يكرس معرض «فنون العالم دبي»، في دورته الثالثة، مكانته في استقطاب جمهور جديد وشريحة مختلفة من المهتمين بالفنون بتقديمه الفن الذي هو في متناول اليد، مع الحرص على جلب أعمال ذات قيمة مميزة. ويجمع المعرض الذي افتتح أول من أمس في مركز دبي التجاري العالمي ويختتم اليوم، عوالم متعددة وإنما معظمها يركز على الوجوه والتجريد بشكل أساسي، إلى جانب القليل من المنحوتات وأعمال الخط العربي. ورش عمل إلى جانب الأعمال المعروضة في الصالات، يحمل برنامج المعرض مجموعة من الفعاليات والأنشطة في مجال الفن، تبدأ بالمناقشات والمحادثات المرتبطة بالفن، وتصل إلى ورش العمل الخاصة بتعليم الفن، منها «ذا آرت أوف»، و«إبداع التحف الفنية»، إلى جانب الرسم المباشر أمام الجمهور، والتصاميم والأشغال اليدوية المعاصرة، والورشة التي تحمل عنوان «بلا بلا لاونج». كما عرضت عند مدخل المعرض مجموعة كبيرة من الرسمات التي قدمت من طلاب المدارس، إلى جانب سيارات تم تلوين إحداها لتشبه العمل الفني. ويشارك الفنان الهنغاري، فرانس كو، من خلال عمل يطلق عليه عنوان «السر»، يبرز من خلاله اللوحات التي تتقلب في الظلام، فيمكن أن يرى المتلقي ثلاثة مشاهد مختلفة حينما تغلق عليها الستارة السوداء في الغرفة المظلمة. ولفت إلى أن عمله يعتمد على تقنية استخدام اللون مع الضوء فوق البنفسجي، إلى جانب الرسومات الفوسفورية، مشدداً على أنه يستخدم الأكريليك في أعماله، لكنه رفض الإفصاح عن سره الخاص في تقديم العمل بهذا الأسلوب، مشيراً إلى أنه يمزج المشاهد والطبقات وطبيعة الوسائط، التي يستخدمها ليحصل على هذه النتيجة. بينما أكد الفنان النمساوي، براينت روكيتا، أنه يقدم أعماله من أنواع السيراميك المحطمة، حيث يذهب إلى الأسواق القديمة ويشتري هذه الأغراض من السيراميك، ثم يكسرها ويستخدمها ليشكل أعماله. ولفت إلى أن العمل يبدأ من خلال وضع الحديد مع المجسم الإسفنجي، ثم يبدأ بتطبيق السيراميك على المجسم. وشدد على أنه يختار ألوانه التي يعمل عليها بعناية، كي تعكس مفهوم الشكل الذي يريد إنتاجه، خصوصاً أنه عليه أن يلصق قطع الزجاج قطعة تلو الأخرى. وأوضح أن العملية تتطلب الدقة، خصوصاً في تشكيل المجسم، وتستغرق الكثير من الوقت والصبر، فهي قد تحتاج إلى شهر كي تنتج على نحو كامل. أما تنظيفها فليس بالمسألة الصعبة، إذ يمكن إزاحة الغبار عنها بالفرشاة فحسب، وشدد الفنان النمساوي على أن هذا النوع من الفنون يتباين تقبله من بلد إلى آخر، ففي بعض المعارض يبيع كل أعماله بسبب الإقبال عليها. الفنانة الإماراتية مريم عباسي شاركت من خلال ثلاث لوحات، قدمت فيها الرسوم بالحبر على الورق. ولفتت إلى أنها استخدمت الورق الملون بالقهوة، ثم ارتأت الرسم بالحبر كونها تهتم بإبراز الكثير من التفاصيل، منوهة بأنها اختارت البعد عن الألوان في هذه الأعمال على وجه الخصوص، كي تقدم تفاصيل أوراق الشجر والمشاهد التي تصورها. وتدرس عباسي الفنون الجميلة، وتعتبر المعرض فرصة لها كي يتعرف الجمهور إلى أعمالها، منوهة بأنه ينمو عاماً بعد الآخر. من جهتها، قدمت خولة عبيد بن بطي، البورتريه التجريدي، وأشارت إلى أنها بدأت دراسة الفن من خلال الدورات، لكنها انتقلت بعدها للدراسة الأكاديمية، مشيرة إلى أنها ارتأت تقديم