“الرقود السبعة” نسخة تونسية لقصة أصحاب الكهف

  • 5/9/2014
  • 00:00
  • 8
  • 0
  • 0
news-picture

يعتقد سكّان مدينة “شنني” الجبلية المتأصّلة في عمق التاريخ التونسي، أن قصّة أصحاب الكهف التي ورد ذكرها في القرآن، حدثت بمنطقتهم، وأن “الرقود السبعة” (أهل الكهف) مدفونون في “الغار” (الكهف) المتواجد في قمة أحد الجبال الذي أسسّ فيه أجدادهم مدينة “شنني” منذ عدّة قرون. تتبع مدينة “شنني” محافظة تطاوين التونسية (جنوب) وهي تقع محاذية لمقام “الرقود السبعة”. وتأسست المدينة على أيدي عدد من السكان الأمازيغ منذ القرن الثاني عشر ميلاديا، وهي القرية الجبلية الوحيدة التي مازالت تنبض بالحياة في المنطقة، بعد أن خضع الكثير من سـكّان القرى الجبلية المجاورة لإغراءات التمدّن ونزحوا منها. ويعدّ مقام “الرقود السبعة” الركن الأساس لهذه القرية الجبلية والمرجعية، التي حفظت بقاء سكّانها منذ مئات السنين، رغم قسوة المكان، كونه مقاما يرقد فيه “أولياء الله الصالحون”، أهل الكهف الذين ذكرهم القرآن وباقي الكتب السماوية، وبه يتبرّكون. ويتوسط المقام جامع بصومعة فريدة بنيت وفق الميزات الثقافية الأمازيغية، ويحيط بالجامع الصغير عدد من القبور الممتدة طولا (حوالي 4 أمتار)، يعتقد السكان أنها لأصحاب الكهف “الذين هربوا من بطش الملك دوقيانوس الذي أراد قتلهم بعد أن اكتشف إيمانهم وتوحيدهم الله”. ويمتد المقام على مساحة تقدّر بحوالي 200 متر مربّع، ويبدو مكانه جليّا من بعيد في أعالي جبال المنطقة التي تتبع سلسلة جبال الأطلس الممتدة إلى المغرب. يقع “الغار” (الكهف) في الناحية الخلفية للمسجد، حيث يشير حارس المقام وهو يضرب بيده على حجرة عملاقة، يعتقد أنها تغلق الغار منذ آلاف السنين، قائلا “إن أنّاسا كثيرين حاولوا زحزحة هذه الحجرة لمعرفة ما بالغار، غير أنهم عجزوا، رغم الجرّافات التي اصطحبوها”. ويضيف في يقين يبدو غير مصطنع أن “اللهّ هو الذي أغلق الغار لحماية أوليائه الصالحين من ظلم أحد الملوك منذ آلاف السنين”. ومن جهته، يقرّ بوبكر الزّيان (21 عاما)، يعمل كدليل سياحي للمقام، بأن أهالي “شنني” على يقين بأن عدد أهل الكهف مخفي كما ورد في نصّ القرآن الكريم “لا يعلمهم إلاّ الله”، غير أن هذا المقام يتضمّن جملة من العلامات المتوافقة مع ما ورد في القرآن حول قصّة أهل الكهف. ويمضي قائلا: “لدى سكّان شنني والجنوب التونسي عموما اعتقاد شعبي متجذر بأن سبعة من المؤمنين الصالحين قبل آلاف السنين هربوا من ظلم حاكم مملكة “دوقيانوس”، وهي المملكة التي مازالت آثارها قائمة في هذه المنطقة، ولجؤوا إلى هذا الغارّ حيث ناموا لمدة 309 سنين، قبل أن يستيقظوا ويجدوا أنفسهم غرباء في عالم جديد، وأمر ملك ذلك العصر ببناء مسجد على الغار الذي اختبؤوا فيه”. ويشير إلى “أن اتجاه الشمس حول هذا الغار يتطابق مع ما نصّ عليه القرآن في سورة أهل الكهف، حيث “تزّاور” الشمس يوميا عن فتحة الغار عن اليمين في الشروق، وتقرضه ذات الشمال إذا ما غربت، أي أن الشمس تميل عن فتحة الغار عند مشرقها ولا تصيبه عند الغروب”. هذا الأمر يعتبره علامة ترجّح فرضية وجود أهل الكهف بـ”شنني” في تونس وليس الأردن أو تركيا أو اليمن كما يعتقد ذلك سكان تلك البلدان. ويضيف بوبكر أن من المعجزات التي ثبتت في “مقام رقود السبعة” الصومعة التي تميل في وسطها في انحناءة خفيفة نحو القبلة، مشيرا “إلى أنه تم ترميم الصومعة في مناسبات عديدة من أجل تسوية الاعوجاج الخفيف فيها لكن بعد كل ترميم سرعان ما تعود إلى الانحناءة الخفيفة، إنّها راكعة في اتّجاه القبلة. اليوم، أضحى مقام “رقود السبعة” وعين الماء العذب المجاورة له من المعالم السياحية المميّزة للجنوب التونسي، فإلى جانب طابعه الثقافي التاريخي، يمثّل المقام أحد العوامل الجاذبة للسيّاح، الذين يستلطفون منطقة فريدة جمعت في تضاريسها الجبال الشاهقة والصحراء الواسعة. وباتت مدينة “شنني” الجبلية عموما، المتضمنة للمقام، منذ حوالي سبع سنوات، من المعالم التي تحظى بعناية منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة (اليونسكو) عبر مشروع واسع من أجل ترميمها والمحافظة عليها. وتتداول أجيال بعد أجيال حكاية “الرقود السبعة” في الجنوب الصحراوي لتونس، باعتبارها اعتقادا متجذرا يستغله الكبار في تربية صغارهم، لما يحمله من قيم “الإيمان والعدل، ونصرة الحق على الباطل”.

مشاركة :