مصر.. إصرار على هزيمة الإرهاب

  • 4/13/2017
  • 00:00
  • 1
  • 0
  • 0
news-picture

القاهرة: شادي المصريردت مصر على العمل الإرهابي الذي استهدف كنيستين للأقباط في طنطنا والإسكندرية يوم الأحد الماضي خلال الإحتفال ب»عيد الشعانين» أو «عيد السعف « بمزيد من التشديد على الوحدة الوطنية والتمسك بقيم التعايش بين مختلف فئات المجتمع من خلال ما تبدى من مواقف وطنية موحدة بين كل المسؤولين السياسيين والمراجع الدينية من إدانة للجريمة التي راح ضحيتها العشرات من الأبرياء.وكان ذلك أبلغ رد على الهدف الذي سعى اليه الإرهابيون وهو إثارة الفتنة بين مكونات الشعب المصري، وإضعاف النسيج الوطني بما يسهل على المتآمرين إثارة الفوضى وتوسيع مساحة الدم والدمار ، على غرار ما يجري في غيربلد عربي، وإلحاق مصر بمسلسل الفوضى التي تضرب العراق وسوريا وليبيا واليمن والصومال.لقد سارعت مصر إلى تطويق ذيول هذا العمل الدموي الذي أعلن تنظيم «داعش» الإرهابي مسؤوليته عنه، بإجراءات فورية منها إعلان حالة الطوارئ لمدة ثلاثة أشهر، وتكليف الجيش مسؤولية حماية المؤسسات العامة ، وتشكيل مجلس وطني لمكافحة الإرهاب مهمته وضع استراتيجية سريعة وفعالة لوضع حد للإرهاب الذي يستهدف مصر في سيناء وفي داخلها. هذا العمل الإرهابي فتح عيون السلطات المصرية على حقيقة أن الإرهاب لا يجوز له أن ينجح في تحقيق مآربه ،وأن مصر يجب أن تكون عصية على أية محاولة لضرب وحدتها الوطنية كما يشهد على ذلك تاريخها. . تزامن هذا العمل الإرهابي المزدوج مع انتهاء زيارة الرئيس عبد الفتاح السيسي إلى واشنطن واجتماعه إلى الرئيس الجديد دونالد ترامب في محاولة للتعرف على وجهة نظر الإدارة الأمريكية الجديدة من مصر ومشاكل المنطقة، خصوصا أن العلاقات مع واشنطن شهدت منعرجات كثيرة خلال العقود الأخيرة. مثلا ، اعتبرت واشنطن أن ثوار يوليو 1952 يمكن أن يضحوا عوناً وسنداً لأمريكا، سيما أنهم غير مرتبطين بالشيوعية، لكن الصحوة القومية لعبد الناصر ومواجهته الإمبريالية العالمية، دفعت واشنطن في زمن جونسون، للعب الدور الأكبر في هزيمة العام 1967. تغير مشهد العلاقات بعد حرب أكتوبر، حين اعتبر السادات أن 99% من أوراق اللعب في يد الولايات المتحدة، ثم جاءت كامب ديفيد، وأعقبتها عقود ثلاثة من التحالف الاستراتيجي مع نظام حسني مبارك، إلى أن تخلت أمريكا - أوباما عن دعمه في أعقاب ثورة 25 يناير 2011.لم تفقد مصر أهميتها الاستراتيجية يوماً بالنسبة للولايات المتحدة، فصناع القرار في واشنطن يدركون جيداً أبعاد عبقرية مصر الموقع والموضع، ولهذا كان هناك في الداخل الأمريكي، لا سيما من طغمة جنرالات البنتاغون، من يحرص كل الحرص على التعاون المصري- الأمريكي حتى في الأوقات التي قلب فيها باراك أوباما للمصريين ظهر المجن بعد الثورة الشعبية في 30 يونيو 2013 وإسقاط نظام الإخوان المسلمين، وأن أوقف بعض المساعدات العسكرية إلى حين. لاحقاً ومع وصول الرئيس ترامب إلى سدة البيت الأبيض بدا وكأن هناك طيفاً جديداً وجميلاً من العلاقات بين البلدين، سيما أن الكيمياء بين الرئيسين تلاقت.. حدث ذلك عندما التقى الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي المرشح الجمهوري ترامب في ذلك الوقت من سبتمبر الماضي على هامش أعمال الجمعية العامة للأمم المتحدة، وتعزز التفاهم بعد الزيارة الأخيرة لواشنطن والترحيب الحار الذي لقيه السيسي هناك. على أن علاقات الدول أعمق كثيراً من المظاهر أو الظواهر العابرة وعلامة الاستفهام تفرض علينا التوقف أمامها: «هل ما بين مصر وأمريكا بالفعل شراكة استراتيجية؟ بحال من الأحوال لعبت مصر طوال فترة كبيرة دوراً مسانداً لواشنطن في حضورها الشرق أوسطي، وربما كانت في زمن الاتحاد السوفييتي صمام أمان عمل على وقف المد الشيوعي في الشرق الأوسط والقارة الإفريقية، كما أن موقعها الجغرافي سهل ولا يزال أدواراً استراتيجية عسكرية لواشنطن، ناهيك عن الاعتبار الكامل والكبير جداً لمحافظة مصر على السلام مع «إسرائيل»، وإن كان فاتراً، إلا أنه بحال من الأحوال سلام يجنب الشرق الأوسط الملتهب المزيد من الصراعات والحروب. وفي المقابل تحصلت القاهرة على امتيازات عديدة في مقدمتها إعادة بناء قواتها المسلحة وتسليحها بأحدث الأسلحة، مستخدمة في ذلك المعونات العسكرية الأمريكية، عطفاً على المساعدات الاقتصادية التي لعبت دوراً مهماً في ترميم الكثير من البنى التحتية المصرية في ثمانينات وتسعينات القرن المنصرم، بالإضافة إلى الاستثمارات الأمريكية في مجالات الصناعة والزراعة وإن لم يصل التعاون حد إقامة مناطق تجارة حرة.على أن المشهد الدولي الآن يطرح أبعاداً جديدة من النوازل والمستجدات تقتضي تعاوناً فعالاً من الجانبين، فقد حدث أن أرادت الأقدار للرئيس السيسي أن يكون رأس الحربة في مواجهة الإرهاب في مصر والشرق الأوسط، وبدا أيضاً أن هذا الملف يكاد أن يوليه الرئيس الأمريكي دونالد ترامب الأولوية دون سائر الملفات المشتعلة، وقد وجد كلا الطرفين في الآخر ضالته، والعبارات التي ترددت في لقاء البيت الأبيض الأيام الماضية تظهر إلى أبعد حد ومد حالة التوافق القصوى بين الجانبين المصري والأمريكي. البراجماتية السياسية في واقع الحال لم تعد قصراً على أمريكا، بل باتت لغة عالمية يتحدثها الجميع، وعليه فإن القاهرة تسعى إلى إدراك منافع وتحقيق ترابح من واشنطن، بقدر ما تريد واشنطن دعماً مصرياً لوجستياً وذهنياً في ملفات حساسة بعينها.تحتاج القاهرة إلى استمرار الدعم العسكري الأمريكي، وإلى استثمارات أمريكية جديدة وإلى تعاون اقتصادي في هذه الأوقات التي تمر بها مصر بموجة من الإصلاحات الجذرية المؤلمة، وتعول على إدارة الرئيس ترامب في ألا تتأثر مساعداتها العسكرية خاصة وهي تخوض حرباً شعواء ضد الإرهاب في سيناء.كما أن مصر تأمل في تصنيف واشنطن «الإخوان المسلمين» كجماعة إرهابية، وإن كان هذا ليس بالملف اليسير، إذ ربما يعقد علاقات واشنطن مع دول أخرى تحتاج إليها في الوقت الراهن لا سيما تركيا، كما تتطلع مصر إلى إقامة تبادل تجاري حر في منطقة قناة السويس واستغلال الموقع المتميز لاستنهاض الاقتصاد المصري من كبوته. على الجانب الأمريكي يدرك ترامب أن السيسي مقاتل عنيد لا يلين له عزم في مواجهة طاعون القرن العشرين، أي الإرهاب الأعمى، وهذه مسألة تمثل حجر زاوية في العلاقات المصرية- الأمريكية العائدة من جديد إلى سماوات التحالف الاستراتيجي. أضف إلى ذلك أن مصر قلب العالم الإسلامي يمكنها أن تلعب دوراً رائداً ومؤثراً في تغيير لغة الخطاب الديني عبر الدعوة إلى تجديده، وبلورة أفكار خلاقة تحض على التعاون الإنساني والشراكة بين الأمم، تعاون وشراكة قائمان على فهم صحيح لروح الإسلام السمح عبر الأزهر الشريف، وفي هذا جزء كبير وبالغ الأثر من مواجهة الإرهاب لا في مصر فقط بل في الشرق الأوسط برمته. ليس سراً أن مصر تلعب أدواراً - وليس دوراً واحداً - تجاه إيجاد حل عادل وشامل للقضية الفلسطينية، وترامب من جهته يحلم بأن يكون هو رجل السلام في الشرق الأوسط ليحقق ما لم يحققه أي رئيس أمريكي من قبل، وهنا يمكن لمصر - السيسي صاحبة الطروحات والشروحات المتجددة مد يد العون الطويلة والمفيدة. المشهد الدولي بدوره وتعاظم النفوذ الروسي في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا يعطي مصر ميزة نسبية، فواشنطن لن تقبل بأن تعود عقارب الساعة إلى الوراء لتجد العالم مناصفة بينها وبين موسكو كما في زمن الحرب الباردة، وعليه تحتفظ بالقاهرة ولا تريد أن تفقدها لمصلحة فلاديمير بوتين، وبنفس القدر تلقي الأقدار على عاتق الرئيس المصري تبعات إشكالية ضبط المسافات بين القاهرة وموسكو من جهة والقاهرة وواشنطن من جهة ثانية. باختصار غير مخل تمنح الأقدار وتبعات الأحداث حول العالم القاهرة وواشنطن فرصة ذهبية لانطلاق شراكة استراتيجية قوية في الحال وأشد وأصلب عوداً في الاستقبال، حتى إن حاول بعضهم في واشنطن من الحاقدين أو الكارهين لمصر وضع العصا في دولاب العجلة من القاهرة إلى واشنطن.

مشاركة :