البورتريه مع التجريد معتمدة على الخطوط الأساسية في الرسم، والضوء والظل، فأتت الألوان شديدة التباين. وتعد هذه الأعمال الأولى التي تحمل الوجوه المجردة، إذ رأت أنها تجربة تمنح العمل الغموض، معتبرة المشاركة في المعرض مهمة، كونه منصة لإبراز الفنان وأعماله، لاسيما أن المنافسة كبيرة، وكذلك إن سوق الفن لا تحمل قوة فنية. واعتبرت أنه أحياناً يتم الاستخفاف بالجمهور، بلوحات ليست ذات قيمة فنية، مشددة على أهمية تقديم الفن، في إطاره الثقافي، وهو أن يكون سلاحاً ورسالة. من جهتها، قالت الفنانة الإماراتية، هند راشد، إنها «استخدمت تقنية الرسم الأعمى، والتي تعتمد رسم الأشخاص دون رؤية الورق، بل الحركة تكون وفقاً للأحاسيس». ولفتت إلى أنها أرادت أن تقدم النساء ذات الشعر الأحمر والبشرة الوردية والعينين الزرقاوين، منوهة بأن كل واحدة تعبر عن الانتظار من زاوية مختلفة، فكلهن في حالة انتظار لخبر جميل، فالأم تنتظر الطفل والحياة الجديدة، بينما المرأة المسنة في حالة انتظار لخبر ما. وشددت على أن الألوان الفرحة في لوحتها أتت لتكريس هذا الانتظار، مشيرة إلى أنها تريد أن تبث الفرح من خلال الأعمال. من جهتها، الفنانة الباكستانية المقيمة في ماليزيا، صدف فلاست، قدمت معرضاً شخصياً عن رقص الدرويش، وإنما بشكل مستلهم ومستوحى من أشعار جلال الدين الرومي، موضحة أن هذا الاستلهام يفرض عليها حركة معينة في اللوحات، لأنها من خلال الحركات تنقل للمتلقي الشعور بالحركة. وشددت على أنها تشارك في المعرض للسنة الثانية، بعد النجاح الذي حققه معرضها العام الماضي، خصوصاً أن لديها مجموعة من الأصدقاء الذين ينتظرون وصولها إلى دبي. أما المالكة غاليري «كرييت هاب غاليري» في دبي، ليديا كاتشتوريا، فتوضح أنها تقدم مجموعة من الفنانين من إفريقيا، منهم الفنان غونزالو مابوندا من موزمبيق، والذي يستخدم بقايا الأسلحة والرصاص ليبتكر منها الوجوه، كرسالة للتعبير عن رفضه للحرب، وكذلك لتكريس مفهوم إعادة التدوير. إلى جانب فنانين آخرين، يقدمون ما هو مختلف وغريب عن المنطقة. لافتة أنها تعرض لهم في المنطقة، وتشتري أعمالهم مباشرة منهم، كنوع من التشجيع على إنتاج المزيد من الأعمال. ونوهت بأن ذائقة السوق تعتمد على الأعمال الفرحة، فهم يبتعدون عن الأعمال المعقدة التي تحفزهم على الكثير من التفكير، ويبحثون عن النظرة الإيجابية في العمل. في المقابل، لفتت صاحبة «كي أي جي» غاليري في أميركا، سينتيا شين، إلى أنها تقدم مجموعة من الفنانين من أميركا وجنوب إفريقيا، وكندا، موضحة أنها تركز على الأعمال التجريدية، وكذلك تعرض مجموعة من الزجاج المنفوخ، الذي صنع يدوياً، كما لو أنه حصى أو حتى مجموعات من الفضة. وشددت على أن السوق الفنية في دبي تنمو وتكبر مع الوقت، وهذا المعرض يسهم في زيادة الوعي والتطور الفني، لأنه يمكن شراء الفن غير الرخيص والمتوافر في الأسواق، وكذلك العمل الفني الذي يحمل قيمة فنية عالية. شهد المعرض على مدى يومين حركة مبيعات نشطة تعكس شغف المقيمين في دبي وزوارها تجاه الفن. وبرهن المعرض على أنه يمثل الوجهة المثلى لجميع المشترين، من جامعي الأعمال الفنية الشغوفين، أو من مقتني الأعمال لأول مرة، أو ممن ينتابهم الفضول تجاه الأعمال الفنية.
مشاركة :