اليوم تشهد تركيا استفتاءً انتظر الرئيس التركي رجب طيب أردوغان ومناصريه نتائجه منذ أعوام عدة، إذ يأملون في إقرار التعديلات الدستورية التي تمنح أردوغان سلطات وصلاحيات واسعة تشبه السلطات التي كان يتمتع بها السلاطين والملوك، بل قد تفوق سلطات ملوك الدولة العثمانية، إذ تمنحه السيطرة على السلطة القضائية والتشريعية والتنفيذية وإلغاء منصب رئيس الوزراء، ما يعني قياساً "سلطان بلا صدر أعظم وسيطرة على قاضي القضاة والانفراد بالسلطنة". وخلال الأسابيع الأخيرة تعمّد مؤيدو أردوغان وأعضاء حزب "العدالة والتنمية" الحاكم الربط بين الاستفتاء على حلم أردوغان في تحول تركيا من النظام البرلماني إلى الرئاسي وبين حلم إحياء الخلافة الإسلامية وأمجاد الدولة العثمانية، وذلك في تصريحات وخطابات مباشرة ولافتات دعائية أثارت الرأي العام داخل تركيا مشمولاً بتأييد شرعي من هيئة العلماء المسلمين.الخليفة أردوغان "حال إقرار النظام الرئاسي سيكون أردوغان الخليفة. وسيفتتح مكاتب تمثيل الخلافة في قصره" كان هذا تصريح عبدالرحمن ديليباك المفكر والكاتب التركي المقرب لأردوغان، خلال مشاركته في أحد المؤتمرات بكندا في يناير الماضي. وأضاف ديليباك "عندما يتحول الطيب أردوغان بالبلاد إلى النظام الرئاسي، فإن ذلك يعني أن كل بلاد المسلمين سترتبط بالخلافة. ومن المحتمل أن يفتتح الاتحاد الإسلامي مكاتب لتمثيله في الغرف 1005 الموجودة في القصر الرئاسي التركي، وتعيين مستشارين للخلافة". ونشر سوات أونال، أحد قيادات حزب العدالة والتنمية عن بلدة "أيدين أفالر" منشوراً على حسابه الشخصي بموقع التواصل الاجتماعي فيسبوك، مفاده "بعد النظام الرئاسي سيكون أردوغان خليفة. والله سيتم نوره عام 2023". وأكّد خيرالدين قارامان، المعروف بكونه مفتى الحزب الحاكم والقصر الرئاسي، أن للمسلمين زعيم واحد ووطن واحد معلناً الخلافة، وأنه "ليس هناك أجدر من أردوغان لتحمل هذه المهمة المقدسة على كتفيه". وفي مارس الماضي استنكر الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين الموقف الأوروبي المعادي لتركيا، وأكّد بيان الاتحاد برئاسة يوسف القرضاوي تأييده للنظام الرئاسي الذي يسعى إليه أردوغان، ذاكرًا "أن النظام الذي يدعو إليه أردوغان هو النظام الذي يتفق مع التعاليم الإسلامية، التي تجعل أمير المؤمنين أو الرئيس الأعلى هو رقم (1) في السلطة".مظاهر الخلافة الأردوغانية دعا حزب التحرير التركي ذو التوجه الإسلامي إلى عقد اجتماع "الخلافة في تركيا" في الخامس من مارس الماضي بإسطنبول، تحت شعار "لماذا العالم في احتياج إلى الخلافة؟"، واصفاً العلمانية والجمهورية بـ"الشيطان الرجيم". حرص أردوغان منتصف مارس الماضي على استعراض "العرش العثماني" خلال لقاء تليفزيوني أجراه مع إحدى القنوات التركية، ما أثار الجدل داخل تركيا حول دلالة إظهار هذا العرش خلال حديثه عن الاستفتاء على التعديلات الدستورية. وعلّق المؤرخ البروفيسور التركي الشهير إيلبر أورتايلي، على هذا المشهد مؤكداً أن إقرار الاستفتاء يعني أن أردوغان سيحظى بصلاحيات أكثر من صلاحيات أمراء الدولة العثمانية، لذلك فإن "العرش فقط، ما كان ينقص أردوغان ليحقق حلمه". وفي لغة تهديد متضمنة إشارات إلى إعادة الفتح العثماني لأوروبا، أوصى أردوغان في مؤتمر شعبي بمدينة (اسكيشهير) المواطنين الأتراك