عندما وصل شهم مسكون إلى فرنسا قبل أربع سنوات لم يكن يملك أي شيء ولم يكن يتحدث الفرنسية. يقول هذا الشاب الحلبي، الأنيق، المهذب البالغ من العمر 28 عاما: "كانت مثل اللغة الصينية بالنسبة لي. شعرت وكأني طفل. كنت مضطرا إلى صنع حياتي مرة أخرى". كان قد تعرض للتعذيب في سورية وقُتِل كثير من أصدقاء طفولته.تعلم الفرنسية من التلفزيون، واليوتيوب، والدردشة مع الغرباء. "أنا فقط أحببت اللغة"، كما يقول. وهو الآن يتكلمها دون لكنة. كثير من الناس لا يستطيعون أن يصدقوا أنه سوري. وقد حصل على درجتي ماجستير وكانت الدراسة باللغة الفرنسية، ويعمل مهندس مشاريع في باريس، ويعطي الطلاب الفرنسيين طوعا دروسا خصوصية في الرياضيات والفيزياء.أصبح يعتز بأنه فرنسي. يخرج من جيبه بطاقة هويته الشخصية، التي تظهر في أعلاها عبارة "الجمهورية الفرنسية". يقول: "هذا البلد - الذي هو بلدي الآن - استقبلني عندما كنت محطما، عندما رفضني العالم".تلاشى 65 مليون نازح قسري في العالم (أعلى رقم تم تسجيله على الإطلاق) من الأخبار لكنهم لم يذهبوا بعيدا. ومن المتوقع أن يصل عدد كبير منهم إلى أوروبا هذا الصيف. بعض الأوروبيين يرفضون اللاجئين بحزم، لكن بعضا آخر منفتح أمام الإقناع. الإحصائيات أو التحليلات الاقتصادية أو المواعظ الأخلاقية لن تغير رأيهم. الأمر الذي يمكن أن يقنعهم هو العدد المتزايد من القصص مثل قصة مسكون.فر من سورية إلى بيروت، حيث أمضى ليلته الأولى في البكاء. في نهاية المطاف، كما يقول، نظر في المرآة وقال لنفسه: "أنا الشخص نفسه. ما زلت حيا. فقدتُ أصدقائي، لكن سأجد أصدقاء جددا. لقد خسرت بلدي، لكنني سأجد بلدا جديدا". مرّ بقطر والسودان ودبي وتركيا إلى أن استمع دبلوماسي فرنسي في إسطنبول إلى قصته وقدم تأشيرة له ولأخيه.عمل مسكون في ترتيب رفوف أحد محال السوبر ماركت في بلدة بيزانسون الشرقية، ثم في بيع الآيس كريم على شواطئ مونبلييه. والتقى فقط بثلاثة من العنصريين الفرنسيين، وتقدم بطلبات للجامعات، واكتسب عددا من الأصدقاء هناك. وهو يعيش الآن في بلدة مارن لا فاليه، إحدى ضواحي باريس، بالقرب من ديزني لاند مع والديه وثلاثة أشقاء نجوا جميعا من الحرب. يقول: "كنا محظوظين جدا، والحمد لله. لقد تعرضتُ للتعذيب، لكن لا بأس، لقد تعافيت. لدي أصدقاء فقدوا أفرادا من أسرهم. لدي صديق رأى أخته وهي تُغتصَب أمامه".يواجه كثير من السوريين في أوروبا صدمة ثقافية. وهذا يمكن أن يكون مفيدا. قال لي لاجئ آخر، محمد عنتر، إنه لا يمكن أن يتصور أن يتزوج في سورية من امرأة ليست بكرا. ولكن في باريس أصبح من أنصار الحركة النسائية، وسار في مسيرات نسوية، والآن لا يمكن أن يتصور أن يتزوج من امرأة بكر.لم يعان مسكون من مثل هذه الصدمة. يقول أثناء تناولنا الطعام في مطعم إيطالي: "في سورية يمكن أن يكون العشاء نفسه، في الجو نفسه (...) لا توجد مشكلة". مسكون يعرف أنه الرمز الذي يعطي صورة مشرقة للاجئين، وليس القاعدة. كثير من السوريين يعانون في أوروبا. ومع ذلك، الموجة الحالية من اللاجئين تشمل أعدادا كبيرة من الحاصلين على تعليم جيد، الذين سيحققون نجاحا في الغرب. عمرو، شقيق مسكون الأصغر، الذي غادر سورية وعمره 14 عاما، أصبح طالبا في الهندسة الحيوية وكوميديا في يوتيوب لديه 1.2 مليون متابع على فيسبوك. (في اسكتشاته عن عائلة سورية، يلعب دور كل عضو فيها). بدأ آلاف السوريين والعراقيين بفتح شركات في هولندا. أصبح اللاجئ السوري فراس الشاطر كوميديا ألمانيا شهيرا. من جيل سابق، محيد الطراد، البدوي السوري الذي فقد أمه، أصبح رجل أعمال من أصحاب المليارات في فرنسا.يعتزم والد مسكون البالغ من العمر 65 عاما فتح متجر هنا. قلة من الناس يخاطرون بحياتهم سيرا إلى أوروبا من أجل الاتكاء على أريكة والحصول على إعانات هزيلة من الدولة. تقريبا جميع اللاجئين الذين التقيت بهم منذ عام 2015 يريدون العمل بمنتهى الجد مقابل الحياة التي يعتبرها الغربيون الأشد كسلا على أنها حقهم الطبيعي - وإرسال الأموال إلى الأقارب الذين تقطعت بهم السبل في مناطق الحرب.امرأة فرنسية التقيت بها في مدينة ليل، تدرِّس اللغة الفرنسية في الثانوية منذ 40 عاما، قالت إنها لم تلتق قط بطلاب يتمتعون بهذه الحوافز القوية مثل طلابها اللاجئين. وهي واحدة من كثير من الأوروبيين الذين تقدموا في السن ولم يعد أولادهم يعيشون معهم، يعتبرون أن هدفهم في الحياة الآن هو مساعدة اللاجئين. هناك رجل في ليل اسمه جاستون آوى 100 لاجئ في منزله على مدى عدة سنوات. وقد طرد من منزله رجلا أفغانيا لم يستطع التكيف مع الحياة الغربية؛ كان يرفض أن يسلِّم باليد على ابنة جاستون. ويقول إن الآخرين جميعا كانوا على ما يرام. هذا النوع من الرعاية الخاصة على الطراز الكندي طريقة جيدة لإدماج اللاجئين أفضل من إبقائهم خاملين رغما عنهم في مراكز تديرها الحكومة. الرعاية الخاصة تحقق نتائج جيدة في استطلاعات الرأي حتى في فرنسا المناهضة للمهاجرين. يعتزم مسكون "أن يسدد دَينه الذي أخذه من هذا البلد". ويقول إنه يمكن أن ينتهي به المطاف بأن يتزوج من امرأة فرنسية. لكن حلمه هو العودة إلى سورية. في الليلة التي التقينا فيها كان يتألم بسبب الأطفال الذين قتلوا في آخر هجوم بالسلاح الكيماوي. يقول: "أعتقد أن بلدي سيحقق السلام يوما ما. لكنه سيكون قد تعرض للدمار. سيشرفني أن أكون جزءا من الجيل الذي يعيد بناء سورية".Image: category: FINANCIAL TIMESAuthor: سايمون كوبر من باريسpublication date: الثلاثاء, أبريل 18, 2017 - 03:00
مشاركة :