عالم الاجتماع إيمانويل فالرشتاين يعتبر أن التمايز أحد المفاهيم الأساسية في منظومة المصطلحات السوسيولوجية، حتى في تحليل المعرفة التي تتجاوز العديد من الاختلافات.العرب [نُشر في 2017/04/15، العدد: 10603، ص(17)]طلاق بين الفلسفة والعلم المنامة - أصدر مشروع نقل المعارف بهيئة البحرين للثقافة والآثار مؤخرًا النسخة العربية لكتاب عالم الاجتماع الأميركي إيمانويل فالرشتاين بعنوان “نهاية العالم كما نعرفه، نحو علم اجتماعي للقرن الحادي والعشرين” والذي نُشر للمرة الأولى عام 1999 من قبل جامعة مينيسوتا بالولايات المتحدة الأميركية. ينقسم كتاب “نهاية العالم كما نعرفه” إلى قسمين رئيسيين، يتناول الأول عالم الرأسمالية، ويتفرع من هذا القسم عددٌ من الفصول، أولها فصل العلم الاجتماعي والفترة الشيوعية الفاصلة أو تأويلات التاريخ المعاصر والذي يركز الكاتب فيه على العصر الذهبي لحكم الأحزاب الشيوعية. كما يحاول الكاتب في هذا الفصل إيضاح التاريخ الاجتماعي السياسي لأوروبا في القرن التاسع عشر. وينتقل إيمانويل فالرشتاين إلى أفريقيا، وتحديدًا إلى المؤتمر الوطني الأفريقي وهو واحدٌ من أقدم حركات التحرر الوطني على مستوى العالم، ويصفه بقوله “إنه آخر حركة حققت هدفها الأول، وهو تولي السلطة السياسية”، ثم ينتقل الكاتب نحو شرق آسيا ليستعرض نهوضها الذي يحتل موقعًا مهمًا في أبرز المحافل الدولية. في القسم الثاني من كتاب “نهاية العالم كما نعرفه”، يطرق الكاتب باب المعرفة ليعرّف القرّاء على كيفية تحليل الواقع والوقوف عند المعطيات والدلائل في سياق علم الاجتماع، حيث يقول “إننا كعلماء اجتماعيين، نعلم أن إحدى الطرق الناجحة لتحليل الواقع الاجتماعي تتمثل في التركيز على ظاهرةٍ وصفية مركزية خارجة عن المألوف والسؤال عن سبب وجودها أصلًا؟ وكيف يمكن تفسيرها؟ وما النتائج المترتبة على وجودها؟”. كما يعتبر فالرشتاين التمايز أو التفاضل أحد المفاهيم الأساسية في منظومة المصطلحات السوسيولوجية، حتى في تحليل المعرفة، فهو يرى أنها قائمة على وجود تغايرٍ أوسع باعتبارها تتوزع على تخصصات متعددة. بيد أن المعرفة في رأيه تتجاوز العديد من الاختلافات فيما يتعلق بعاملَي المكان والزمان.بحلول القرن الثامن عشر كان دعاة العلم يرفضون الفلسفة بشكلٍ علني، بوصفها مجرد تأملات استنباطية، ويدعون إلى أن المعرفة التي ينادون بها هي المعرفة العقلانية وقد ضرب مثالًا على ذلك حيث ذكر الجمعية الدولية لعلم الاجتماع والتي تأتي نتيجة لتراكمات من التغاير امتدت على مدى قرونٍ من الزمن حتى قبل اكتشاف علم الاجتماع، حتى أن ميكافيللي واجتهاداته في الفقه السياسي، أو باروخ سبينوزا وعمله على النهج الديكارتي وتركيزه على الأخلاق وعلاقتها بالمعرفة الإنسانية، أو مونتسكيو وهو صاحب نظرية فصل السلطات المعتمد حتى اليوم، لم يصفوا أنفسهم بعلماء اجتماع إذ لم يكن العلم موجودًا آنذاك. وفي السياق ذاته، يُرجع الكاتب العلوم الاجتماعية إلى أصولٍ مركزيةٍ أوروبية، معللًا ذلك بأنه طبيعي فما العلوم الاجتماعية إلا نتاج النسق العالمي الحديث، وقد ولد العلم أساسًا لمعالجة مشكلاتٍ أوروبية في مرحلةٍ تاريخية كانت أوروبا مهيمنةً على النسق العالمي بأسره، مشيرًا إلى أن أوروبا تأتي مصطلحا ثقافيا وليس جغرافيا، حيث يذكر الكاتب أن العلوم الاجتماعية وحتى عام 1945 تمركزت في خمس دول رئيسية هي فرنسا وبريطانيا العظمى وألمانيا وإيطاليا والولايات المتحدة الأميركية. ويصف الكاتب النزعة المركزية الأوروبية بأنها إحدى العناصر المكونة لجيو-ثقافة العالم الحديث، كما يستعرض آراء المحللين في أوجه تعبير العلم الاجتماعي عن تلك النزعة ويذكر وجهات نظر المحللين الذين رأى بعضهم أن العلم الاجتماعي الذي يعبر عن نزعته المركزية الأوروبية في تأريخها، ضيّقَ الأفق الفكري في النزعة التعميمية الكلية لهذه الآراء، وفرضياتها حول الحضارة الغربية، ونزعتها الاستشراقية، ومحاولاتها فرض نظرية التقدم. ويعرض الكتاب تفصيلًا موسعًا لذلك. يستطرد إيمانويل فالرشتاين في فصول قسمه الثاني ويشرح بنية المعرفة وظهور مؤشرات علمنة المجتمع والتي ظهرت بدايةً برفض اللاهوت بوصفه نمط المعرفة الجامع، ويضيف أنه بحلول القرن الثامن عشر كان دعاة العلم يرفضون الفلسفة بشكلٍ علني، بوصفها مجرد تأملات استنباطية، ويدعون إلى أن المعرفة التي ينادون بها هي المعرفة العقلانية، وبالتالي فقد ظهرت مشكلاتٌ نتيجةً لهذا “الطلاق” بين الفلسفة والعلم. يركز الكتاب في آخر فصوله على نشوء تحليل الأنساق العالمية واندثاره في المستقبل، والعلم الاجتماعي والسعي إلى مجتمع عادل، وأخيرًا على تراث علم الاجتماع ووعد العلم الاجتماعي الذي يبرهن الكاتب فيه على ما أسماه “ثقافة علم الاجتماع”.
مشاركة :