حكاوي سلسال القتل.. الدماء لا تجف في سوهاج

  • 4/18/2017
  • 00:00
  • 1
  • 0
  • 0
news-picture

نكشف ضوابط «القتل» فى الصعيد.. والقضية لا تسقط بالتقادم
فى جوف صعيد مصر بمحافظة سوهاج، يعتبر أبناء محافظة سوهاج أن الثأر قضية لا بد من البت فيها، ولا تحتمل التأجيل، فحين تسنح الفرصة لصاحب الثأر من الاقتناص من غريمه، ينقض عليه كالذئب الذى ينهش الفريسة، ليشفى غليله، دون أدنى رحمة تأخذه بمن يريد هو قتله.
«البوابة» ذهبت إلى محافظة سوهاج فى قلب صعيد مصر، لتكشف عن خبايا الثأر، والعادات والتقاليد المرتبطة به.
لا يخلو شهر بمحافظة سوهاج إلا وتعالت الأصوات التى تنشد المقاطع الغنائية الحزينة، من النساء باكية على الشباب الذين يقتلون أخذا بالثأر، قائلة: «كنت فين يا وعد يا مقدر» _ «دى خزانة وبابها مسدر» «التار ولا العار يا ولدى»، و«يا خال ربينى وودينى حداك.. لا بد أبويا يوم الرحيل وصاك» وغيره الكثير.
حيث شهدت المحافظة الأسبوع الماضى مقتل ٥ أفراد من عائلة «القوايدة» على يد أحد أفراد عائلة «الطواهى» حال استقلالهم سيارة ملاكى، أطلق عليهم النار وأصيب ثلاثة آخرون، وذلك نتيجة مقتل أخيه من قبل على يد أحد أفراد عائلة «الطواهى».
لكن فى بعض الأحيان تنجح المصالحات بين الطرفين، فقد أكد رئيس لجنة المصالحات بمحافظة سوهاج، أن لجنة فض المنازعات تمكنت من إنهاء ٢٧٥ خصومة ثأرية، من إجمالى ٣٧٠ حالة، خلال الأشهر الماضية، وأضاف أن الخصومات الثأرية العامل الرئيسى فى إعاقة تقدم مسيرة التنمية والاستثمار داخل المحافظة، ومن جهة أخرى تضعف العائلات القوية وتميت العائلات الضعيفة، وأضاف أن الخصومات الثأرية تحتاج لوقت لكى تجف آثارها السلبية ولكن يجب الحرص على عدم إطالة هذه المدة حتى يعم السلام محل النزاع.
شریعة الغابة تسود
يخلف الثأر من خلفه بحارا من الدم، وأسرا مهجرة، وأطفالا يتيمة، ونساء مرملة، ومجتمعات متخلفة، وبيئات لا تصلح للنمو، ولا تساعد على الاستقرار، ولم تتمكن تلك المؤسسات التعليمية الشاهقة بجوف الصعيد من اقتلاع تلك العادات الرجعية، أو القضاء عليها، بسبب انتشار الفقر والجهل والتهميش والعصبية القبلية، وقد يقوم المتعلمون بتلك المجتمعات بالتخطيط والتدبير لتلك المجازر الثأرية، والفئة الأقل منهم تعليما هم من يقومون بالعنف، والأغنياء يتولون الإنفاق على كل ما سبق، إضافة لأهالى المسجونين وقتلى الثأر من عائلاتهم.
المرأة حاضنة الثأر
لا شك أن المرأة تلعب دورا لا يُستهان به فى عملية الثأر، حيث تقوم كحارس أمين على تلك العادات والتقاليد، وتنشئة الأطفال عليها وتهيئتهم وتحريضهم للحظة الحاسمة، وبتأجيج نيران الثأر فى الصدور وتوريثه لأجيال بعد أجيال، فالمرأة تكاد توهب حياتها بالكامل للثأر لأب أو زوج أو أخ أو ابن قتل غدرا، وقد تضطر لحمل السلاح فى بعض الأحيان، وعادة لا تقل فترة الحداد لدى المرأة فى الصعيد عن عام، وربما يمتد الحزن مدى الحياة إذا كان الفقيد زوجًا أو ولدًا فى مقتبل العمر، وإذا ما حاول أحد الخروج عن تلك التقاليد الصارمة، اعتبره الأهل ذلك خيانة للفقيد.
المرأة والضیف
جدير بالذكر، أن الأهالى بكثير من قرى صعيد مصر وسوهاج خاصة يميزون المرأة والضيف الغريب فى الثأر عن الرجل صاحب المكان والأهل، حيث المرأة والضيف، كلاهما برجلين وليس رجلا واحدا فى عملية الثأر، وذلك تقديرا لهم، ولذلك قلما تدخل النساء فى عملية الثأر، ولا يهاجم الخصم خصيمه إذا كان يسير فى جنازة أو مع ضيف، لأن ذلك يقلل من شأن القاتل.
تقوم بعض العائلات بصعيد مصر بشراء ترسانات من الأسلحة ويخفونها حتى تحين لحظة الأخذ بالثأر، فتظهر وكأنها جيش جرار، فى حين يتولى التمويل أثرياء العائلة، كما يقوم هؤلاء بالإنفاق على أسر من يقتلون أو يسجنون فى مسلسل الثأر الدامى، ولا يعتبر أهالى القتلى بسوهاج السجن بديلا عن الثأر، فالسجن فى نظرهم حق الدولة، ولكن حقهم لا ينتهى إلا بالثأر من القاتل وعائلته.
