بدأت صباح أمس أكبر عملية تغيير ديموغرافي من شأنها أن تؤثر على التركيبة السكانية في سوريا، وذلك في إطار عملية ضخمة لإجلاء مدنيين ومقاتلين من أربع مناطق محاصرة بموجب اتفاق بين الحكومة السورية والفصائل المسلحة، برعاية إيران أبرز حلفاء النظام وقطر الداعمة للمعارضة، وهي عملية تضاف إلى سلسلة عمليات تهجير سابقة امتدت على مدار سنوات الصراع السوري، بهدف تغيير معالم التركيبة السكانية لصالح النظام.ووصلت نحو 75 حافلة على الأقل إلى منطقة الراشدين الخاضعة لسيطرة الفصائل المعارضة غرب مدينة حلب آتية من بلدتي الفوعة وكفريا المواليتين للنظام والمحاصرتين من الفصائل في محافظة إدلب. وشوهد عدد كبير من النساء والأطفال وكبار السن على متن الحافلات التي رافقها العشرات من مقاتلي الفصائل وأبرزها جبهة فتح الشام (جبهة النصرة سابقاً). كما شوهد عدد من الركاب يخرجون من الحافلات التي لا تزال تنتظر في منطقة الراشدين، لقضاء حاجتهم. وقال مصدر في الهلال الأحمر السوري إن سيارات الأسعاف أقلّت «31 جريحاً ومريضاً، إضافة إلى 14 مرافقاً لهم من أفراد عائلاتهم». وقال رجل مسنّ يرافق أحد المرضى أثناء تواجده في سيارة الإسعاف «لا أعرف كيف أصف شعوري الآن، ولكن الذي أتمناه هو أن تعود الألفة بين الناس إلى ما كانت عليه سابقاً» قبل الحرب التي تشهدها سوريا منذ ست سنوات.وفي الوقت ذاته، قال أمجد المالح أحد سكان مدينة مضايا المحاصرة من قوات النظام بريف دمشق، وهو على متن إحدى الحافلات التي تغادر المدينة «انطلقنا الآن، نحن 2200 شخص على متن 65 حافلة». وأضاف: إن «معظم الركاب هم من النساء والأطفال الذين بدأوا التجمع مساء الخميس وأمضوا ليلتهم وسط البرد بانتظار انطلاق الحافلات»، موضحاً أنه «سمح للمقاتلين الاحتفاظ بأسلحتهم الخفيفة». وأكد المرصد السوري خروج حتى الآن «3700 مدني و1300 مقاتل موال للنظام» من الفوعة وكفريا، مقابل 2200 بينهم «ما لا يقل عن 400 مقاتل» معارض من مضايا. وأشار مدير المرصد رامي عبد الرحمن إلى أن مقاتلي الفصائل في الزبداني «ولا يتجاوز عددهم 150 مقاتلاً» ينتظرون إجلاءهم في وقت لاحق. ومن المتوقع بموجب الاتفاق إجلاء جميع سكان الفوعة وكفريا الذين يقدر عددهم ب16 ألف شخص.وأكد المرصد السوري في وقت لاحق بدء عملية التبادل صباح أمس. وتوصلت الحكومة السورية والفصائل إلى اتفاق الشهر الماضي ينص وفق المرصد على إجلاء الآلاف من بلدتي الفوعة وكفريا ومن مدينتي الزبداني ومضايا. وبعد تأجيل تنفيذه مرات عدة، بدأ تنفيذ المرحلة الأولى من الاتفاق الأربعاء عبر تبادل الطرفين عدداً من المخطوفين. ومن المتوقع بموجب اتفاق الإخلاء الذي تم تأجيل تنفيذه أكثر من مرة، إجلاء جميع سكان الفوعة وكفريا الذين يقدر عددهم ب16 ألف شخص، مقابل خروج من يرغب من سكان مضايا والزبداني، بحسب المرصد السوري. كما ينص الاتفاق وفق المرصد، على إجلاء مقاتلين من الفصائل مع