قراءة في رواية «تيلاندسيا» للروائية المغربية سلمى الغزاوي

  • 4/14/2017
  • 00:00
  • 6
  • 0
  • 0
news-picture

صدرت هذه الرواية للكاتبة المغربية سلمى الغزاوي عن (كيان للنشر والتوزيع بالقاهرة) وتتألف من مائة وخمس وخمسين صفحة من القطع المتوسط. تتناول موضوعا إنسانيا؛ ألا وهو موضوع الهجرات غير الشرعية من بلاد أفريقيا السوداء إلى أوروبا مرورا ببلاد المغرب العربي لأسباب متعددة، منها الأمنية مثل ملاحقة الإرهابيين للسكان لاختلافهم الديني أو المذهبي كجماعة بوكو حرام وغيرها، أو لأسباب اقتصادية كعدم قدرتهم على إعالة أهلهم وذويهم فضلا عن أنفسهم. كما تتناول الرواية ما يلاقيه هؤلاء من عوائق في طريق هجرتهم، تبدأ بمتاجرة سماسرة الهجرة والترحيل البري والبحري بهم، وعدم الوفاء بالتزاماتهم تجاههم كأن يلقوا بهم في أماكن غير التي اتفقوا عليها. وأول ما يسترعي الانتباه في رواية (تيلاندسيا) هو عنوانها الغريب الذي يجعل القارئ في ترقب لمعرفة مدلوله، ويزيد من الغموض غلافها المثقل بالسواد الذي تحتل جزءا منه صورة شبح أسود يطل على مدينة عتيقة يقف البحر خلفها إلى البعيد.. وفي ظهر الغلاف فقرة مقتبسة من نص الرواية تشير إلى متحدث يتحسر على تأخر الموت عنه بعد أن فقد عائلته يصف الموت بأنه إطلاق سراح روحه المعذبة! لكن القارئ لا يلبث أن يدرك مدلول العنوان قبل أن يمضي في الرواية حين يستوقفه قول الراوي في ص 22 «لماذا ينظر بعض الناس إلى الأفارقة السود كما لو كانوا مجرد نباتات وحشية بلا جذور تماما كنبتة التيلاندسيا». تقع الرواية في ثلاثة أجزاء يحمل كل جزء عنوانا يرتكز على (الحلم)، فالأول (في طريق الحلم)، والثاني (على ضفاف الحلم)، والثالث (أضغاث أحلام). وفي داخل كل جزء فصول صغيرة مرقمة تسلسليا. يتصدر كل فصل بيت شعر من قصيدة (المنجية) لابن النحوي وفي ذلك ما فيه من الإيحاء بطلب النجاة وبلوغ الهدف!.. تعج الرواية بالتلميحات والإشارات لمسائل في غاية الأهمية تريد أن تلفت المؤلفة نظرنا إليها بعيدا عن الوعظ المباشر، فمن ذلك تعلق البسطاء بالأضرحة وسخاؤهم بما لديهم حتى ولو كان دراهم معدودة لا تكفي لوجبة عشاء. ومن ذلك تعاطف بعض الطيبين معهم بتقديم الطعام لهم مجانا أو بتشغيلهم ولو برواتب غير مجزية. ومن ذلك التسامح الديني بين المسيحيين والمسلمين كما فعل (جورج) حين صام مع المسلمين تعاطفا، أو رافقهم للضريح وانتظرهم خارجا حتى فرغوا من الزيارة. تقرأ الرواية فتكاد تشتم رائحة الموت في كل صفحاتها، فهي تعرض للموت بطرق شتى؛ منها الموت الجماعي على أيدي الإرهابيين، والموت الجماعي نتيجة غرق المراكب المتهالكة، وهناك الموت الفردي بسبب القتل من قبل السلطات في محاولات منع المتسللين. تبدأ الحكاية بالبطل (مامادو) القادم من (مالي) نائما