في المادة القادمة التي تفرد لها الثقافية مع واحد من أهم الروائيين الفرنكفونيين وهو الروائي العربي الجزائري واسيني الأعرج في حوار يمتد لشهر ونصف الشهر ينقلنا هذا الواسيني لمراقده الأولى وهو يؤكد أنه من جيل كبر في ظروف شديدة القسوة هذه الظروف متعلقة في الفترة الاستعمارية, التي ولد أثناءها عام 1954 وهو العام الذي اندلعت فيها ثورة التحرير, يتذكر هذا الطفل الواسيني أنه بقي في قريته عشر سنوات وهو ما أعطاه هذا الإحساس بالانتماء للتربة والانتماء للناس وهمومهم ومشاغلهم ومشاكلهم, والده المناضل مات فتولد لديه شعور بأنه افتقد حائطاً كان يتكئ عليه وظلت والدته تحتفظ بأمانة أثقلت كاهلها وخطت التجاعيد بوجهها لكنها ظلت سعيدة, واسيني تحدث عن أحمد بودهمان ويحيى أمقاسم وعبده خال ورجاء عالم وزينب حسني وليلى الجهني وسمر المقرن، واسيني تحدث أيضًا عن الحالات المرجعية «اللحظة الدائمة» التي تعتري الكاتب والتي تصنع مسارات النص الأدبية مؤكدًا أنه ككاتب يتناول المجتمع الذي عاش فيه أو المجتمعات التي مر بها لكنه في الوقت لا ينسى بأنه كبر في مجتمع فقير, مجتمع فيه خوف كثير بسبب الحروب والآفات الاجتماعية.. إلخ. غير أنه في الوقت نفسه من الأشخاص المصرين على الحياة دومًا ويرفض الاستسلام لآلة الموت, وكشف واسيني أن حالة الخواء الروحي التي يعيشها العالم العربي والإسلامي هي سبب رواج كتاب «لاتحزن» للشيخ عايض القرني وهو مانتج عنه بيع ملايين النسخ لملء هذا الخواء الروحي! وطالب واسيني الأدباء والمثقفين العرب الوقوف مع القضية الفلسطينية ومع معتقلي السجون الإسرائيلية والإنسانية الأخرى كمرضى السرطان لأنسنة الإنسان دواخلنا. كما وصف أن ما نعيشه اليوم قد يكون سيئا مثل القطرات التي سبقت الحرب العالمية الثانية والتي تلتها من مجاعات وانكسارات وخيبات لكن مع ذلك البشرية تملك طاقة خلاقة تستطيع أن تغير بها النظم القاسية التي نعيش داخلها اليوم. وتحدث في هذا الحوار عن نهاية القرن الخامس عشر «الهزيمة العربية بشكل نهائي وسقوط الأندلس» وسقوط مدينة غرناطة التي أصبح العربي بعدها في حالة ضعف وفي حالة هشاشة وزاد الطين بلة أنه بدأت الحقبة الاستعمارية التي دمرت هذا المجتمع, ثم تعمقت أكثر فقسمته إلى دويلات صغيرة, ما أدخلنا في حالة من التفتت وحالة من اليأس, منذ ستة قرون ونحن نتلقى الضربة وراء الضربة دون أن نستطيع أن نرفع رأسنا. ستة قرون من الطحن والتحطيم ومن الظلم سرقت فيها ثقافتنا وأحلامنا أيضًا. واسيني يؤكد في نهاية الحوار أن داعش ليست إلا مظهرًا من مظاهر الهزيمة الثقافية العربية ويجب أن نؤمن في ذلك لأننا هزمنا في الحداثة، الحداثة التي كان من المفترض أن تأتي بالعقل وأن تأتي بالتنور لذلك يجب أن تكون الحرب ضدهم ثلاثية الأبعاد حربًا عسكرية بعد أن استولوا على بعض المناطق في البلدان العربية ويجب أن يزاحوا منها وهي حرب إنسانية ضد عملية التوحش إضافة إلى الحرب الأيدلوجية التي يجب أن نشنها ضدهم انتصارًا للحياة وليس لصالح القتل. مسيرة واسيني مليئة بالتأمل والخلوات والتصوف الروحي التي أضفت على رواياته انعكاسات خاصة ارتقت سلالم الإبداع وتزعمت التفرد والدهشة لذا أتاحت «ثقافية الجزيرة» كل هذه المساحات لهذا الواسيني الأعرج.
مشاركة :