خان شيخون هل تكتب نهاية الأسد

  • 4/12/2017
  • 00:00
  • 2
  • 0
  • 0
news-picture

المؤشرات السياسية تؤكد بوضوح أن الفترة المقبلة ستكون حاسمة في تقرير مصير سورية، لاسيما في ظل الإشارات التي صدرت من وزارة الدفاع الأميركية بأن العملية العسكرية لن تكون الأخيرة أتى الرد الأميركي سريعا على الجريمة التي اقترفها نظام بشار الأسد في سورية، وأطلقت البحرية الأميركية عشرات الصواريخ التي دكت قاعدة الشعيرات الجوية التي انطلقت منها طائرات الشر لتقصف الأطفال بالأسلحة الكيماوية الفتاكة في خان شيخون، لتثبت للنظام المجرم أن الوضع السياسي الراهن لم يعد كسابقه، وأن الاستمراء في التعديات بحق الإنسانية والتجاوزات للقوانين الدولية لم يعد لهما مكان، وأنه ليس بإمكانه أن يتمادى في غيه وعدوانه على الأبرياء. هذا الدرس البسيط لم يستطع النظام استيعابه، وظن أن بإمكانه مواصلة مسيرته السوداء في استخدام الأسلحة المحرمة، دون خوف من المجتمع الدولي، وذلك بسبب ضيق أفقه السياسي وانخداعه بالدعم الذي توفره له موسكو. لم يدرك الظالم أن ليل الظلم لا بد له من نهاية، وإن تطاول أمده، ولم يستوعب أن حلفاءه أيضا لن يكون بإمكانهم سوى الاكتفاء بعبارات الرفض والاستنكار، ولا يبدو أنه يعي أيضا أن عهد ما بعد مجزرة خان شيخون لن يكون مثل ما قبلها، وهو ما أكدته الإدارة الأميركية الجديدة، التي أظهرت في بداية فترتها ميلا نحو التعامل مع نظام الأسد لفترة محددة، ريثما يتم الانتهاء من هزيمة الدواعش، لكنها أدركت أن استمرار هذا النظام، والانتهاكات التي يقترفها بحق المدنيين هما السبب الرئيسي في ظهور الإرهاب واستمراره، فقررت التعامل مع كليهما في وقت واحد، باعتبارهما وجهان لعملة واحدة، وهو ما أكده ترمب صراحة عندما قال إن منظر الأطفال وهم يموتون بسبب الكيماوي أدى لتغيير كل آرائه عن النظام. لم يطرف جفن لمسؤولي النظام وهم يرقبون شهقات الأطفال وحشرجتهم، نتيجة لتلك الغازات السامة التي حصدت أرواحهم الغضة، وكتبت نهاية لحياتهم، فحاولوا اجترار الأكاذيب التي اعتادوا عليها، وزعموا أن مقاتلي المعارضة هم الذين أطلقوا أسلحة الموت على المدنيين، وهي أكاذيب ممجوجة تدحضها الحقائق ويرفضها العقل السليم، فإضافة إلى عدم امتلاك المعارضة لمثل تلك الأسلحة فهي أيضا لا تملك الطائرات التي ترمي القنابل المحرمة من الجو على المناطق المستهدفة، وسرعان ما جاء الرد العالمي موثقا بالدليل بأن مقاتلات النظام أقلعت من مطار الشعيرات العسكري وارتكبت تلك الجريمة النكراء. مثل هذه الجرائم ليست غريبة على النظام المجرم، وما يقترفه جلادوه في السجون والمعتقلات يفوقها وحشية، وقد رأيت بعيني إبان رئاستي فريق المعتقلين وحقوق الإنسان في البعثة العربية في سورية مناظر بشعة، تم توثيقها بالصوت والصورة رغم اعتراض رئيس بعثة المراقبين العرب في سورية الفريق محمد أحمد الدابي، ومحاولة مسؤولي النظام مصادرة تلك الصور التوثيقية، بعد أن اطلعوا على محتويات التقرير بطريقة استخبارية عبر كاميرات المراقبة التي ثبتوها في الفندق الذي كان يقيم فيه أعضاء الفريق العربي، إلا أن سفري برفقة الفريق الدابي حال دون مصادرة تلك الوثائق. كما أن تقرير قيصر الشهير والصور البشعة التي كشفها لعمليات التعذيب الوحشية يبقيان دليلين دامغين يدينان النظام. لعب الأسد