الإبداع الجريء سيغير المنظومة الثقافة العربية السائدة بقلم: حنان عقيل

  • 4/18/2017
  • 00:00
  • 4
  • 0
  • 0
news-picture

الإبداع الجريء سيغير المنظومة الثقافة العربية السائدةمنذ روايته الأولى “أزمنة من غبار” وحتى “الكومبارس”، يعمل الروائي المصري ناصر عراق على مشروعه الروائي بخصوصية وتفرد، فلا يكف عن مساءلة التاريخ عن الواقع أو طرح تصوراته عن الراهن والمستقبل والإنسان في المقام الأول الذي بات ضحية لواقع مأزوم ومستقبل غامض. “العرب” كان لها هذا الحوار مع ناصر عراق عن أعماله الروائية وانشغالاته الأدبية والثقافية:العرب حنان عقيل [نُشر في 2017/04/18، العدد: 10606، ص(15)]يجب على الروائي أن يكون منصتا جيدا في رواية “الأزبكية”، الصادرة عن الدار المصرية اللبنانية في القاهرة، والفائزة بجائزة كتارا في العام الماضي، تدور الأحداث في الفترة التاريخية الممتدة من الحملة الفرنسية على مصر حتى بداية حكم محمد علي. يؤمن عراق بأنه كي نفهم الحاضر المعقد ينبغي أن نعود إلى الوراء قليلا، عسى أن نكتشف درجة من التشابه بين الماضي وذلك الحاضر، موضحًا أن الفترة التي استلهم أجواءها في “الأزبكية” تطرح الأسئلة نفسها التي يفرضها علينا واقعنا الحالي، فعلى سبيل المثال تولى حكم مصر فور خروج الحملة الفرنسية عام 1801 وحتى وصول محمد علي إلى السلطة في 12 مايو 1805، ستة حكام أجانب قتل منهم اثنان، وفي مصر الحالية كان هناك خمسة حكام في الفترة من 2011 حتى 2013. يتابع عراق “كذلك تثير الفترة القديمة أسئلة ما زالت مطروحة في الفترة الجديدة، وأهمها الموقف من الغرب، وعلاقة الدين بالوطن، والموقف من المرأة، كل هذه الأسئلة التي فجرتها الحملة الفرنسية على مصر لم تجد لها إجابة حاسمة حتى هذه اللحظة، وبالتالي فقد حاولت استلهام التاريخ بحثا عن إجابات للواقع الحالي”. مهمة الروائي ينوه عراق إلى أن كتابته للرواية استغرقت وقتا طويلا في الإعداد، فقد طالع نحو خمسين مرجعًا وكتابًا عن تلك الفترة الزمنية، حتى يستطيع تخيلها وامتصاصها في وجدانه وعقله بصورة تسمح له بأن يعبر عنها بشكل لائق يحترم عقلية القارئ، موضحًا “أظن أن من يريد استلهام فترة تاريخية معينة عليه أن يلم بجوانبها كافة حتى يتمكن من تشييد بناء معماري فاتن ومؤثر وجميل، وأعتقد أنني من أولئك الروائيين الذين يولون الجانب البحثي أهمية قصوى قبل أن يباشر كتابة رواية، فعلى سبيل المثال إذا شرعت في كتابة رواية تدور أحداثها في الستينات أو السبعينات من القرن العشرين يجب أن أدرس هذه الفترة جيدًا من حيث طبيعة الظروف السياسية والاجتماعية وأسعار السلع ومستوى الثقافة والجوانب الفنية المتنوعة، إلى آخره، حتى أمسك بالزمان والمكان بشكل جيد قادر على إقناع قارئ هذه الأيام بأنه يجوب في فضاء الستينات والسبعينات”. تأتي أعمال عراق الأدبية مُحمَّلة بهموم المجتمع والإنسان، رغم ذلك يؤكد ضيفنا أن الروائي عليه أن يكتب بشكل جيد في المقام الأول، أن يتقن عمله ويتعب من أجله، أن يرتفع بالذوق العام، أن يطرح الأسئلة الكبرى بذكاء دون وعظ أو إرشاد، مبينًا أن ثمة غموضا في فهم الدور الاجتماعي أو السياسي للمبدع أو الفنان، حيث يطالب بعض الناس المبدع بأن يكون له دور اجتماعي محدد، أو يقرّون بأن كتاباته ينبغي أن تحدث التغيير المنشود في التو واللحظة، وهذا كله خطأ.