فيلم علي معزة وإبراهيم صورة نادرة لقاهرة أخرى

  • 4/14/2017
  • 00:00
  • 4
  • 0
  • 0
news-picture

مبكراً يدخل علي الحارة متلهفاً إلى رؤية حبيبته ندى ثم يسكن فجأة كي يُلقي تحية صبيانية على الميكرفون المتدلي من بلكونة جار لم يتعرف إليه بعد، ذلك الجار هو إبراهيم. وإذ ترتفع الكاميرا مع الحبل نرى هذا سابحاً في ملكوته هو الآخر غير عابئ بما يجري حقيقة أسفل شباكه. ربما يصلح هذا المشهد كمفتاح للدخول إلى عالم «علي معزة وإبراهيم» المتقاطع مع عوالم عدة يرصها البناء السينمائي في شكله الأخير على هيئة مربعات متناسقة، تخفي الجهد الكبير في إرسائها وتنتهي إلى النتيجة الأخيرة، المنظر. فالقصة أولاً لإبراهيم البطوط صاحب التجارب الخاصة في السينما العربية البديلة وبالتالي الفلسفة الخاصة للفن، والسيناريو لبطل آخر هو أحمد عامر ينطلق من رؤية شخصياته كسارد عليم أو سيّد مطلق، يخلق عالماً صوفياً/ روحياً يعرف أن لكل حركة فيه معنى ولا شيء عدمي، يحاسب الناس منهم على منطق الخير والشر ولا يركن أبداً للسخرية من ضعفهم. وهذا إضافة إلى شريف البنداري نفسه بأسلوبه الفني الذي استوى في أفلام قصيرة سابقة آخرها «حار جاف صيفاً». ونعرف أن الفيلم استقبل بتفاعل جماهيري جيد وإقبال على عروضه في أماكن متعددة منها معهد غوتة الألماني مثلاً.   خصام لكل حركة معنى إذاً ولا شيء عدمي. هكذا يبدأ الخصام بين «علي معزة وإبراهيم» وبين حال السينما التجارية، التي على العكس تنطلق من مجانية كل العالم، الوقت والمال وحتى عيوب شخصياتها القابلة للتندر عليها دائماً. ربما تكون النظّارة الأنسب لرؤية الفيلم «نظّارة الصوفي» الذي يعرف أن له في الحياة على الدوام علامات يحاول أن يتبعها، ربما تكون المسؤولة عن سوء الفهم الغاضب الذي استُقبل الفيلم به من قبل نقاد متابعين للإنتاج التجاري في مصر، مثل «مراجعة فيلم جامد» و «فينيت» على اليوتيوب الذين اعتبروا العمل غير مفهوم في مُجمله. هناك رحلة واضحة ولا أعني تلك على المستوى الفني فقط، يجمع القدر فيها علي معزة (علي صبحي) وإبراهيم (أحمد مجدي)، في القاهرة حيث يلتقيان داخل حيّ الدرب الأحمر. هو مكان بسيط وربما يكون عشوائياً في تكوينه لكنه لا ينتج لنا أعمال خالد يوسف لحُسن حظ. إن البنداري وإخوانه في الفيلم، يقومون بإعادة البطلين إلى مساحتهما الفردية، أمام المرآة يكون عليهما أن يواجها مجدداً نفسيهما، الألم النفسي هو المُميز الدقيق بين البشر. يعاني إبراهيم عبقري الموسيقى من أصوات تهاجمه أثناء عمله في حياته اليومية وكلما تصوّر أنها قد نسيته، على طريقة الكاتبة الشهيرة فرجينيا وولف ربما، قد تلوح له بمصيرها نفسه في لحظة ما (وضع أحجار ثقيلة في الجيوب والهبوط إلى البحر بدلاً من النهر) نحن نسمع إن الصلة بين الفنون لا تنقطع أبداً. وعلي معزة صاحب الاسم والأفيش الذي يتعلق بمعزة، يسميها ندى ويهبها حياة كاملة كالبشر، يصدق علي إن ندى روح حقيقية ولا يهرول وراء أن يصدقه