في ضريح المولى إدريس بفاس وقد رأى نفسه محشورا في مركب يترنح في البحر سقطت على إثر اهتزازه امرأة حامل قبل أن يصل المركب لليابسة التي لاحت للركاب قبل أن يقطع حارس الضريح عليه حلمه وغفوته، ويبعده عن المكان الذي لم يخصص للنوم لينصرف باحثا عن مكان يؤويه ريثما يلحق برفاقه الذين اتخذوا من إحدى حدائق فاس مأوى لهم. خرج مارا بساحة أبي الجنود ليجد الساحة تعج بروائح الطعام لكنه كان قد ألقى آخر دراهمه في الضريح، فإذ بصاحب المطعم يقدم له حساء بالمجان. ويواصل سيره إلى المحطة الطرقية فيمضي ليلته هناك.. استيقظ مبكرا لا يدري أين يتجه فإذا بامرأة تترجل من سيارة أجرة تطلب منه أن يحمل حقيبتها ليضعها في سيارة أجرة أخرى تقلها خارج المدينة فتضع في يده عشرة دراهم تغريه لمواصلة عمله عتالا، ويحصل على مبلغ لا بأس به، لكن لم يكد ينتصف النهار حتى أخذ أحدهم بتلابيبه وطرده من المكان مدعيا أنها منطقته وليست للزنوج! تناول الغداء في ساحة أبي الجنود، ولفت انتباهه وجود فرقة للقناوة تؤدي عرضا موسيقيا، وسرعان ما لمعت في ذهنه فكرة أن يحضر زميله (عبدول) ويؤديا عرضا مماثلا ليحصلا على بعض النقود. لكنهما ما إن أنهيا نشاطهما في يومهما الأول وانتحيا عن الطريق لإحصاء ما جمعا من مال إلا وباغتهما من أخذ المال عنوة منهما بحجة أن عملهما غير قانوني! وهكذا تستمر مغامرات هؤلاء الأفارقة وهم يسعون جاهدين لجمع مبلغ يقدمونه للسماسرة لتسهيل عبورهم للضفة الشمالية من البحر المتوسط. تتعدد جنسيات هؤلاء الأفارقة فهذا (مامادو) و(عبدول) من مالي وهذا (إسماعيل) من السنغال وهذا (حماد) من سيراليون وهذا (جورج) المسيحي من الكاميرون وهذه (أماديا) من النيجر.. كلهم يعيشون إخوة متحابين متعاونين جمعتهم الغربة، وألفت بين قلوبهم. كل منهم يحمل في قلبه وطنا جريحا، وأسرة فتكت بها الحرب والفقر، وذكريات أليمة، وحلما ما زال يومض، وأملا بالعودة بأمل قد يتحقق، ما عدا جورج فهو جاء بحثا عن الموت الذي استبقاه بعد أكثر من فرصة سانحة. جاء هاربا من بلده الذي كرهه لأنه لم يلق حتفه فيه مع والديه وزوجه وإخوته الأربعة الذين قتلتهم جماعة بوكو حرام لا لشيء سوى اختلاف ديانتهم، ولذلك لم يكن حريصا على توخي الحذر عند التسلل إلى الأراضي الإسبانية فانطلق إلى (سبتة) باحثا عن رصاص حرس الحدود حتى كان له ما أراد!.. تفرق الرفاق بعد مقتل جورج، وغرق أماديا في قاربها الذي أقلها متجها للشاطئ الأندلسي فأصاب اليأس (مامادو) ليقرر العودة للحلم الذي تركه في بلاده لعله يبعثه من جديد! في ختام هذه القراءة لابد من الإشارة والإشادة إلى أن الكاتبة قد أولت عناية فائقة بروايتها فأوكلتها إلى محرر أدبي، وإلى مراجع لغوي ولذلك جاءت في أسلوب جذاب خالية من الأخطاء الكتابية بكافة أنواعها.

مشاركة :