الأولى بالثأر ومِن منْ؟
يقول «أحمد طه «شيخ بلد بإحدى قرى سوهاج، أن للثأر ضوابط معروفة فى الصعيد، فالأبناء هم الأحق بالقصاص لدم أبيهم، يليهم الإخوة الأشقاء، فالإخوة غير الأشقاء، وإذا لم يكن للقتيل أبناء أو إخوة، فحق المطالبة بالدم ينتقل إلى أبناء العم الأشقاء، ومنهم إلى أبناء العمومة غير الأشقاء، والثأر فى الصعيد لا يلزم سوى أقارب «الدم» أى من ناحية الأب، ولا علاقة لأقارب الأم بعملية الثأر، وإن كان الأمر لا يخلو من الدعم والمساعدة فى كثير من الأحيان.
أما فيما يتعلق بمن يتم أخذ الثأر منه، فالأمر أكثر تعقيدا، ففى الغالب يتم استهداف القاتل باعتباره المسئول عن اندلاع الخصومة، ولكن فى بعض الأحيان تحرص بعض العائلات على قتل من يوازى فى أهميته وعمره رجلها المقتول، فإذا كان المقتول أحد كبار العائلة تم قتل من يساويه مقاما فى العائلة الأخرى، وإذا كان القتيل شابا يتم اختيار أحد شباب الخصوم، وفى كل الأحوال يتم الحرص على أن تقتصر دائرة الثأر على القاتل أو الدائرة الضيقة من أقاربه، فيقال «المعركة عيلة.. والقتيل بيت»، بمعنى أن العائلة تشارك بأكملها فى التشاجر، ولكن حين يقع القتيل يقتصر الأمر على بيت القاتل والقتيل فقط، وينحصر دور باقى أفراد العائلتين فى الدعم المادى والمعنوى.
نزاعات ثأریة
وقال اللواء مصطفى مقبل، مدير أمن سوهاج، إن النزاعات الثأرية فى كثير من محافظات مصر ومنها سوهاج، لا تستدعى أن يكون هناك ثأر بين الطرفين، لأنها أسباب بسيطة يمكن حلها بأقل مجهود وتحكيم العقل فى ذلك، ولكن طبيعة الرجل الصعيدى حامية وشهامة زائدة، مما يجعله فى كثير من الأحيان يندفع فى بعض الأمور، والتى لا يحمد عقباها، فقد يكون الثأر على أولوية سير بالطريق، أو أولوية رى الزراعات بين الفلاحين، أو أولوية السير بالسيارة قبل الآخرين فى طريق ما، أو شجار ناتج عن لهو أطفال ينتهى بمقتل أحد الطرفين، أو معاكسة فتاة، أو شجار على قطعة أرض، أو مبلغ من المال.
إخماد النار بین المتخاصمین
يقول العميد خالد الشاذلى، مدير مباحث سوهاج، إن لجان المصالحات بالمحافظة من رجال الأمن وكبار العائلات، بالاشتراك مع الأزهر الشريف والأوقاف، وبعض المؤسسات والجهات الداعمة للدولة نجحت فى فض كثير من المنازعات فى الفترة الماضية، وما زال هنالك بعض النزاعات جار حلها، وخاصة أن الثأر لا يسقط بالتقادم، حتى لو ظل القاتل سنوات طويلة مختفيا أو خلف القضبان.
وأضاف «الشاذلى» حيث يتم تقديم القودة «الكفن» من أهل القاتل إلى أهل القتيل، وسط تجمعات من أهالى الطرفين، وبعض أهالى القرية والقرى المجاورة، والمطالبة بالصفح والسماح، ونعمل بمديرية أمن سوهاج على إزالة تلك الخلافات بأقل الخسائر، ونتدخل فى الوقت المناسب لإخماد النار بين المتخاصمين، وأضاف «الشاذلى» أن للأزهر دورا كبيرا فى فض المنازعات بمحافظة سوهاج، بقيادة الإمام الأكبر أحمد الطيب والدكتور عباس شومان، وكيل شيخ الأزهر، والشيخ محمد زكى، رئيس لجنة الدعوة بالأزهر الشريف، والدكتور على عبدالحافظ وكيل أزهر سوهاج، وغيرهم.
انتشار الأسلحة
أكد الرائد «أحمد المشنب» رئيس مباحث مركز طهطا، أن انتشار الأسلحة بين الأهالى بصعيد مصر وخاصة بعد أعقاب ثورة يناير التى شهدت كثيرا من الفوضى، جعل الطرق أمام أهالى المجنى عليه سهلة للاقتصاص من الخصم وأخذ الثأر، فضلا عن انتشار الأسلحة بأياد غير الراشدين من الشباب، مما يوقعهم فى عملية الشجار والتباهى بالأسلحة والتى قد يروح ضحيتها كثير من الشباب، مما يخلف ثأرا مع الآخرين.

مشاركة :