الجوع يجبر أسرا صومالية على تزويج بناتها القاصراتتضطر العديد من الأسر في الصومال إلى التضحية بالكثير من الأشياء الهامة والنفيسة مقابل الحصول على ما يبقي باقي أفراد العائلة على قيد الحياة في ظل الجفاف والمجاعة اللذين اكتسحا البلاد، ويستغل ضعفاء النفوس والانتهازيون هذه الظروف القاهرة للزواج من فتيات قاصرات مقابل بعض المال ترى فيه الأسر المنقذ الوحيد لها من هلاك محتوم.العرب [نُشر في 2017/04/13، العدد: 10601، ص(21)]هل تسترد زينب حريتها دولو (الصومال) – لم يكن أمام أبدير حسين، مع جفاف الآبار في قريتها ونفوق ماشيتها بسبب جفاف المراعي في جنوب الصومال، سوى فرصة واحدة أخيرة لإنقاذ أسرتها من الجوع؛ جمال ابنتها زينب البالغة من العمر 14 عاما. في العام الماضي عرض رجل يكبرها في السن ألف دولار مهرا لها وهو ما يكفي لنقل عائلتها الموسعة إلى بلدة دولو الصومالية على الحدود الإثيوبية حيث توزع وكالات الإغاثة الدولية الطعام والماء على العائلات الفارة من جفاف مدمر. قالت زينب ذات العينين السوداوين والصوت الناعم “أفضل الموت على أن أهرب إلى الأدغال وتأكلني الأسود”. وردت والدتها “آنذاك سنبقى ونموت جوعا وستأكل الحيوانات عظامنا”. وهذا الحديث الذي نقلته الابنة والأم مثال للخيارات التي تواجه العائلات الصومالية بعد عامين من ندرة الأمطار، وذبول المحاصيل وتناثر عظام الماشية في أنحاء البلاد الواقعة في منطقة القرن الأفريقي. وتحتاج الأمم المتحدة إلى 4.4 مليار دولار بحلول يوليو، وحتى الآن لم تتلق سوى 590 مليون دولار. لكن ما تغفل عنه الإحصاءات هو الخيارات الموجعة للقلوب التي تضطر إليها الأسر يوميا للتمكن من البقاء. وقايضت أبدير حسين حرية ابنتها زينب بحياة شقيقاتها. وقالت في كوخها المتهالك المصنوع من العصي وقطع القماش وشرائح البلاستيك والذي يأويها مع أفراد أسرتها البالغ عددهم 14 شخصا “إنه شعور سيء للغاية… قضيت على أحلام طفلتي. لكن دون هذا المال من المهر سنموت كلنا”. ولكن زينب ذات اليدين المرسومتين بنقوش الحناء، التي ترتدي غطاء رأس ضيقا وتنورة طويلة باهتة تحتها سروال موشى بأحجار لامعة على طرفه الأسفل، تملك إرادة حديدية، فهي تريد أن تصبح معلمة لغة إنكليزية وتريد استكمال دراستها ولا تريد أن تتزوج. وقالت “أريد شيئا مختلفا عن ذلك”، وكان ابن شقيقتها الرضيع يحبو عاريا على الرمال بجوارها وشقيقه الأصغر يبكي بصوت واهن. لكن مقابل أحلام زينب هناك حياة 20 من أبناء وبنات شقيقاتها الثلاث وجميعهن تزوجن صغيرات وطلقن، وهناك أيضا شقيقها الأكبر الذي أنهكه الهم وشقيقتها الصغيرة ووالداها، وهم جميعا مهددون بالموت جوعا. كانت الأسرة ذات يوم تملك أبقارا وأغناما وثلاثة أحمرة كانت تؤجرها مع عربات كوسيلة للمواصلات، لكن الحيوانات نفقت وأصبحت زينب أملهم الوحيد.