جلس رجل على الشاطئ يرقب الموج الهادر ويستمتع بأشعة الشمس الدافئة، وإذا به يلمح طفلا يصارع الموج في يأس، وبسرعة ألقى بنفسه في أحضان البحر قاصداً ذلك الطفل المسكين واقترب منه بعناء وقلبه يلهج بالدعاء ألا تسبقه موجة عاتية تحصده فيموت، وعندما وصل إلى الطفل جاءه من الخلف وأمسك بملابسه بقوة وسحبه معه إلى الشاطئ في صراع مع الأمواج العاتية وارتمى أخيراً على الرمال في تعب وصدره يعلو ويهبط في سرعة، وقد أحس بوخز في صدره جراء تعبه حتى خشي أنه سيموت، وجرى الطفل بعيداً غير مصدق بنجاته وبقي الرجل لاهثاً حتى جمع شتات نفسه، وما هي إلاّ لحظات حتى لمح الرجل بطرف عينه الطفل الذي أنقذه ومعه امرأة وقد حدث نفسه بأنها لا شك أمه أتت لتشكره، وبالفعل توقفت المرأة وسألته: أأنت أنقذت طفلي من الغرق؟ فقال لها في تواضع وفرح: نعم. فقالت له: إذن أين الساعة التي كانت في يده؟! وعلى شاكلة هذه الحادثة ولكن على نحو مغاير، وصل أحدهم إلى الفندق، ونسي محفظته في التاكسي، وأخذ يصيح ويلطم، وما هي إلاّ ربع ساعة حتى عاد سائق التاكسي وبيده المحفظة، ونتشها الرجل من يده سريعاً وجلس على الكرسي وفتح المحفظة وأخذ يعد النقود، وبين الفينة والأخرى يرفع رأسه ويتطلع بعين السائق الواقف حياله، ثم يرجع للعد، وبعد أن انتهى وقف قائلا للسائق: الحمد لله أنها كاملة شكراً، ومد يده لكي يصافحه، غير أن السائق رفض أن يصافحه واستدار وأعطاه ظهره خارجاً وهو يتفوه بكلمات غاضبة. وهنا أشير إلى أن لا علاقة لي أنا بهذه الحادثة الأخيرة على الإطلاق، وأردت أن أوضح هذا خوفاً ممن في قلوبهم مرض، فيعتقدون أن لي ضلعاً فيها - وأنا بريء منها براءة الذئب من دم ابن يعقوب. *** يروي الكاتب الشهير (سنكلير لويس) ويقول: عندما كنت في السنة النهائية بجامعة (ييل) ذكرت للبروفسور (تشوني تنكر) أن كل ما أتمناه أن أصبح كاتباً، فقال لي وكأنه ينصحني: إنك على ذلك سوف تموت من الجوع يا بني، فقلت له: إن هذا لا يهمني، وتفاجأت أن أساريره تهللت وأجابني قائلا: إذن أبشرك من الآن أنك سوف تنجح. *** أظن أن الرجل يحب في زوجته أن تكون من المهارة بحيث تفهم مهارته، ومن الغباء بحيث تعجب بغبائه، والدلالة على ذلك أن أحد أصدقائي قال لي يوماً: لولا زوجتي لما استطعت أن أتحمل الزواج.
مشاركة :