هل يمكن للنمو الاقتصادي أن يغطي الكره وسفك الدماء الفاجع؟ يعتمد بقاء رواندا على هذه الإمكانية. فقبل نحو عقدين من الزمن شهدت هذه الدولة الصغيرة الواقعة في شرق افريقيا، واحدة من أبشع الجرائم في القرن العشرين، حيث قام المتطرفون من قبيلة الهوتو بقتل نحو 800 ألف شخص من قبيلة التوتسي إضافة إلى الهوتو المعتدلين، وغالباً ما كان يتم قتلهم بالسيوف. النساء يلعبن دوراً مهماً في نهضة البلد، إذ إن 64% من أعضاء البرلمان الرواندي من النساء مقارنة بـ22% في معظم دول العالم، حسب تقارير البنك الدولي. والآن، تقوم هذه الدولة بتسويق نفسها باعتبارها المعجزة الاقتصادية في المنطقة، أو سنغافورة إفريقيا، ومركز صناعة الخدمات الآخذة بالازدهار، وهي دولة تتطلع بجرأة إلى المضي قدماً نحو اقتصاد بلا نقد، عبر استخدام التقنيات المالية. ويزدهر تشييد المنازل الجديدة، والفنادق، ومراكز التسوق في العاصمة كيغالي، أكبر مدينة في البلاد. ويبدو أن الطلب على المنازل يتجاوز بكثير ما هو معروض، الأمر الذي رفع أسعار تأجير المنازل إلى معدلات كبيرة في المدينة، ويجري العمل على قدم وساق لإنشاء مطار جديد. ويقول المقاول الرواندي باتريك نكوبا مازحاً، وهو يمسح العرق عن وجهه في أحد مواقع العمل في كيغالي: «رواندا تنمو بصورة سريعة جداً، وقريباً ستكون مثل لندن»، وفي زيارة أخيرة له إلى رواندا، أثنى رئيس البنك الدولي على إدارة رواندا للاقتصاد. ولكن هل هذا يكفي؟ إذ إن تلك الأيام الـ100 في عام 1994 التي وقعت خلالها تلك المجزرة المهولة، جعلت اقتصاد رواندا في حالة يرثى لها، في الوقت الذي انحدرت فيه البلد، التي تعادل ولاية ماساشوستس من حيث المساحة، إلى الظلام. وتم اغلاق المدارس والمؤسسات الحكومية، في حين تعرضت المباني والشوارع والمطارات للتدمير. وتم نهب المباني والممتلكات الحكومية، وتوقفت الحكومة عن العمل لأشهر عدة. وتمكنت الجبهة الوطنية الرواندية، وهي قوة تدخل من لاجئي التوتسي يقودها بول كاغامي، من هزيمة الجيش الرواندي وميليشيات التوتسي، واستولت على السلطة. وأصبح كاغامي الآن رئيساً لرواندا، حيث أسس حكومة وحدة قادها مسؤولون من التوتسي، وأدى وصول كاغامي للسلطة الى هروب مئات الآلاف من الهوتو من البلاد، خوفاً من التعرض للانتقام. ومنذ ذلك الوقت عاد نحو 1.7 ملايين من أصل مليوني رواندي فروا من الدولة في التسعينات. وكان المطور العقاري موسيس نشيميمانا، 55 عاماً، قد غادر الدولة عام 1994 فاراً إلى لندن، ولكنه عاد عام 2011، وقال موسيس: «الآن أصبحت البلد آمنة. ولدينا رئيس جيد يحب جميع القبائل. وغالبية العائدين إلى رواندا يستثمرون في العقارات بسبب الطلب على ذلك». وكانت جين تويرنجير قد عادت من الولايات المتحدة وفتحت متجرين، وهي تقول: «تأمين فرص العمل للشباب مسألة مهمة جداً، لأنها تقوي الشباب، وفي الوقت ذاته تساعد على تنمية البلد». ويبدو أن النساء أمثال تويرنجير يلعبن دوراً مهماً في نهضة البلد، اذ إن 64% من أعضاء البرلمان الرواندي من النساء مقارنة بـ22% في معظم دول العالم، حسب تقارير البنك الدولي. وبخلاف الدول الافريقية الأخرى، تستطيع المرأة امتلاك الأرض، كما أنها ترث الأرض عن أبويها. وتعتبر هذه التغيرات الاجتماعية جزءاً من تحسينات أكبر ساعدت على تطوير الاقتصاد، ويعمل أفراد الهوتو والتوتسي أحياناً مع بعضهم بعضاً كمستثمرين، في مشروعات متعددة لصناعة منتجات محلية مثل السلال، والحقائب اليدوية، والأحذية الجلدية، والمجوهرات من أجل بيعها للسياح، والتصدير إلى الخارج. وفي واقع الأمر فإن رواندا لاتزال دولة فقيرة، إذ إن معظم سكان البلاد البالغ تعدادهم 12 مليون نسمة، يعيشون في المناطق الريفية ويعملون في المزارع الفقيرة. ولكن معدل الفقر انخفض من 44% في عام 2011 الى 39% في عام 2014 حسب تقارير البنك الدولي.
مشاركة :