يتردد في ثقافتنا العربية القول بتبعية المرأة للرجل، وتظهر هذه التبعية واضحة على المستوى العام المتعلق بالمفاهيم الثقافية الشعبية، كتبعية المرأة للرجل في السير خلفه، وفي تناول الطعام بعده، وفي الانتساب إليه فهي إما (حرم فلان) أو (أم فلان)، كما تظهر أيضا على المستوى الرسمي المتعلق بالأنظمة العامة، كتبعية المرأة للرجل في بطاقة العائلة، وفي التنقل، وفي اتخاذ القرارات، وفي السكن، (ليس للمرأة الاستقلال بسكن خاص بها). تغلغلت ثقافة الاعتقاد بتبعية المرأة للرجل في أعماق الناس حتى رسخت في أذهان بعضهم على أنها هي الأصل الذي يحكم علاقة المرأة بالرجل، وظهر واضحا تأثير تلك الثقافة على أفكار بعض الفقهاء والمفسرين، فمثلا في تفسير قوله تعالى: {فتلقى آدم من ربه كلمات فتاب عليه إنه هو التواب الرحيم}، نجد الآية تنص على أن آدم استغفر لذنبه وأن الله قبل توبته، وهي لا تنص على أي شيء يخبر عن مصير زوج آدم شريكته في الخطيئة، لكن بعض المفسرين يرون أن توبة الله عز وجل شملتها مع آدم، ويعللون عدم ورود نص في الآية على ذكرها لكونها تابعة لآدم في الحكم، (فالمرأة تابعة للرجل). بهذه الحجة أقنع أولئك المفسرون أنفسهم أنهم توصلوا إلى معرفة حكمة الله في عدم ذكر زوج آدم في تلك الآية، فبالنسبة لهم معرفة السبب تبدو (بديهية) لا تحتاج إلى تساؤل وتحير وتفكير، وربما لذلك لم يشعروا أنهم في حاجة إلى أن يقولوا: (لا ندري، علم السبب عند الله)! وفي غمرة البداهة بتبعية المرأة للرجل، غفل أولئك المفسرون عن أن الآية تخبر أن آدم تلقى من ربه كلمات فتاب عليه، أي أنه استغفر لذنبه فغفر الله له، فهل هذا يعني (بداهة) أن زوج آدم لم تكن في حاجة إلى أن تستغفر بنفسها لذنبها اكتفاء باستغفار آدم الذي هي تابعة له؟ وهل هذا يعني أنه يمكن إطلاق هذا الحكم على جميع خطايا وزلات المرأة المشتركة مع زلات الرجل، فنقول إنه يجزئ في محوها استغفار الرجل وحده، بحكم تبعية المرأة له ؟ لكنا حين نقرأ الآيتين السابقتين لهذه الآية، نجدهما تخاطبان الاثنين معا ولا تقتصران على مخاطبة آدم وحده. يقول سبحانه وتعالى في سورة البقرة: {وقلنا يا آدم اسكن أنت وزوجك الجنة وكلا منها رغدا حيث شئتما ولا تقربا هذه الشجرة فتكونا من الظالمين} {فأزلهما الشيطان عنها فأخرجهما مما كانا فيه وقلنا اهبطوا بعضكم لبعض عدو ولكم في الأرض مستقر ومتاع إلى حين}، وفي آية أخرى {قالا ربنا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين}. في كل تلك الآيات لا تبدو المرأة تابعة للرجل، وإنما هي تخاطب على أنها كيان مستقل مسؤول عن عمله وما تكسب يمينه، (كل نفس بما كسبت رهينة). لكن المفسرين غفلوا عن ذلك، وانصرفوا إلى تعليلات تعكس ثقافة بيئتهم التي نشأوا فيها والعادات والأعراف التي توارثوها، فلم يخطر ببالهم سبب لعدم النص على ذكر زوج آدم في الآية سوى أن المرأة تابعة للرجل !!
مشاركة :