حين بدأت شركة "ايبل لوجيستكس جروب" لخدمات الشحن في دبي تستعد أوائل هذا العام لطرح أسهمها في اكتتاب عام أجرت عملية إعادة رسملة بالاقتراض فحصلت على قرض مصرفي جديد حتى تتمكن من توزيع أرباح نقدية على المساهمين. ورغم أن الصفقة تعد تقليدية بمعايير الأسواق الغربية المتطورة لكنها تعد بالنسبة لأسواق الشرق الأوسط معلما مهما يبين أن قطاع سوق الاستثمار المباشر في المنطقة يكتسب قوة دفع أخيرا مع تعافي أسواق المال من الأزمة المالية العالمية. ووفقاً لـ "رويترز"، فقد قال هيثم مكي أحد الشركاء في مؤسسة جروث جيت كابيتال للاستثمار المباشر التي يقع مقرها في البحرين وتمتلك 70 في المائة من ايبل، إن شركات الاستثمار والبنوك تقدم مجددا على المخاطرة. وأحجمت جروث جيت عن إعلان حجم عملية إعادة الرسملة لكنها ذكرت أن توزيعات "ايبل" تعني أن الشركة حققت نحو 158 في المائة كعائد على استثماراتها منذ 2007، ومن المتوقع طرح أسهم ايبل للاكتتاب في نهاية 2014 أو نحو ذلك. وتوقف نشاط الاستثمار الخاص تقريبا في الشرق الأوسط في عام 2008 متأثرا بالتراجع الشديد في أسواق الأسهم والعقارات، ومقارنة بمعظم أنحاء العالم فقد اتسمت وتيرة عودة النشاط لطبيعته بالبطء لأسباب منها عزوف بنوك المنطقة عن المخاطرة وآثار انتفاضات الربيع العربي عام2011. لكن منذ العام الماضي بدأ المستثمرون يضخون مبالغ أكبر وبدأت شركات الاستثمار المباشر تحدد نطاقا أوسع للصفقات والبنوك تبدي استعدادا أوضح للتمويل، وحمل هذا بشرى طيبة لاقتصادات الشرق الأوسط التي يمكن أن تستغل رؤوس الأموال والمهارات الإدارية التي يتيحها قطاع الاستثمار المباشر في زيادة قدراتها التنافسية. وأشار كريم موسى الرئيس المشارك لقطاع الاستثمار المباشر في المجموعة المالية هيرميس ومقرها مصر إلى أن هناك انتعاشة يقودها في الأساس الارتفاع الأخير في أسواق رأس المال وزيادة نشاط الاكتتاب العام الأولي في الأسواق الناشئة والمنطقة، وقد شهدنا قدرا لا بأس به من خروج الاستثمارات المباشرة في الأشهر الماضية ويجري جمع أموال جديدة. وتشير بيانات شركة زاوية للمعلومات المالية التابعة لشركة تومسون رويترز إلى أن 16 صندوقا للاستثمار المباشر جمعت 860 مليون دولار في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا العام الماضي مقارنة مع 18 صندوقا جمعت 400 مليون دولار فقط عام 2012، وهذه الوتيرة التي توجه بها الأموال إلى استثمارات جديدة تبدو في تسارع. وأوضح أحمد بدر الدين الشريك الرئيسي ورئيس الاستثمارات في مجموعة أبراج في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا أن المجموعة تتوقع إبرام عشر صفقات استثمار مباشر على الأقل في 2014 وهو ما يقترب من مثلي العدد في 2013، حيث تدير المجموعة أصولا بقيمة 7.5 مليار دولار. وأضاف بدر الدين أن هناك بالقطع رؤية أوضح في معظم بلدان الشرق الأوسط وشمال إفريقيا مقارنة بالأعوام الماضية. استثماراتنا طويلة الأجل ونرى وراء الصعوبات القصيرة الأمد فرصا ونموا. وأضرت الاضطرابات السياسية في بعض دول شمال إفريقيا واعتمادها على الاقتصاد الأوروبي الضعيف بقطاع الأعمال في تلك المنطقة في السنوات الأخيرة، لكن شمال إفريقيا يجتذب الآن اهتماما جديدا مع استقرار الساحة السياسية والمناخ الاقتصادي الخارجي، وفي الشهر الماضي اشترت أبراج حصة في شركة كول فود المغربية للشوكولاتة مقابل مبلغ لم يعلن عنه. وقال بدر الدين إننا نتوقع إبرام 6 صفقات على الأقل في شمال إفريقيا هذا العام معظمها في قطاعات تركز على المستهلك وعلى مجال التعليم والرعاية الصحية، لافتاً إلى أن شركته في مرحلة متقدمة من المحادثات للاستحواذ على حصص في شركات سعودية وتركية وإماراتية. ومن الأمور التي لا تقل أهمية عن زيادة أموال الاستثمار إتاحة طرق لتخارج شركات الاستثمار المباشر من المشروعات التي استثمرت فيها سواء من خلال صفقات بيع استراتيجية أو من خلال الطرح العام الأولي. وطرحت شركة جلف كابيتال للاستثمار المباشر ومقرها أبوظبي أسهم شركة جلف مارين سيرفيسيز لتشغيل سفن الخدمات النفطية في بورصة لندن قائلة إن حصيلتها من الاكتتاب العام الأولي الذي يبلغ حجمه 300 مليون دولار