المقيمين بالخارج بـ"الحرص على إنجاب ليس ثلاثة أطفال فحسب، بل ليكن خمسة، لأنكم ستكونون مستقبل أوروبا. افتحوا القلعة من الداخل". "إنزال العلم التركي ورفع علم متضمن شعار الدولة العثمانية" كانت واقعة مثيرة للجدل وذات دلالات واضحة لتزامنها مع الحملة الدعائية لقبول التعديلات الدستورية، إذ شهدت زيارة وزير العمل والتضامن الاجتماعي وأمين الحزب الحاكم عن مدينة بورصا محمد مؤذن أوغلو، إلى بلدية "قاراجاباي" بمدينة بورصا واقعة إنزال العلم التركي من مدخل "سوق البصل" ورفع الشعار العثماني.أقوال جاهزة شاركغرداليوم تشهد تركيا استفتاءً على تعديلات دستورية تمنح أردوغان سلطات قد تفوق سلطات ملوك الدولة العثمانية شاركغردتصريحات ولافتات تشير إلى رغبة أردوغان ومؤيديه تحويل تركيا إلى أمبراطورية عثمانية وإعلان الخلافة الإسلامية لافتة "أردوغان... القائد العسكري العثماني" لا يمكن إغفالها خلال الحملة الدعائية للاستفتاء، إذ حرص سمسار مؤيد لأردوغان في مدينة "شانلي أورفا" جنوب تركيا على تعليق لافتة مؤيدة تحمل صورة أردوغان بالزي العسكري، مع عبارة "نحن داعمون للرئيس منذ الأزل. قد نتخلى عن أكلاتنا الشعبية ولا نتخلى عنك يا أردوغان". وتكرر الأمر خلال الاحتفال بانتصارات معركة "جناق قلعة" في 18 مارس الماضي، إذ حرص أحد قيادات الحزب الحاكم في مدينة جناق قلعة على تعليق لافتة تجمع بين أردوغان ورئيس وزرائه بن علي يلدريم والسلطان عبدالحميد الثاني الذي لم يعاصر هذه المعركة، ما فتح الباب للتساؤل عن أسباب استغلال صورة سلطان عثماني في الدعاية لأردوغان والنظام الرئاسي.أكمل القراءة وخلال مشاركتهم في عملية الاقتراع بالخارج بمدينة ستراسبورج الفرنسية، أقدم أفراد أسرة تركية على ارتداء الزي العثماني، والتصويت لصالح النظام الرئاسي تأييداً لأردوغان، وتداولت وسائل التواصل الاجتماعي صورهم التي حملت هي الأخرى دلالة راسخة في نفوس بعض مؤيدي النظام الرئاسي وأردوغان، متمثلة في آمال نقل أردوغان تركيا من الجمهورية إلى الأمبراطورية العثمانية وإعلان الخلافة الإسلامية. لماذا الخلافة؟ هل يحتاج أردوغان إلى النظام الرئاسي لإعلان الخلافة الإسلامية؟ وما هي الأهداف من إعلان الخلافة بزيها المعتاد أو بزي مستحدث رئاسي؟ يجيب عن هذه الأسئلة مجموعة من المختصين في الشأن التركي خلال تصريحاتهم لرصيف22. أكد إسحاق إنجي مدير تحرير صحيفة "زمان" التركية، أن "أردوغان يحتاج إلى النظام الرئاسي لحمايته الشخصية، والإفلات من أي مساءلة قضائية. وفي حقيقة الأمر هو لا يهتم باسم نظام الحكم سواء خلافة أم رئاسة، ولكن ما يعنيه هو التمتع بصلاحية لم يمتلكها سلاطين وخلفاء الدولة العثمانية للهروب من أية مساءلة قانونية مستقبلاً بشأن وقائع الفساد وانتهاكات حقوق الإنسان أو التورط مع تنظيم داعش الإرهابي". "حال إقرار النظام الرئاسي سيكون أردوغان الخليفة. وسيفتتح مكاتب تمثيل الخلافة في قصره" | رصيف22" data-picture="http://cdn.raseef22.com/wp-content/uploads/2017/04/Cumhur-Başkanını-Seçiyor_V.02.1.gif" data-name="النظام الرئاسي التركي… أولى خطوات الخلافة - رصيف22 | سياسة"> شاركغرد وكشف يوسف بدر خبير شؤون الشرق الأوسط، جانب آخر من دوافع أردوغان للربط بين الخلافة والنظام الرئاسي، موضحاً أنه ليست من طبيعة أردوغان كشف أوراق