سيتوجّه حوالي 17 ألف ناخب فرنسي من الوافدين أو من أصحاب الجنسية المزدوجة القاطنين في الجزائر يوم 23 أبريل/نيسان إلى صناديق الاقتراع. وإلى يومنا هذا، يبدو أنه لا يوجد مرشح تُجمع عليه الجالية الفرنسية في الجزائر. لكن على الرغم من ذلك، هناك ميل واضح، لا يُمكن إنكاره، لبعض الأسماء السياسية. في الواقع، ملأت ملصقات المرشحين للانتخابات التشريعية الجزائرية جدران العاصمة منذ يوم الأحد الماضي. ولكن ذلك لم يمنع اهتمام المغتربين الفرنسيين ومزدوجي الجنسية المقيمين في هذا البلد، بالانتخابات الرئاسية الفرنسية. وعلى الرغم من بُعد المسافة، يتابع معظمهم عن كثب حملة الانتخابات الرئاسية التي تدور في وطنهم. وفي هذا السياق، صرح مسؤول تنفيذي في إحدى شركات الطاقة الفرنسية، ويدعى أنطوان قائلاً: "نحن نتابع ما يحدث على الساحة السياسية الفرنسية من الجزائر". ومن جهته، عبّر هذا الشاب البالغ من العمر 28 سنة والقاطن في الجزائر منذ سنتين، عن أسفه حول عدم إعطاء أهمية للسياسة الخارجية في البرامج الانتخابية. وفي هذا الصدد، قال أنطوان "أتمنى أن يولي المرشحون للرئاسة اهتماماً أكبر بمسألة مراعاة الدول المجاورة لفرنسا وليس فقط الاتحاد الأوروبي، إذ لا يمكن أن تتخلى فرنسا عن مناطق الجنوب بهذه الطريقة". وتجدر الإشارة إلى أن أنطوان سيصوت لصالح فرانسوا أسيلينو، الذي يتضمن برنامجه خطة للخروج من الاتحاد الأوروبي وحلف شمال الأطلسي.فرنسا والجزائر: نحو تجاوز خلافات الماضي: بالنسبة للكثير من الناخبين الفرنسيين المقيمين على الجانب الآخر من ساحل البحر المتوسط، أصبحت العلاقات الفرنسية الجزائرية "عاملاً مهماً" لاختيار رئيس الجمهورية في المستقبل. ويشاطر محمد رجل الأعمال الفرنسي الجزائري، القاطن في الجزائر منذ حوالي 5 سنوات، هذا الرأي قائلاً: "خلال إقامتنا هنا، أدركنا حجم التداعيات السلبية الناجمة عن غياب روابط وثيقة بين فرنسا والجزائر، في حين أنه ينبغي أن تكون الشراكة بين البلدين بمثابة "العمود الفقري" لعلاقات الدول المتوسطية". كما عبر محمد البالغ من العمر 36 سنة عن رغبته في رؤية إيمانويل ماكرون حاكما لفرنسا من قصر الإليزيه. وبعد نعته الاستعمار الفرنسي "بالجريمة ضد الإنسانية"، تمكن مؤسس حركة "أون مارش" من الحصول على تعاطف آلاف الناخبين الفرنسيين ومزدوجي الجنسية الذين يعيشون على التراب الجزائري. وقد أدى وزير الاقتصاد الأسبق زيارة رسمية إلى هذا البلد الواقع في شمال أفريقيا، إذ كان بذلك المرشح الرئاسي الوحيد الذي يُقدم على خطوة مماثلة". وقد لقي هذا المرشح استقبالاً يليق برئيس دولة، حيث نظم لقاء ضم حوالي 300 شخص في منتصف فبراير/شباط. وقد انقسم الحاضرون إلى مؤيدين مقتنعين بأفكاره وإلى "فضوليين" جاؤوا لاكتشاف سياساته.