تقترب من عشرة أمثال استثماراتها الأصلية، وكان هذا واحدا من أكثر عمليات التخارج من استثمار مباشر ربحا في الشرق الأوسط وعلامة إيجابية بالنسبة لبقية القطاع. وذكر كريم الصلح الرئيس التنفيذي لجلف كابيتال الشهر الماضي أن شركته تدرس الآن بيع أصول أخرى في محفظتها الاستثمارية منها حصتها البالغة 56 في المائة في شركة متيتو لمعالجة المياه ومقرها الإمارات والتي كانت قد اشترتها منذ ثماني سنوات. ولا يزال نشاط الاكتتاب العام الأولي راكدا في معظم أسواق الأسهم الخليجية منذ الأزمة العالمية لكن هناك بوادر تحسن، وفي الأشهر القليلة الماضية شهدت دبي أول عمليتي اكتتاب عام أولي منذ خمس سنوات. وقال محمد الشروقي رئيس منطقة الخليج في مجموعة إنفستكورب ومقرها البحرين والتي اشترت في 2009 حصة 70 في المائة في شركة لازوردي للحلي والمجوهرات ومقرها السعودية إن مجموعته قد تدرس طرح أسهم لازوردي للاكتتاب العام. وقامت إنفستكورب بأحد عشر استثمارا من خلال صندوق الفرص الخليجية التابع لها والبالغ حجمه مليار دولار. وأضاف الشروقي أن أسواق رأس المال في الشرق الأوسط وبخاصة في منطقة الخليج أكثر سيولة مما كانت عليه قبل ثلاث أو أربع سنوات، والأغنياء يزدادون غنى والمليونيرات يزدادون عددا. ورغم أن قطاع الاستثمار المباشر آخذ في الانتعاش لا يتوقع كثيرون أن يكون الصعود بالقوة التي حدثت قبل 2008. ويرجع هذا لأسباب منها أن هناك عددا أقل من اللاعبين الرئيسيين، وفي عام 2007 خلال الذروة جمع نحو 35 صندوقا نحو 6 مليارات دولار. ويقول مسؤولون تنفيذيون إن السوق باتت أكثر تنظيما من ذي قبل لعوامل منها أن اهتمام المستثمرين بالشفافية وحوكمة الشركات زاد عنه قبل الأزمة كما أن البنوك تعزف عن التمويل هنا وهناك بلا قيود ضامنة، كما أن بعض شركات الاستثمار ازدادت تطورا وأصبحت تفضل الاستثمار المشترك في صفقات محددة على أن تضخ مبالغ ضخمة في شركات إدارة الصناديق. من ناحية أخرى لم تتغير بعض الخصائص المميزة لسوق الاستثمار المباشر في الشرق الأوسط وبخاصة أهمية الشركات التي تديرها الأسر في منطقة فيها شركات كثيرة سريعة النمو إما مملوكة لعائلات أو للدولة. وأشار فراس ناصر العضو المنتدب والمدير المشارك لشركة كارلايل الشرق الأوسط وشمال إفريقيا إلى أنه كان لزاما على شركة كارلايل الأمريكية العملاقة للاستثمار المباشر أن تضع نموذجا جديدا لأعمالها في الشرق الأوسط والتي تختلف كثيرا عن أعمالها في بقية أنحاء العالم، مضيفاً أن كارلايل تستحوذ عادة في الولايات المتحدة وأوروبا على حصة الأغلبية أو على شركات بالكامل أما في الشرق الأوسط فإن أفضل الفرص بالنسبة لها هي تلك التي يعزف فيها أصحاب الشركات عن بيع حصة مسيطرة. وأكد ناصر أنهم يتطلعون لشريك فعلي في الأنشطة يمكن أن يساعدهم على تحويل نشاطهم الأسري إلى مؤسسة مهنية وعلى التوسع في أسواق جديدة قد لا تكون مألوفة بالنسبة لهم، وأن شركات الأسر لا ترغب في بيع شركة أقامتها العائلة على مر العقود، لذا فإن النموذج الذي اختارته شركة كارلايل في الشرق الأوسط هو أن تصبح مستثمرا استراتيجيا بحصة أقلية قوية تتراوح بين 30 و49 في المائة. ونفس النموذج اتبعته شركة إميرجينج كابيتال بارتنرز في آذار (مارس) الماضي حين وافقت على شراء 33 في المائة من شركة الأطلس للمشروبات الجزائرية التي تعمل في تعبئة مشروبات شركة بيبسي والمملوكة لعائلة مهري البارزة. وسيساعد هذا الاستثمار في تمويل توسعة بتكلفة 80 مليون دولار لشركة الأطلس التي ستزيد من طاقة التعبئة وستبني موقع إنتاج جديدا وستبتكر منتجات جديدة. وستقدم إميرجينج كابيتال بارتنرز مساعدة فنية لإدارة الأطلس. ويقول مسؤولون تنفيذيون إن من الأشياء التي لم تتغير في مثل هذه الصفقات هو أنه يظل بمقدورها تحقيق عائدات في الشرق الأوسط أعلى منها في أسواق الاستثمار المباشر الأكثر تطورا والأقل خطورة. ولفت الشروقي، إلى أن عائد الاستثمار في صفقات الاستثمار المباشر في الشرق الأوسط يتراوح بين 23 و27 في المائة، والمخاطر الأعلى تجلب عائدات أعلى، هذا مقارنة بـ 16 إلى 20 في المائة في المتوسط في الأسواق الأكثر تطورا كأسواق الولايات المتحدة وأوروبا.
مشاركة :