وصل عدد اللاجئين في كل أنحاء العالم إلى 21,3 مليون شخص، يُضاف إليهم 65,3 مليون نازح عام 2015، حسب المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين؛ أقلّ من 1 في المئة من اللاجئين في العالم، يُمنحون فرصة مواصلة دراساتهم العليا.قد لا يكون الأمر مفاجئاً ولاسيما أن أغلب اللاجئين والنازحين يُعانون الحرمان من أبسط حقوقهم الإنسانية وحاجياتهم اليومية. إلا أن حقهم في النفاذ إلى التعليم العالي يجب أن يكون أيضاً محفوظاً خصوصاً أنه عامل أساسي لحياة متكاملة وفرصة للاندماج في المجتمعات التي يعيشون فيها؛ غير أن اللاجئين يواجهون العديد من العقبات للنفاذ إلى التعليم العالي مثل التكلفة، والوضع القانوني، واللغة، وقدرات الجامعات.عقبات تطمح منصة «كايرون» إلى تذليلها، هي التي يُعرّف عنها العضو المؤسس، عُدي الهاشمي، على أنها «أول منصة تعليمية إلكترونية في العالم تُمكّن اللاجئين من الحصول على التعليم العالي والتعلّم الناجح بفضل الحلول الرقمية».يخبرنا الهاشمي أن الفكرة ولِدت في صيف العام 2014 عندما التقى فينسنت زيمر وماركوس كريسلر اللذين شاركا رؤيتهما لـ «جامعة 2.0» خلال مؤتمر للاجئين في اسطنبول. ويشرح أن هذه الجامعة «تهدف إلى التركيز أكثر على الطالب من خلال التقدم التكنولوجي. كانا متحمسَين إزاء الإمكانيات التي توفّرها الطريقة الجديدة في التعليم الجامعي للاجئين الذين لم يكن لديهم إمكانية الوصول المباشر إلى التعليم حتى ذلك الحين؛ هذا الحماس أدى إلى أول محادثات مع مواقع الدروس الإلكترونية والجامعات وصناع القرار في السياسة والاقتصاد، واكتشف زيمر وكريسلر أنهما قادران على إيجاد حلول لكل عقبة يواجهها اللاجئين في سعيهم للحصول على التعليم العالي».وهكذا، في مارس 2015، انطلقت الشركة الناشئة الاجتماعية «كايرون للتعليم العالي» التي لا شك أنها ستغيّر واقع التعليم للاجئين في العالم.اليوم، يقول الهاشمي «لدينا نحو 70 موظفا بدوام كامل ومجموعة من 400 متطوع؛ أرقام مهمة جداً بالنسبة لشركة ناشئة مثلنا. نحن محظوظون لأن ردود الأفعال كانت إيجابية ولأن كثيرين يريدون دعمنا من خلال التطوع الذي نعتبره أساسياً من أجل توفير مختلف الخدمات إضافة إلى برامجنا الأساسية».ولا بد لنا من الإشارة إلى أن اختيار اسم «كايرون» للمنصة التعليمية ليس من باب الصدفة لا بل وليدة أبحاث للمؤسسين الذَين استوحَيا من «تشيرون»، القنطور الشهير في الأساطير اليونانية لمعرفته المتفوقة وقدرته على التدريس إضافة إلى كونه الأكبر والأكثر حكمة بين هذه الكائنات. وبما أن المعرفة والتدريس هما في صلب أهداف المنصة تمّ اعتماد هذا المصطلح مُعدلاً ليتمكن الأفراد من مختلف الجنسيات بلفظه.نموذج أكاديمي من نوعٍ آخرتهدف منصة «كايرون»، على حد قول الهاشمي، إلى «تعزيز الاندماج الاقتصادي والاجتماعي في الدول المضيفة، وتمكين اللاجئين باختيار مسارهم الشخصي من خلال الدراسة. ولذلك، يأتي البرنامج كجزء لا يتجزأ من نظام بيئي من خدمات الدعم التي تتمحور حول احتياجات الطالب».