للحالة النفسية من أثر في ذلك، فبعضهم يتبضع الكتب ليخفف وطأة الاكتئاب الطارئ فينة بعد أخرى. لا يغالي آلبرتو مانغويل عندما يعلن أن فعل القراءة «يشكل علاقة حميمية وجسدية مع الكتاب بمشاركة جميع الحواس العين تجمع الكلمات على صفحة والأذن ترجع صدى الكلمات المقروءة والأنف يشم رائحة الورق والصمغ والحبر والورق المقوى أو الجلد والأنامل تتحسس الصفحات الناعمة أو الخشنة والتجليد الناعم أو القاسي وحتى حاسة الذوق تشارك في العملية عندما يرفع القارئ إلى فمه الأصبع الموجودة على الصفحة الطريقة التي سم فيها القاتل ضحاياه في رواية أمبرتو إيكو اسم الوردة». لقد عشت ذلك في إحدى صيفيات أبها والصيف معروف بأدب الصيف وأيضاً بقراءة الصيف، فقد قرأت في أقل من الشهر 36 كتاباً مع التعليق وضبط الفوائد. لقد كانت أكبر الغزوات، ولا أنكر أن قراءة كتاب عظيم على مهل تصب في مفاصل الفكر وتؤثر في مناحي السلوك، بما لا يدع مجالاً للمقارنة بينه وبين هذه الغزوة القرائية، ويحكى أنه ومن العصر الفكتوري كان المسافر يحمل معه حقيبة من الكتب، بل وهذا الصاحب بن عباد إن صحت عنه الرواية يسافر بـ40 جملاً محملة بالكتب. t.alsh3@hotmail.com TALSH3@
مشاركة :