اللعب كاملة، "في البداية يلمح فقط إلى الورقة الأولى، ولذلك هو تحدث عن النظام الرئاسي منذ وجود الرئيس عبدالله جول، وكان رفقاءه ينفون ما يتردد آنذاك"، مؤكداً أن أحد أهداف أردوغان تتمثل في السعي إلى بلوغ نظام يمنحه القدرة على استكمال مشروعه نحو "أمريكا الشرق الأوسط". وأشار بدر إلى خبرة أردوغان في توظيف "الخطاب الشعبوي" وتاريخه السياسي، فقد أيقن أن الأغلبية المطلقة لتأييد خططه وأهداف حزبه غير مضمونة في ظل التقارب بين أصوات "نعم" و"لا" وانقسام الإسلاميين أنفسهم، ما دفعه إلى الربط بين النظام الرئاسي والخلافة، ليقول لهم "أنتم لا تصوتون لصالح أردوغان، بل لصالح النظام الذي لطالما تحدثتم عنه في أدبياتكم الدينية، وإن لم تفعلوا فستكونون خائنين لدينكم، الأمر هنا أقسى من الخيانة للوطن". ويضيف بدر: "هي نفس اللعبة التي لعبها الإسلاميون في مصر، في تصفيات المرشحين مرسي وشفيق خلال جولة الإعادة بالانتخابات الرئاسية عام 2012، فلم يكن الحديث هو أن شفيق يمثل نظام ما قبل الثورة، بل أن سلامة الدين مهددة في البلاد". أما الكاتب الصحفي التركي نهاد جنتش، فيذهب برأيه إلى أن "النظام الرئاسي الذي يدعو إليه أردوغان ما هو إلا خطوة نحو الخلافة"، معللاً بأن العالم يلجأ إلى الحروب المنخفضة الحدة والتي لا يمكن فيها التمييز بين الحرب والسلام لتحقيق أهدافه الحقيقية. فالخلافة تكمن في مفهوم "محو الجمهورية والحكومة"، وهي الاستراتيجية التي ينتهجها أردوغلن حالياً.معارضة الخلافة أبدى الزعيم السابق لحزب "السعادة" التركي مصطفى كمالاك رفضه للتعديلات الدستورية المقرر عقدها اليوم 16 أبريل، مؤكداً أن هذه التعديلات والنظام الرئاسي فخ محاك ضد الرئيس أردوغان، سيؤدى إلى تفتيت البلاد. وقال كمالاك "إن التعديلات الدستورية ستمنح أردوغان صلاحيات لم تكن لأي سلطان عثماني. فقد كان هناك دار الإفتاء بدلاً من المحكمة الدستورية الموجودة حالياً". ووصف أحمد دوغان زعيم أتراك بلغاريا الاستفتاء بكونه "ضرب من الجنون لإعادة السلطنة، ويهدف إلى إرساء وتشريع العثمانية الجديدة". حلم الخلافة لدى أردوغان بدى جلياً قبل خمس سنوات ليس أكثر، حسب رأي الكاتب التركي سعيد سيفا، إذ عزز أردوغان حكمه خلال السنوات العشر الأولى من عمر الحزب الحاكم، وذلك بعد الربيع العربي ومع بداية الصراع الداخلي مع حركة الخدمة. وقال سيفا إن "حلم الخلافة الإسلامية بدأ يراود أردوغان قبل خمس سنوات متمثلاً في نظام حكم الفرد الواحد تحت مسمى رئيس الجمهورية الحزبي"، ويتضح أن وصف الخليفة أردوغان بدأ يتردد في الإعلام المحلي والغربي عقب موجة الربيع العربي وزيارته إلى مصر في سبتمبر 2011، إذ وصفت وسائل الإعلام هذه الزيارة في إطار جولته بدول الربيع العربي آنذاك بإعادة الفتح العثماني للشرق الأوسط عبر "الخليفة الجديد".اقرأ أيضاًتكاثروا وتناسلوا... أسلحة بقاء تركيا وإسرائيل وإيرانشركة "سادات" الأمنية: "الحرس الثوري الإسلامي لأردوغان"الحقيقة وراء محاولات تركيا لإحياء اللغة العربية مجدي سمير صحفي متخصص في شؤون الشرق الأوسط وتركيا، ومترجم لغة تركية معتمد، خبرة في مجال الترجمة والصحافة 11 عام.. عملت كمترجم في مصر وتركيا بعدد من المصانع والشركات التركية بالإضافة إلى عملي كصحفي متخصص بالشأن التركي كلمات مفتاحية تركيا التعليقات
مشاركة :