كلما حشد الرئيس التركي رجب طيب أردوغان أنصاره في تجمع انتخابي لدعم النظام الرئاسي الجديد، تطل بجانب الملصق الضخم الذي يحمل صورته، صورة أخرى لرجل نظرته ثاقبة يرتدي ملابس أنيقة. إنه مؤسس تركيا مصطفى كمال أتاتورك الذي أسس سنة 1923 الجمهورية الحديثة على أنقاض الأمبراطورية العثمانية المنهارة. وينظر الكثير من الأتراك بإجلال إلى أتاتورك بطريقة تقارب الرهبة الدينية بصفته منقذ الأمة التركية ورمزاً يعد تشويه ذكراه جريمة جنائية. ورغم وفاته عام 1938، إلا أن أتاتورك يضطلع بدور رئيسي في الحملة التي تسبق استفتاء الأحد على تعديل دستوري يوسع سلطات أردوغان. وخلال الحملة، احتدم الجدل بين الحكومة والمعارضة بشأن من هي الجهة التي حافظت بشكل حقيقي على إرث أتاتورك وإن كان رئيس تركيا الحديثة الأول سيصوت بـ«نعم» أم «لا» على التعديل الدستوري. ويرى حزب الشعب الجمهوري المعارض أن أردوغان يقوض الأسس العلمانية والديموقراطية التي أرساها أتاتورك لتركيا الحديثة. ولكن الرئيس يعتبر أنه يستكمل إرث الرجل الذي يسميه «الغازي مصطفى كمال» عبر بناء تركيا عظيمة قادرة على الوقوف في وجه القوى الأجنبية. واعتبر كمال كيلجدار أوغلو، زعيم حزب الشعب الجمهوري الذي أسسه أتاتورك، أن النظام الجديد سيبتعد بتركيا عن مبادئ الأب المؤسس. ورغم أن المسلمين يشكلون الغالبية الساحقة في تركيا، فإن أتاتورك جعل العلمانية المبدأ المهيمن. وهذا هو الإرث الذي يتهم معارضو أردوغان الرئيس بتقويضه من خلال تنامي الأسلمة. إلا أن أردوغان يرفض الاتهامات الموجهة إليه بمحاولة شطب إرث أتاتورك قائلا إن مؤسس تركيا كان ليدعم النظام الرئاسي الجديد. ورجحت صحيفة «بيلد» الألمانية الشهر الماضي أن أتاتورك كان ليصوت بـ«لا» في الاستفتاء. ولكن أردوغان رد إن أتاتورك كان ليدعمه قائلا «لقد قام أتاتورك أصلا بما نرغب نحن الآن فعله». ويشير بعض المراقبين الغربيين إلى أن حكم مؤسس الجمهورية التركية لم يكن مثالا ساطعا للديموقراطية، في ظل محدودية كبيرة في حرية الصحافة والمعارضة السياسية. وفي هذا السياق، يرى جان فرنسوا بيروز من المعهد الفرنسي لدراسات الأناضول، أن «نظام أتاتورك كان استبداديا (…) لا ينبغي اعتباره مثاليا». ويبدو أن أردوغان يسعى إلى نحت مكانة له في تاريخ تركيا تنافس تلك التي احتلها أتاتورك إذ يتطلع إلى البقاء في السلطة عام 2023 عندما تحتفل تركيا الحديثة بالذكرى المئة لتأسيسها. وتصل إنجازات أتاتورك إلى تغيير أبجدية اللغة التركية بأسرها من الأحرف العربية إلى اللاتينية.ويقول محللون إن أردوغان يرى نفسه بطريقة مشابهة على أنه قائد قادر على إحداث تحولات ذات أبعاد تاريخية. ويقول مؤلف كتاب «السلطان الجديد» الذي سيصدر قريبا، سونر كاغابتاي، إن «اردوغان يرغب الآن بتعديل الدستور ليصبح رئيس الدولة ورئيس الحكومة ورئيس حزب العدالة والتنمية». وأضاف أنه «كما قام أتاتورك بهندسة المشهد الاجتماعي السياسي، يريد أردوغان كذلك تحويل تركيا تماما ولكن لتصبح مجتمعا مسلما في العمق». ( انقرة- أ ف ب)
مشاركة :