شاهدت مقطع فيديو منتشراً على مواقع التواصل الاجتماعي لجرافات تزيل مجسماً جمالياً من أمام مبنى أمانة منطقة القصيم بسبب أنه على شكل «صليب». الغريب أن «المجسم» منشأ منذ 25 عاماً ويقع في قلب مدينة بريدة. الأمانة لبّت اعتراض بعض المواطنين على وجود الصلبان فيه، والغريب في القصة هي الفترة الطويلة التي كان «رابضاً» فيها هذا «الشكل الجمالي» ولم ينتبه له أحد كل هذه السنوات، وكلنا يعرف أن مرحلة الصحوة أو «الغفوة» ناشطة وبقوة وقت بنائه وهذا مثير للاستغراب جداً، في فترة ذروة الصحوة قبل 30 سنة كانت قامعة لأي مظهر من مظاهر الحياة ومنها الفنون، إذ خلت مدن ومناطق بأكملها من محال التسجيلات الفنية مثلاً، إما أغلقت أو تحولت إلى تسجيلات إسلامية، فكيف مرّ وجود «صلبان» في هذه الشكل الجمالي عليهم؟ أعتقد أننا بمثل هذه الأعمال، وخصوصاً بقايا نتاج الصحوة، الذين يعملون جهدهم الآن لإحراج الجهات الرسمية، انطلت علينا للأسف باسم الغيرة على الإسلام، إذ إن بعضهم يصورها على أنها مؤامرة غربية مسيحية على الإسلام في عقر داره، وأنا على قناعة أن أغلب من «يتنطعون» بذلك لا يمانعون وجودها في دول إسلامية أهواؤهم معها، بل إن صورهم منتشرة مع تلك التماثيل في تلك الدول. إشكال بعضنا أنهم يهتمون بالشكل الخارجي للأشياء، خصوصاً في الداخل، ويحاولون إيجاد أي منكر فيها بطريقة ضيقة ومضحكة وساذجة، ولكن نجد الأتباع لهم كثراً، أحدهم مثلاً يحرم دخول الكنائس، وفي لقطة ثانية نجده داخلها وهو مبتسم ويصافح رجل دين مسيحياً، والآخر يحرم الاختلاط ونجده يجلس بين النساء في المؤتمرات الخارجية. يبدو أن التنظيم الذين يتبعونه يوجههم بالتلاعب بمشاعر وعواطف الجماهير بالداخل وهكذا تستمر المسرحية، وأنا لا أستبعد أن تكون حادثة إزالة «مجسم الأمانة» من حركاتهم لإثارة الرأي العام ضد ما تعيشه المملكة من بداية انفتاح حقيقي في مجال الفنون، الذي تمثل بإنشاء هيئة عامة للترفيه التي بدأت عملها بشكل جريء، وهذا باعتقادي دور المؤسسات الرسمية لتفكيك منظومة التشدد والظلام الذي أغرقونا فيه عشرات السنين. بعضنا يطرح أن في الحياة أشكالاً متعددة يمكن أن تفسر على أنها على شكل «صليب»، فهل نغلق التقاطعات في شوارعنا، أو نلغي تسمية «الرابط الصليبي»، والأمثلة كثيرة على ذلك، ولكن الإسلام أرقى وأوسع من هذه التفسيرات الضيقة للنصوص الدينية، فلا نريد أن يأتي من يشبّه هذا العمل بما قامت به طالبان من هدم الآثار في أفغانستان، أو ما يقوم به داعش من تحطيم الآثار الإنسانية في العراق وسورية. المملكة تقوم بمشاريع تهدف إلى التقريب بين أتباع الأديان، ومنها مركز الملك عبدالله العالمي للحوار بين أتباع الأديان والثقافات في فيينا، إذ يجتمع فيها أصحاب الديانات السماوية للحوار وتعزيز قيم السلام والتفاهم بينها، في المقابل نجد بعضنا يضر بهذه الجهود الخيرة لسبب معروف، وهو خلط الديني بالسياسي لتمرير أجندته السياسية. علينا احترام الرموز الدينية للأديان الأخرى، كما نحب أن يعاملونا بالمثل في بلدانهم. نقلا عن الحياة
مشاركة :