لا يوجد، إذا جاز التعبير، مهندسا معماريا كرويا أفضل من المدير الفني لأتلتيكو مدريد الإسباني، المدرب الأرجنتيني دييغو سيميوني، فهو المدرب الذي أبرع في إنشاء حائطا منيعا لدفاعات فريقه وأحاطها بسياج فولاذي لا يتصدع إلا فيما ندر. ووصل أتلتيكو مدريد إلى المرحلة الأخيرة من الموسم الجاري محافظا على سمته الأصيلة كفريق غير قابل للاختراق ويظهر في بطولة دوري أبطال أوروبا في أبهى حلة له. وبعد أن فاز على ليستر سيتي الإنجليزي بهدف دون رد أمس الأربعاء (12 أبريل/ نيسان 2017) في ذهاب دور الثمانية لبطولة دوري أبطال أوروبا، بات أتلتيكو مدريد قريبا من التأهل إلى الدور قبل النهائي لهذه البطولة للمرة الثالثة خلال السنوات الأربع الأخيرة. واستقبل أتلتيكو مدريد في 19 فبراير/ شباط 2014 الهدف الأخير في شباكه حتى الآن على ملعبه في الأدوار الإقصائية للبطولة الأوروبية، عندما سجل البرازيلي كاكا هدفا لميلان في مباراة الفريقين في دور الستة عشر. ومنذ ذلك التاريخ، وعلى رغم مواجهته لفرق كبرى مثل ريال مدريد وبرشلونة وبايرن ميونيخ وتشلسي، لم يستطع أي فريق هز شباك أتلتيكو مدريد على ملعبه "فيسينتي كالديرون". وسجل أتلتيكو مدريد ستة أهداف، فيما احتفظ بشباكه نظيفة في المباريات التسع الإقصائية الأخيرة، التي خاضها على ملعبه، الأمر، الذي يدل على القيمة والأهمية الكبيرة التي يتمتع بها خطه الدفاعي، مما يمنح جدوى كبيرة للأهداف القليلة التي يحرزها. وكانت مباراة ليستر سيتي هي خير كاشف لهوية أتلتيكو مدريد: فريق لا يحتاج إلى الظهور في ثوب التألق، وتنحصر مواطن قوته في شبكته الدفاعية المنيعة، بالإضافة إلى الموهبة الفائقة لمهاجمه الفرنسي أنطوان غريزمان. وساعدت هذه الخصال والسمات الفنية أتلتيكو مدريد على تحقيق التعادل 1-1 أمام جاره ريال مدريد في بطولة الدوري الإسباني. وقال البرازيلي فيليبي لويز، مدافع أتلتيكو مدريد عقب انتهاء مباراة الأمس: "إنها نتيجة كبيرة، لم نستقبل أي أهداف، لقد فزنا بمباراتنا". فيما أضاف زميله لاعب مونتينيجرو ستيفان سافيتش، قائلا: "الآن استعدنا صلابتنا الدفاعية التي كنا نتمتع بها دائما وأتمنى أن نستمر هكذا". وبشكل واضح، يبدو أن أتلتيكو مدريد ألقى خلف ظهره تجاربه المحبطة في بداية الموسم، وعاد مرة أخرى ليكون أكثر شراسة من الناحية الهجومية وأكثر تنظيما في الجانب الدفاعي متسببا في إزعاج المنافسين في كل المباريات. ولم يخسر أتلتيكو مدريد أي مباراة منذ 26 فبراير الماضي عندما سقط أمام برشلونة 1-2، وهو اللقاء الأخير الذي شهد استقبال شباكه لهدفين. ولعب فريق دييغو سيميوني منذ ذلك الحين تسع مباريات في بطولتي دوري أبطال أوروبا والدوري الإسباني محققا ستة انتصارات وثلاث تعادلات، فيما اهتزت شباكه فيها جميعا ثلاث مرات فقط. ولم يتكبد جان أوبلاك حارس أتلتيكو مدريد عناء يذكر للتصدي لأي كرة خلال مباراة أمس أمام ليستر سيتي، وهو ما يفسر ويوضح القوة الدفاعية لهذا الفريق، الذي يرتكب الأخطاء نادرا. وفي حال نجح الفريق المنافس في خلق هجمات خطرة، هنا يبرز دور الحارس السلوفيني، كما حدث في مباراته أمام ريال مدريد. ولا يرغب أحد في مواجهة أتلتيكو مدريد في دوري الأبطال منذ فترة طويلة، لأن الجميع يعرف مدى الإزعاج الذي يتسبب فيه هذا الفريق. وبعيدا عن الانطباعات الشخصية فإن إحصائيات الفريق الإسباني تدعم وجهة النظر هذه، فهو لم يستقبل سوى أربعة أهداف فقط في مرماه خلال النسخة الحالية من دوري أبطال أوروبا، ولا يتفوق عليه في هذا الصدد سوى يوفنتوس (هدفين).
مشاركة :