الجوائز تشعل المنافسة، والمنافسة تحفز المبدع على أن يجود عمله، فالأمم لا تتطور إلا إذا دخلت في تحديات يستطرد عراق “مع ذلك يصح القول إن تراكم الأعمال الإبداعية المتميزة على مر السنين سيسهم لا ريب في تغيير المنظومة الثقافية السائدة التي تخاصم التطور وتعادي الحريات”. في روايته “الكومبارس”، الصادرة أواخر العام الماضي، تحضر ثورة يناير على خلفية الشعور باللاجدوى والعدمية لدى بطل العمل في ظل ظروف شخصية وأخرى سياسية واجتماعية أفضت به إلى ذلك. حال “الكومبارس” ربما بات مشابهًا للكثير من الشباب المصريين بعد سنوات من الثورة، هنا يقول عراق “عندما نقرأ جيدًا تاريخ الثورات المغدورة أو الفاشلة في العصر الحديث نكتشف أن الإحباط هو سيد الموقف، وعلينا مراجعة ثورة 1905 في روسيا، وثورة الصين عام 1925، وانتفاضة يناير 1977، وكلها ثورات أخفقت في تحقيق أهدافها الرئيسة، وأظن أن هذا ما حدث عقب ثورة يناير 2011. صحيح أننا طردنا مبارك من عرين السلطة، وصحيح أيضا أننا اقتلعنا شجرة التوريث من الجذور، لكننا لم ننجح في تحقيق العدالة الاجتماعية ولا الحريات السياسية ولا توفير العيش بكرامة كما طالب الملايين من المتظاهرين في الميادين، الأمر الذي انعكس على حالة الغالبية العظمى من الشباب، ولعل بطل رواية ‘الكومبارس‘ كان نموذجا للإخفاق العام في مصر لا عقب ثورة يناير، وإنما منذ أربعة عقود مضت”. مستقبل العالمأعمال مُحمَّلة بهموم المجتمع والإنسان المرأة لها حضور خاص ومهم في أعمال الكاتب، يظهر ذلك بشكل واضح في روايته “نساء القاهرة. دبي”.. يلفت عراق إلى أن المرأة مستقبل العالم كما قال مرة الشاعر الفرنسي لويس أراغون، وبالنسبة إليه فقد كان محظوظا لأن الأقدار منحته أُمًّا مثقفة تقرأ وتطالع وتملك عقلية نقدية لافتة، رغم أنها لم تلتحق بأي مدرسة، وإنما تولى والده الراحل عبدالفتاح عراق تعليمها القراءة والكتابة، وكان يقتني لها روايات ومجلات وصحفا يومية، كما كان يصطحبها إلى صالون سلامة موسى الذي كان يعقده في فيلته بمنطقة الفجالة في أربعينات القرن الماضي. هذه الأم النادرة رحلت في المستشفى عام 1997، وتحت وسادتها رواية ماركيز “سرد أحداث موت معلن” وهي آخر ما قرأت. يستطرد عراق “كذلك وهبتني الأقدار شقيقتي الكبرى الدكتورة ماجدة التي رحلت عام 2016، وهي بمثابة الأم الثانية، إذ تكبرني بأحد عشر عامًا، ورغم أنها حصلت على الدكتوراه في الفيزياء النووية من لندن فإنها كانت تشرح لي ولشقيقي الأصغر قصائد شوقي والمتنبي ونزار قباني، وتفسر لنا أغنيات أم كلثوم ونجاة وشادية وفيروز ونحن أطفال أو صبيان. ومن ينسى دور أم كلثوم وفاتن حمامة وأمينة رزق وسعاد حسني ولطيفة الزيات ونازك الملائكة وأنجي أفلاطون وغيرهن كثيرات أسهمن في تعزيز ثقافتنا العربية والسمو بذائقتنا الفنية؟ لذا كانت روايتي (نساء القاهرة. دبي) محاولة ما لإعادة الاعتبار لدور المرأة في حياتنا، خاصة وأنها تعرضت لظلم كبير جدًا في العقود الأخيرة على يد تجار الدين والتيارات الإسلامية المتشددة”. حصل عراق على جوائز مهمة منها جائزة كتارا الكبرى في الرواية العربية، في دورتها الثانية 2016، فضلًا عن وصول روايته “العاطل” إلى القائمة القصيرة في البوكر العربية لدورتها الخامسة 2012. يشير الكاتب إلى أن الجوائز تشعل المنافسة، والمنافسة تحفز المبدع على أن يجتهد ويجوّد عمله حتى يظفر بنعمة الفوز، علما بأن الأمم لا تتطور إلا إذا دخلت في تحديات ومنافسات مع نفسها ومع الأمم الأخرى، إذن الجوائز لها مردود إيجابي بالغ الأهمية على مجمل المشهد الإبداعي العربي. يرى عراق أن الروائي الناجح هو من يملك مشروعا روائيا يعمل على تطويره وإنجازه واستكماله من عمل إلى آخر، بغض النظر عن أن كل رواية جديدة تكمل ما قبلها. هذا المشروع الروائي ينبغي أن ينهض على عدة عوامل منها أن يكون الروائي منشغلا بالإنسان، بحاضره ومستقبله، بهمومه وأحلامه وطموحاته، أن يكون الروائي مدفوعا برغبة جارفة في التعبير عن رأيه فيما يحدث حوله، أن يمتلك تصورا عاما للحياة والموت والصراع والماضي والمستقبل، أن يكون الروائي عاشقا للغة التي يكتب بها، يحلم بابتكار تراكيب جديدة، يحرص على تفجير طاقاتها الخلاقة، وقبل كل شيء يجب على الروائي أن يكون منصتا جيدا لكل ما حوله.

مشاركة :