الآخرون. تبدأ الرحلة التي لكل شيء فيها معنى، بإشارة من الطبيب أو الشيخ (صبري فواز)، يقول إن البطلين يواجهان نوعاً من السحر السُفلي، ليس مهماً أن يُعرف مَنْ المسؤول عن هذا السحر، لكنه يحدد الحل في إلقاء ثلاث زلطات كُلٍ في مسطح مائي من المسطحات المائية الكبيرة في مصر. لم يبد «فواز» على صورة شخص دجال مع إنه استخدم مصطلحات الدجل المعروفة سلفاً. داخل العالم الكبير حتى الدجال يصبح دافعاً للرحلة باتجاه البحر، حيث الماء المالح كشافٍ، وكمرآة للنفس. وإذا كان الفيلم ابتداء من النصف الثاني سيوقعنا نحن المشاهدين في حب ندى (المعزة) برأيها الصريح في ما حولها وفي سعيها المتواصل لحماية أصحابها، فإنه يكون قد قال رأيه الصريح أيضاً حول معنى المكان، حول معنى القاهرة. كأن القاهرة في النهاية هي ما نحمله في الداخل ليست الجدران ولا الغرافيتي، لأن الجدران والغرافيتي هي قطعة من النفس، الداخل هو كل ما يهم. حتى الهجاء السياسي هنا ليس كالذي اشتهر به وحيد حامد كاتباً أو عادل إمام زعيماً في أفلامه، بل يظهر له وجه آخر، في حضور آسر ياسين كضابط (ضيف شرف) يتشكك في دبدوب يصحبه علي هدية لندى، يذبحه الضابط باحثاً عن المخدرات التي توجد في رأسه هو فقط. حين تظهر ناهد السباعي أو «نور» في دور فتاة الليل التي تتعرض لإساءة معاملة عنيفة لا يراها الضابط محارب الدباديب، فإن مَنْ يهب للدفاع عنها هما «علي وزميله كماتا»، يستخدمان المولوتوف أحد أهم مفردات السلاح في الثورة المصرية، وهو سلاح بدائي جداً يُصنع من الغاز والنار، يخلصانها لأنهما كما نراهما وكما نحبهما، فردين مأزومين يسعيان إلى حياة بلا ألم، هكذا يثبتان ببساطة قسماً من الحياة في القاهرة، حيث الحماية تأتي من عند الله وليس من الحكومة.   مراجعة إذا كان على السينما المصرية أن تراجع ما قدمته خلال تاريخ طويل يعتز به صناعها كثيراً ويتركونه من دون حساب سواء للفكرة والصورة أو التغيير الذي أحدثته في العالم، فإن فيلم «علي معزة وإبراهيم» يُعتبر أحد نتائج هذه المراجعة الثورية أخيراً، بإصراره على الاقتراب من الحياة نفسها وليس التمسح بصورة مهتزة عن تاريخ الفن السابع في مصر، إنه يُعيد السينما إلى فكرتها الأولى، كما يضع الممارسات النقدية - في رأيي على الأقل- أمام سؤال لا يريد أن يراه أصحابها عن المطلوب من النقد. أهي الاستجابة لشهوة إصدار الحُكم عند الناقد والارتكان إلى هدم ألوهية الفنان على حساب ألوهيته هو الشخصية ولو عمي عن قراءة أساسيات العمل الفني؟ أسئلة مثل: متى يصدق الناقد نفسه؟ ولمَ؟ عليهم أن يجيبوا عنها لو أرادوا. لأن الجمهور الذي أحب ندى في الفيلم ودعاها باسمها رافضاً تسفيهها قد يكون أكثر صدقاً. في مشهده الأخير يستخدم إبراهيم حيلة مضحكة للقضاء على الأشرار الأشقياء الذين يهددون ندى بالقتل، يستخدم الأصوات التي طالما عانى منها، يقضي إبراهيم على الأشرار وكذلك على صورة لم تعد صالحة للسوبر مان النجم في السينما.

مشاركة :