عائلاتهم من أطراف مخيم اليرموك جنوب دمشق. والمناطق الأربع محور اتفاق تم التوصل إليه بين الحكومة السورية والفصائل برعاية الأمم المتحدة في سبتمبر/أيلول 2015، ويتضمن وقفاً لإطلاق النار. وينص على وجوب أن تحصل كل عمليات الإجلاء وإدخال المساعدات بشكل متزامن. وبحسب مدير المرصد رامي عبد الرحمن فإن الحافلات التي خرجت حتى الآن تُقلّ سكاناً من مضايا وعدداً من أهالي الزبداني الذين يعيشون في مضايا، فيما لا يزال مقاتلو الفصائل في الزبداني ينتظرون دورهم. وكانت سوريا شهدت خلال سنوات الحرب المستمرة، والذي تخللها حصار الكثير من المناطق من قبل كافة أطراف النزاع، عمليات إجلاء عدة شملت عشرات آلاف المدنيين والمقاتلين وخصوصاً من معاقل الفصائل المعارضة. ويعيش وفق الأمم المتحدة نحو 600 ألف شخص على الأقل في مناطق محاصرة بغالبيتها من قوات النظام وأربعة ملايين آخرين في مناطق يصعب الوصول إليها. وكانت حمص، ثالث أكبر مدينة في سوريا، شهدت عمليات إجلاء مماثلة، فقد وافق مقاتلو الفصائل المعارضة على مغادرة معقلهم في البلدة القديمة في مايو/أيار 2014 لينكفئوا بعدها في حي الوعر إلى جانب آلاف المدنيين. وكان هذا الاتفاق هو الأول من نوعه بين النظام ومقاتلي الفصائل وينص على انسحابهم منذ بداية النزاع في مارس/آذار 2011. وتم التفاوض عليه برعاية سفير إيران حليفة النظام السوري. وفي عام 2016، خرج من حي الوعر مئات المقاتلين على ثلاث دفعات، بموجب اتفاق آخر تم التوصل إليه في ديسمبر/كانون الأول 2015، بإشراف الأمم المتحدة، إلاّ أنه لم يتم استكمال تنفيذ بنوده. وفي منتصف مارس الماضي، بدأ مقاتلو الفصائل مجدداً بالخروج من حي الوعر تنفيذاً لاتفاق ترعاه روسيا، ومن شأن إتمامه على مراحل أن يسمح للجيش السوري بالسيطرة على كامل المدينة.وفي 22 ديسمبر 2016، أعلن الجيش النظامي استعادة السيطرة على كامل مدينة حلب بعد عملية إجلاء لآلاف المدنيين والمقاتلين من آخر معاقل الفصائل المعارضة في أحياء المدينة الشرقية. وتمت عملية الإجلاء، بعد عملية عسكرية واسعة للجيش السوري، وبموجب اتفاق برعاية تركيا، الداعم الرئيسي للمعارضة، وإيران وروسيا، أبرز حلفاء دمشق. وفي 24 أغسطس/آب، توصلت الحكومة السورية والفصائل المعارضة إلى اتفاق يقضي بخروج المدنيين والمقاتلين من مدينة داريا، التي كانت في طليعة حركة الاحتجاج ضد النظام السوري. وفي اليوم التالي، أجلى الجيش السكان والمقاتلين عن المدينة المدمرة بنسبة كبيرة نتيجة القصف والمعارك طوال سنوات الحصار، تطبيقاً لبنود الاتفاق، واستعاد السيطرة عليها في 27 من الشهر ذاته.وفي يناير الماضي، سمح اتفاق جديد بين الحكومة والفصائل المعارضة لحوالى 700 مقاتل و1400 مدني بمغادرة منطقة وادي بردى، خزان المياه المغذي لدمشق، باتجاه محافظة إدلب. وجاء ذلك بعد عملية عسكرية للجيش السوري ضيّق خلالها الخناق على المنطقة. (وكالات)
مشاركة :