إكراه الفتيات على الزواج ليس بالأمر الجديد في الصومال لكنه أقل شيوعا في الأوقات الأفضل، خاصة في دولو رفضت زينب على مدى أشهر وظلت متقوقعة على نفسها تحاول الهرب كلما نسوا أن يغلقوا عليها باب الغرفة، لكنها أذعنت في نهاية الأمر أمام عوز أسرتها الشديد. وقالت أمها وقد بدا الحزن والقلق واضحين على ملامحها وهي جالسة بجوار ابنتها متجهمة الوجه “لم نكن نرغب في إجبارها… الضيق يجعلني لا استطيع النوم. عيناي متعبتان حتى أنني لم أعد استطيع لضم إبرة”. دفع المهر وأقيم العرس والتأم شمل العروسين. بقيت زينب ثلاثة أيام ثم فرت هاربة. عندما استأجر أفراد أسرتها سيارات لنقلهم مسافة 40 كيلومترا إلى دولو سافرت زينب معهم. والتحقت بالمدرسة المحلية التي تضم عشرة مدرسين ونحو 500 طالبة، وحيث تغطي ألواح حديدية مموجة جدران الفصول المبنية من أعواد الخيزران. تحكي زينب بهدوء “يقول إذا ما رفضتني الفتاة يجب أن أسترد أموالي. أو سآخذها بالقوة.. بعث إلي برسائل تقول أعطيني المال أو سأعيش معك كزوجك”. لا تستطيع أسرتها أن ترد ولو جزءا يسيرا من المهر، فكل ما تملكه هما حاشيتان أسفنجيتان متسختان وثلاث أوان للطهي ومشمع برتقالي يغطي منزلها المؤقت. ليس لديها شيء آخر لبيعه. ثم قرر مدرس زينب في اللغة الإنكليزية عبدالولي محمد هرسي أن يتدخل في الأمر. كان هرسي قد رأى المئات من الطلاب يتسربون من المدرسة بسبب الجفاف. تركت فتاة المدرسة للعمل كخادمة للمساعدة في إطعام أسرتها، وكان جيلها هو أول جيل من الفتيات يدخل المدارس. مرض صبي وتوفي، فقد تفشت الكوليرا في أنحاء الصومال حينما أصابت البكتيريا إمدادات المياه المتناقصة. يقول هرسي إن خمس فتيات غادرن المدرسة أيضا هذا العام لتزويجهن بالإكراه أو من أجل زيجات مبكرة. وأضاف أن إكراه الفتيات على الزواج ليس بالأمر الجديد في الصومال لكنه أقل شيوعا في الأوقات الأفضل، خاصة في دولو. لا أحد يعرف عدد الأسر التي تضطر إلى مواجهة اختيارات مثل التي واجهتها أسرة زينب. وقال جان لوكينجا رئيس إدارة حماية الطفل في مكتب منظمة الأمم المتحدة للطفولة في الصومال “رغم أننا لا نمتلك بيانات نهائية إلا أننا نفهم من بعض التقارير أن الأعداد قليلة لكنها تتزايد ولا سيما في المناطق الجنوبية والوسطى”. وذكرت جماعات إغاثة أخرى أن معظم الأسر في المناطق المنكوبة بالجفاف فقيرة بصورة لا تسمح لها برد المهور بعد نفوق ما تملكه من حيوانات. ولا أحد يعرف برنامجا لمساعدة فتيات مثل زينب. اصطحب هرسي زينب إلى جمعية مساعدة محلية أخذتها بدورها إلى جمعية كوبيراتسيوني انترناتسونالي الإيطالية للإغاثة. وقرر المنسق الإقليمي الذي كان في زيارة للمنطقة مع مانحين من الاتحاد الأوروبي أن يتدخل. تحكي ديكا وارسامي أحد أعضاء الجمعية لزميلاتها اللاتي تجمعن لسماع القصة “يجب أن نفعل شيئا من أجل هذه الفتاة… وإلا ستواجه اغتصابا كل ليلة”. كان موظفوها يحتفظون بأموال للأعمال الخيرية فوفروا المال اللازم لسداد المهر. وقالت وارسامي إن المجموعة ستتوسط لعقد لقاء بين رجال الأسرتين، وسيسترد زوجها ماله إذا ما طلقها أمام شهود. رفعت زينب عينيها السوداوين عن الأرض وتساءلت “هل سأكون حرة؟”.
مشاركة :