وتؤمن «كايرون» بأن مستقبل التعليم العالي يعتمد على مزج التعليم على الإنترنت والتعليم التقليدي الذي يعتمد على الحضور الشخصي. ويقول الهاشمي: «تركّز الدراسات على الإنترنت خلال أول عام أو عامين على منهج رقمي مرتبط بما يُسمى بالتعليم المفتوح على الإنترنت (موكس) التي يوفّرها الشركاء».وقد نجحت المنصة في إبرام شراكات مع جامعات رائدة، مثل جامعة هارفرد وجامعة برلين الدولية للعلوم التطبيقية ومعهد ماساتشوسيتس للتكنولوجيا من أجل تطوير محتوى الدروس التي توفّرها منصات الموكس الشهيرة مثل «كورسيرا» و«إيديكس»؛ وكل هذه المسارات تستوفي معايير التعليم العالي الأوروبية.وترافق هذه الدورات التي تفوق الـ 400 دورة على الإنترنت والتي تركّز على أربعة مجالات رئيسية (إدارة الأعمال والاقتصاد، علوم الحساب، والهندسة، العلوم الاجتماعية) دورات تقدّمها جامعة «كايرون» المباشرة حيث يوفر المدربون تعليماً تفاعلياً ومتزامناً يعتمد على الملاحظات والتبادلات الخاصة بكل طالب ويتوفر على الإنترنت للتكيف مع احتياجات الطلاب.ويوضح الهاشمي أن الطلاب الذين يستوفون شروط التسجيل في الجامعات الشريكة «قادرون على متابعة عامَين إضافيين في الجامعة ليحظوا بفرصة الحصول على شهادة بكالوريوس معتمدة».كما توفّر «كايرون» دورات تعليمية للّغات الفرنسية والإنكليزية والألمانية من أجل أن يتمكّن الطلاب من متابعة الدروس إضافة إلى دورات تحضيرية تمهّد لهم الطريق لمتابعة مختلف المسارات الجامعية، مجاناً.اهتمام من الطلاب والجامعاتتُشير الإحصائيات الأخيرة إلى أن أكثر من 2000 طالب يُتابعون مسارات «كايرون» للتعليم العالي، ويحظى الذكور بحصة الأسد مع نسبة 84 في المئة. ويُشكل اللاجئون السوريون النسبة الأكبر من الطلاب، ألا وهي 47 في المئة يليهم الأفغان (12) والصوماليون (5) والباكستانيون (4) في حين تراوح أعمارهم بين 22 و29 سنة. أما مجال الدراسة الأكثر شعبية على منصة «كايرون»، فيبقى الأعمال والاقتصاد مع نسبة 31،80 في المئة تليه علوم الحاسوب.ويؤكد الهاشمي ان «الجامعات تُشكّل شريكاً حيوياً لنا. وحالياً نتعاون مع 31 جامعة في ألمانيا وأربع دول أخرى، منها فرنسا وتركيا والأردن إضافة إلى مواقع الموكس». ويتابع: «نتعاون مع منظمات ومبادرات أخرى من أجل جذب الطلاب الجدد وتطوير خدماتنا الطلابية. وعلى سبيل المثال، نملك علاقات تعاون وطيدة مع وركير، أول سوق وظائف للاجئين».يدرك القيّمون على منصة «كايرون» أهمية صدّ التحديات التي يواجهونها، إلا أنّهم يواصلون جهودهم من أجل مساعدة اللاجئين على متابعة الدراسات العليا علّهم يساهمون في تغيير واقع حالهم. ولهذا الغرض، يقول الهاشمي: «جهودنا في 2017، ستركز على التحسين المستمر لعروضنا وتطبيق نموذجنا الأكاديمي في الدول التي نركّز عليها. فعلى سبيل المثال، نعمل على تطوير برنامج شهادة في تركيا من شأنه أن يُحسن من قابلية الطلاب على التوظيف وأن يزيد من فرص حصولهم على فرص عمل».* متخصصة في الثقافة والمواضيع الاجتماعية
مشاركة :