حزب التحرير يدعو إلى وأد الديمقراطية الناشئة في تونسجددت دعوة حزب التحرير بتونس إلى “إعلان وفاة الديمقراطية”، بمناسبة مؤتمره السنوي، الجدل الحاد بين مختلف الفعاليات الشعبية والسياسية التونسية من أطروحات الحزب المعادية للدولة المدنية والداعية إلى إحياء دولة الخلافة، والتي تمثل من وجهة نظر الحزب “الحل لكل مشاكل الأمة”.العرب [نُشر في 2017/04/17، العدد: 10605، ص(4)]ما الفرق بينهم وبين الإرهابيين تونس - تباينت ردود أفعال الشارع التونسي حول الدعوات التي أطلقها حزب التحرير بمناسبة أشغال مؤتمره الخامس الذي انعقد بضاحية سكرة بالعاصمة. واعتبرت قيادات الحزب خلال فعاليات المؤتمر أن “الديمقراطية لم تعد تجتذب أحدا.. آن أوان إعلان وفاتها والعمل على قبرها”. وجدد رئيس المكتب السياسي للحزب عبدالرؤوف العامري، خلال كلمة ألقاها في المؤتمر، الدعوة إلى إقامة “خلافة إسلامية”، معتبرا أن النظام الديمقراطي يعد شكلا من أشكال اضطهاد الشعوب، انطلاقا من كونه “نظاما علمانيا دخيلا على وعي الأمة وغريبا عن مشاعرها الإسلامية”. وشارك المئات من أنصار الحزب في فعليات المؤتمر، الذي انعقد تحت شعار “الخلافة محررة البشرية من اضطهاد الديمقراطية”. وأعادت هذه التصريحات الجدل حول أيديولوجية حزب التحرير المناهضة للديمقراطية وقيم الدولة المدنية والتي تتناقض مع صفته العلنية كحزب سياسي قانوني يفترض أن يلتزم بمعايير العمل السياسي واحترام النظام الجمهوري للدولة. وتطرح مواقف حزب التحرير تساؤلات واسعة إزاء الازدواجية التي يمثلها تواجده على الساحة الحزبية، من خلال عدم اعترافه بدستور البلاد وتناقض أطروحاته مع القانون المنظم للأحزاب، وعدائه الصريح للنظام الجمهوري . ويثير مشروع الحزب الساعي إلى إحياء نظام يجمع ما بين السلطة السياسية والدينية، مخاوف واسعة من المس بقيم الجمهورية وثوابت النظام المدني والدستور التوافقي للبلاد، في ظل نعرة متشددة تطبع تصريحات الحزب بلغت حد إهانة الرموز الوطنية بعد وصف العلم التونسي بـ“الخرقة”، وهو ما أثار غضبا شعبيا وسياسيا واسعا. وترافق المؤتمر مع دعوات متزايدة للحكومة بتجميد الحزب وحظر أنشطته بشكل نهائي على خلفية دعواته المتطرفة وأيديولوجيته المتشددة التي اعتبرت تحريضا على “الاقتتال والتطاحن”. وقال مهدي بن غربية، الوزير المكلف العلاقة بالهيئات الدستورية، إنه تقدم قبل أسبوعين “بطلب للقضاء لتعليق أنشطة حزب التحرير لمدة شهر”، وذلك بعد تصريحات لأعضاء في الحزب مسيئة للنظام الجمهوري.عدم توظيف الحزب لمنطق العنف لا يعفيه من كونه امتدادا للجماعات المتطرفة، من خلال تطابق أدبياته مع داعش وكانت السلطات التونسية قد قامت قبل أشهر بإحالة ملف حزب التحرير على القضاء العسكري للبت في إمكانية حله باعتبار تهديده للنظام الجمهوري، فيما رفضت المحكمة الابتدائية بتونس في أغسطس الماضي إيقاف نشاط الحزب . ووجهت الحكومة في السابق، مرارا، تحذيرات للحزب ذي النزعة الإسلامية تدعوه إلى تغيير قانونه الأساسي حتى يكون