المرشح ماكرون: عبّر محمد عن مدى اقتناعه بأن إيمانويل ماكرون "قادر على المساعدة على بناء العلاقات الفرنسية الجزائرية علماً وأنه لم يشهد سنوات الحرب الصعبة في الجزائر. وبفضل رؤيته المنفتحة، فإنه واع بأنه لا يمكن العيش بمنأى عن الذكريات. لكنه يعلم أيضاً أنه يجب الاعتراف بجرائم الماضي. وفي حال أصبح ماكرون رئيساً، فسيكون ذلك بمثابة فرصة تاريخية للشّراكة الفرنسية الجزائرية". وفي الجزائر، يحظى المصرفي السابق ماكرون، الذي عبَّر عن عزمه على وضع حد للانقسام السياسي بين اليمين واليسار في حال توليه الرئاسة، بدعم عريض من قبل رجال الأعمال وأصحاب المؤسسات. ويعتبر محمد، الذي اعتاد على التصويت لليسار، أن "قطاع الاقتصاد يتطور خاصة مع ظهور النماذج الاقتصادية الرقمية أو التعاونية ويبدو أن فرنسا لا تواكب هذه التطورات. ومن الواضح أن إيمانويل ماكرون يعدّ من الشخصيات السياسية النادرة التي تهتم بهذه القضايا". في المقابل، لا يحظى المرشح الأوفر حظاً، الذي صنفته استطلاعات الرأي في المرتبة الثانية، بالإجماع في الجزائر. وقد تمكن كل من سيغولين رويال سنة 2007 وفرانسوا هولاند سنة 2012، من الاستفادة من الرفض الذي لقيته مواقف نيكولا ساركوزي للفوز بسهولة في الانتخابات، إذ فازا على التوالي بنسب تجاوزت 80 و65% من جملة الأصوات.ميلينشون يتقدم أيضاً: يعيب العديد من الفرنسيين، وخاصة أصحاب التوجهات اليسارية، على إيمانويل ماكرون قربه من عالم المال والإعلام وإمكانية مواصلته سياسة فرانسوا هولاند التي اتبعها في السنوات الخمس الأخيرة. وفي هذا الصدد، بينت صيدلية فرنسية تُدعى إيناس قدمت حديثاً إلى الجزائر أن "ماكرون يريد قلب النظام المصرفي رأساً على عقب. كما أعلن أنه سيُقر وقف تقديم منح للعاطلين عن العمل في حال رفض المعنيون بالأمر أكثر من فرصتيْ عمل".هذه هي المرة الأولى التي سأصوت فيها عن اقتناع: سيدلي أنصار اليسار بأصواتهم لصالح السياسي الاشتراكي السابق جان لوك ميلينشون. ومن جهتها، قالت إيناس متأثرة باقتراح مؤسس حركة فرنسا الأبية ميلينشون بتحديد فترة الحكم بخمس سنوات غير قابلة للتجديد، بأن هذه المرة الأولى التي ستصوت فيها عن قناعة معتبرة أن "هذه الخطوة ستقضي على مطامع الرؤساء في التشبث بالسلطة المطلقة". وعلى الرغم من أن الانتخابات الرئاسية تبدو أكثر انفتاحاً من الدورات السابقة، إلا أنه من الممكن أن يشكل الممتنعون عن التصويت، مرة أخرى، قوة سياسية رائدة داخل أوساط المجتمع الفرنسي في الجزائر. وتقريباً، توجه 20 بالمائة فقط من الناخبين المسجلين في القنصلية الفرنسية في الجزائر إلى مراكز الاقتراع منذ سنة 2002.الممتنعون عن التصويت يشكلون قطباً هاماً: من المتوقع أن يكون الامتناع عن التصويت هذه السنة أكثر أهمية نظراً لخيبة الأمل التي اكتسحت صفوف جزء كبير من الفرنسيين في الجزائر. وعموماً، أورد أنطوان أن "الرأي العام الفرنسي يشهد حملات انتخابية محزنة وغير مهمة مشابهة للأزمة التي تعيشها الطبقة السياسية الفرنسية. فنحن لم نر أية أفكار مبتكرة أو جديدة. أما بالنسبة للمقترحات القليلة التي تتسم بالجرأة، فهي ليست واقعية". في المقابل، عبرت نادية وهي طالبة دكتوراه، ممن يتمتعون بالجنسية المزدوجة، عن امتعاضها قائلة: "لقد هالني أن أرى أن هناك فرنسيين عازمين، إلى حد الآن، على التصويت حتى بعدما علموا أن بعض السياسيين، على غرار فرانسوا فيون ومارين لوبان، تمسكوا بترشّحهم للانتخابات الرئاسية على الرغم من أن عديد التّهم كانت قد طالتهم. وبالتالي، تكشف قضايا الفساد هذه عن المهزلة السياسية التي تعيشها فرنسا". "هذا الموضوع مترجم عن صحيفة Jeune Afrique الفرنسية. للاطلاع على المادة الأصلية، اضغط ".
مشاركة :