سليمة لبال| تتوجس المستشارة الألمانية خيفة من إمكانية انتخاب مارين لوبان رئيسة لفرنسا، حتى أنها أعلنت استعدادها لاستقبال جميع المرشحين للانتخابات الفرنسية، ممن طلبوا ذلك باستتثناء رئيسة الجبهة الوطنية. هذه الملاحظة يمكن قراءتها في الصحف الالمانية، فمنذ عدة شهور، تتم في المانيا متابعة الحملة الانتخابية للرئاسيات الفرنسية عن كثب، فيما خصصت الصحف عدة مقالات لهذا الموعد الانتخابي، لكن اللافت للانتباه هو استحواذ مرشحة اليمين المتطرف على الاهتمام في ألمانيا، لدرجة أن بعض وسائل الإعلام تتناول بجدية فرضية فوز مارين لوبان وتداعيات ذلك على الاتحاد الاوروبي، سواء من الناحية الاقتصادية او الجيوسياسية على غرار يومية سادونتش زيتونغ التي تنتمي الى وسط اليسار، التي نشرت في 8 مارس الماضي تحليلا مطولا تحت عنوان «خطر لوبان». وأما بالنسبة للمستشارة الالمانية فرئيسة الجبهة الوطنية امرأة يستحيل التعامل معها، ففي يناير الماضي، قال الناطق باسم المستشارة إن هذه الاخيرة مستعدة لاستقبال كل المرشحين للانتخابات الرئاسية الفرنسية، الذين طلبوا ذلك، باستثناء رئيسة الجبهة الوطنية. ويرى الاشتراكي الديموقراطي مارتان شولز أن السيدة مارين لوبان متهمة بسوء استخدام أموال البرلمان الأوروبي من خلال منح اثنين من المقربين منها وظائف وهمية، كما أنها أعلنت نفسها خصما ففي 19 مارس في برلين، هاجم رئيس الحزب الاجتماعي الديموقراطي الألماني، مباشرة الجبهة الوطنية، وقال إن هذا الحزب يدافع عن افكار نعرف جيدا أين ستقود بلادنا والقارة. وحتى داخل الحزب اليميني المتطرف الالماني (البديل من اجل ألمانيا)، فإن مرشحة الجبهة الوطنية تثير كثيرا من الجدل، واغلب قياداته عارضوا الدعوة التي وجهها لها الناطق الرسمي باسم حركة بروك بيتري لتشارك في يناير الماضي في لقاء حضره في كوبلانس قادة الأحزاب اليمينية المتطرفة في اوروبا بحجة أن الجبهة الوطنية تدافع عن برنامج اقتصادي خطير لأنه اشتراكي. تردد في ألمانيا وفي المانيا التي لا تزال الأغلبية العظمى فيها متمسكة بالاتحاد الأوروبي، يتردّد حزب البديل من أجل ألمانيا في إعلان دعمه للمرشحة التي دعمت خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي. وسياسية شيطنة الاتحاد الاوروبي التي نجحت مارين لوبان نوعا ما في الترويج لها في فرنسا، لا يوجد لها مؤيدون كثر في ألمانيا، حيث لا تزال شخصية مارين لوبان مرفوضة وفق كلير دوميسماي مسؤولة مركز بحثي في برلين متخصص في العلاقات الدولية. وبالنسبة للغالبية العظمى من الالمان، فان رئيسة الجبهة الوطنية تجسد صورة معاكسة لفرنسا. فالفرنسيون بنظرهم وعلى الرغم من تميزهم بالتذمر، إلا أنهم شعب متفتح وقريب من الأوروبيين ويؤيد الاتحاد الأوروبي. وتخيف قومية لوبان كثيرين في ألمانيا على اعتبار المكانة الخاصة التي تحتلها هذه القيمة في الثقافة السياسية للبلد، وفق ميكاييلا ويغل مراسلة الصحيفة المحافظة زيتونغ في باريس التي تضيف «اشعر بأن المانيا تتعامل بجدية اكبر من فرنسا مع ظاهرة لوبان، فالصحافة الالمانية تركز عليها كثيرا معتبرة إياها وجهة المرحلة الثالثة بعد البريكسيت وانتخاب دونالد ترامب». لكن هل يخشى الالمان من انتخاب لوبان اكثر من الفرنسيين، لأنهم أكثر وضوحا؟ لا تذهب ميكاييلا ويغل في تفسيرها الى هذه الدرجة، وتقول: بالعكس في المانيا يشعرون بان احتمال فوز لوبان اكبر، لان كثيرين لا يعرفون حقيقة النظام الانتخابي الفرنسي. وفي برلين تشير كلير ديميسماي إلى الملاحظة ذاتها «يحاول الالمان قراءة استطلاعات الراي الفرنسية انطلاقا من مرجعياتهم، وهي اقتراع نسبي ودور واحد، ولكن في فرنسا هناك دوران، وحين نسمع استطلاعات راي تؤكد تقدم رئيسة الجبهة الوطنية في الدور الأول، فإن هذا يفهم في المانيا على أنه انتصار». تقدّم ماكرون مُطَمْئِن لكن على العموم منذ منتصف مارس تراجعت عدد المقالات المخصصة لمارين لوبان في الصحف الالمانية، ويبدو أن فشل الشعبويين في الانتخابات الهولندية طمأنهم مثله مثل تقدم إيمانوييل ماكرون في استطلاعات الرأي، وهنا تقول كلير ديمسمتاي «في ألمانيا أدى تقدم ماكرون إلى تراجع المخاوف من فوز مارين لوبان، وقد تعزز ذلك بعد اللقاء الصحافي الذي اجراه المحلل السياسي الفرنسي جيروم فوركي مع صحيفة دير تاجيشبيغل، الذي اكد خلاله ان الديناميكية التي تتميز بها مارين لوبان قد لا تكفي للفوز في الدور الثاني، بالنظر الى طبيعة نظام الاقتراع في فرنسا. قلق في الهيئات الأوروبية وغير بعيد عن ألمانيا، أكدت الهيئات الاوروبية انها لا تملك اي خطط بديلة، قد تلجأ إلى تطبيقها في حال فوز مارين لوبان، سواء تعلق الامر بالمفوضية الأوروبية أو مجلس الاتحاد أو حتى البنك المركزي. لكن يبدو ان هذا التوجه هو الرسمي، غير ان الكواليس تؤكد العكس، حيث أكد دبوماسي أن فوز مارين لوبان سيكون له تداعيات أسوا من انتخاب دونالد ترامب، لأن الرئيس الفرنسي يملك الكثير من السلطات والصلاحيات. وفي محيط رئيس المجلس الاوروبي البولندي دونالد تاسك فيتجنب الجميع الاسئلة التي تخص هذا السيناريو الكارثي، بينما تؤكد بداية المباحثات حول البريكسيت ان انتخاب لوبان سيكون خطرا كبيرا، وكان تاسك قد اكد في 30 مارس في مالطة ان على اوروبا أن تتحدى الشعبويين، وتقول ذلك بصوت مرتفع، وقال ان المناهضين للوحدة يروجون فكرة ان الاتحاد الأوروبي وبروكسل تحاولان تدمير القومية، ولكنها بنظره رؤية حمقاء وخطيرة لان مهمة الاتحاد الأوروبي هي ان يفهم الاوروبيون بان الأمر يتعلق بالعكس. وتعني هزيمة مارين لوبان، أنتصار الاتحاد الأوروبي، ويقول النائب الألماني في البرلمان الأوربي جو لينن إن فوز لوبان يعني انغلاق فرنسا وابتعادها عن جيرانها والعالم، بينما يعني فوز ماكرون الانفتاح، ومثل آخرين يامل هذا النائب الاوروبي فوز ايمانوييل ماكرون لانعاش الثاني الالماني الفرنسي الذي يعد محرك الاتحاد الأوروبي، ويضيف هذا النائب الذي ينتمي الى الحزب الاجتماعي الديموقراطي الالماني «يعيش اليسار الفرنسي وضعا كارثيا، ويبدو لي ان الثقافة السياسية في البلد مضى عليها الزمن مع هذا اليمين واليسار الذي لم يجمع بينهما اي جسر، والقضية التي تثير مخاوف أوروبا اليوم هي أين تتجه موجة الإحباط». وتخيم حالة من الريبة ايضا في بروكسل، فمسؤول كبير في هذه الهيئات الاوروبية يقول ان لوبان تعني نهاية الاتحاد بعد البريكسيت، وأما آخر فيقول «إن نجحت، نحن مضطرون للعمل معها، لان الأمر يتعلق بفرنسا». لوموند
مشاركة :