مطابقا للدستور، كما هددت بالدعوة إلى حله أمام القضاء بعد أحداث سوسة الإرهابية في يونيو من العام الماضي. وكانت السلطات التونسية قد منعت الحزب من عقد مؤتمره السنة الماضية بمقتضى حالة الطوارئ السارية، معتبرة أن مضامين برنامجه تعد تكريسا لمناهج التطرف ودعوات الجهاد والفكر التكفيري. وندّد حزب التحرير أثناء مؤتمره بما أسماها “محاولات لمنع وعرقلة أنشطته” ردا على قرار السلطات التونسية. وقال رئيس المكتب السياسي للحزب عبدالرؤوف العامري في تصريح صحافي “منذ سنتين ونحن نعرف تضييقا ممنهجا على عملنا السياسي اليومي مع المئات المحاكمات التي تعرض لها شباب الحزب”. ومن جهته اعتبر وزير الداخلية التونسي هادي المجدوب أن الآمر يتعلق “بحزب لا يعترف بالطابع المدني للدولة”، وذلك تعليقا على تصريحات قيادات حزب التحرير. ويدافع حزب التحرير عن الاتهامات الموجهة إليه بتغذية التطرف والتشدد الديني والدعوة إلى تطبيق الشريعة وإسقاط النظام المدني، بالتأكيد على سلمية مناهجه في العمل السياسي وعدم تبنيه لدعوات العنف أو التورط في دعم الإرهاب. ويشكك الخبراء في صحة هذه المزاعم التي يحاول الحزب تسويقها، مؤكدين أن عدم توظيف الحزب لمنطق العنف لا يعفيه من كونه امتدادا للجماعات المتطرفة، من خلال تطابق أدبياته ومشاريعه مع مناهج داعش وتنظيم القاعدة. وقوبل انعقاد المؤتمر بحالة من التجاهل من جانب وسائل الإعلام المحلية والقوى السياسية التي تجنّبت إصدار تعليقات أو مواقف حول الموضوع، فضلا على حرص السلطات على عدم منح الترخيص لتنظيم الحدث في فضاءات كبرى، وذلك بغاية منع النزعة الاستعراضية التي كان الحزب يعوّل على إضفائها على الحدث. وطغت النزعة التحريضية على خطاب الحزب خلال المؤتمر، وربط محللون بين الخطاب المتشنّج وتوقيت عقد المؤتمر وبين احتجاجات شعبية واسعة في عدد من مناطق البلاد الداخلية حاول الحزب الاستفادة منها لاستغلال حالة الاحتقان الاجتماعي وتعزيز أطروحاته القائلة بفشل الديمقراطية ومزيد تأليب الشارع وتحريك الأوضاع. وقال أمين عام الحزب رضا بالحاج بعد المؤتمر “ما يقع في تونس هو حالة من عدم الرضا يعبّر عنه تارة بالغضب وطورا بالتمرد والصخب، وهذا يعني أن الأنظمة التي تتحدث باسم الديمقراطية والانتقال الديمقراطي هي غير مقبولة”. وأضاف بالحاج “هذا من مبشرات أن الأمة على مشروعها متيقظة، الناس اليوم لها منسوب محترم من الوعي وقد أدركت أن هذه الأنظمة مرتهنة”. وأشار القيادي بالحزب سعيد خشارم، إلى “أن النظام الديمقراطي المدني في تونس ليس الحل وهو لم يعد قادرا على تمكين أفراد الشعب من ثرواته، كما أنه أضحى عاجزا عن محاربة الفقر”. وعلى العكس من المنحى التحريضي الذي ميّز خطاب حزب التحرير، أجمعت كل القوى السياسية في تعليقها على التحركات الاحتجاجية المطالبة بالتنمية والتشغيل السبت، على الدعوة إلى التهدئة ورفض التصعيد، مؤكدة دعمها المستمر لحكومة الوحدة الوطنية، وهو ما يمثل غطاء سياسيا قويا لرئيس الحكومة يوسف الشاهد.
مشاركة :