في بدايات ظهور الإرهاب في سورية على ورقة التنظيمات المتطرفة، وأوهم العالم أنه البديل المنطقي لتلك التيارات التي اقترفت فظائع يقشعر لها الجسد، وأثارت رعب العالم، فانتهز جلاد العصر تلك الفرصة، وكرر في لقاءات تلفزيونية مدفوعة الثمن أن داعش والقاعدة هما البديل الوحيد لحكمه، واستعان في سبيل ترسيخ ذلك الوهم بشركات علاقات عامة أميركية، روَّجت لتلك الأكاذيب، بعد أن دفع لها عشرات الملايين من الدولارات من أموال الشعب المقهور، حتى باتت بعض دول العالم تتعامل مع تلك الصورة وكأنها حقيقة لا تقبل النقاش، لكن تلك الأكاذيب سرعان ما تهاوت، بعد أن لم يتورع النظام في ارتكاب كل الموبقات بحق شعبه، ولم يوفر وسيلة من وسائل الشر إلا واقترفها، بدءا من القصف العشوائي ومرورا بالبراميل المتفجرة، والقنابل الفراغية والعنقودية وقنابل اليورانيوم المنضب والأسلحة الكيماوية، إضافة إلى محاصرة القرى والمدن، واستخدام التجويع والتعذيب بحق السوريين الذين لم يقترفوا ذنبا سوى أنهم رفضوا استمرار ظلمه وأرادوا البحث عن مستقبل جديد. التوجه الجديد لإدارة الرئيس ترمب، والدعم العالمي الواسع الذي وجدته العملية الأميركية الأخيرة سوف يوفران مناخا جديدا يؤدي بالتأكيد إلى إزاحة نظام الأسد، فالمجتمع الدولي لن يكون بمقدوره المزيد من الصبر تجاه تلك التجاوزات، وبذلك يكون نظام الشر قد حفر قبره بيديه، بعد أن ظن أن بإمكانه ممارسة نفس الخداع الذي مارسه على إدارة باراك أوباما، بعد أن استخدم الكيماوي في جريمة الغوطة الغربية الشهيرة التي راح بسببها آلاف المدنيين من أطفال ونساء وكهول، إلا أن تلك الإدارة وقعت في فخ رسمته موسكو بعناية وأبرمت صفقة مع واشنطن بتدمير كافة الأسلحة الكيماوية التي يمتلكها الجيش السوري، مقابل عدم القيام بعمل عسكري ضده، وهي التعهدات التي ثبت في ما بعد عدم مصداقيتها وأنها لم تكن سوى مجرد خدعة كبيرة. المناخ العالمي تغير، وأصول اللعبة السياسية اختلفت، فهزيمة الدواعش باتت تقتضي إزالة الأسباب التي أدت في البداية إلى ظهور الإرهاب، وفي مقدمتها الذرائع التي يستغلها المتشددون لتجنيد المغرر بهم، وعلى رأس تلك الذرائع التجاوزات التي يقترفها نظام الأسد بحق الشعب السوري، بدعم وتشجيع مباشر من النظام الإيراني، وبعد أن أنفقت الولايات المتحدة أموالا طائلة في العراق لهزيمة التنظيم ومحاصرته في جيوب صغيرة بالموصل، وأرسلت الآلاف من جنودها وخبرائها العسكريين، وقامت بنفس الدور في سورية وباتت القوات المتحالفة معها على أبواب عاصمة المتشددين المفترضة في الرقة، لا يبدو أنها على استعداد للتضحية بكل تلك الجهود عن طريق غض الطرف عن مراهقات الأسد وحلفائه، لأنها بالتأكيد ستمنح المتشددين الفرصة لخداع مزيد من العناصر وتجنيدهم. المؤشرات السياسية تؤكد بوضوح أن الفترة المقبلة ستكون حاسمة في تقرير مصير سورية، وأن الضغط العالمي سيزداد على نظام الأسد وداعميه، لاسيما في ظل الإشارات التي صدرت من وزارة الدفاع الأميركية بأن العملية العسكرية لن تكون الأخيرة، وأن واشنطن لن تكتفي بالوقوف موقف المتفرج، كما أن الدعم القوي الذي أبدته دول الخليج للعملية ومطالبتها واشنطن بالتدخل بصورة أكبر سيكون لهما تأثير في وضع نهاية لأسوأ أزمة إنسانية عرفها التاريخ الحديث. نقلا عن صحيفة الوطن:alwatan.com.sa

مشاركة :