ليل الرياض أصبح نهاراً - رودي دراموند *

  • 8/1/2013
  • 00:00
  • 24
  • 0
  • 0
news-picture

لقد حانت ساعة الرحيل، بعد انتهاء فترة عملي في الرياض ومن حسن حظي أنها تزامنت مع نهاية هذا الشهر الكريم. لقد كان لرمضان الفضل في التعرف على العديد من السعوديين الذين أصبحوا فيما بعد من اقرب أصدقائي. في رمضان يتجلى المفهوم الحقيقي للعطاء، فتجد موائد الرحمن بجوار كل مسجد وترى المحسنين يفرغون ما بسياراتهم من طعام وشراب داخل الخيام الملحقة بالمساجد لإفطار الصائمين، وترى الجميع يتسابقون عند إشارات المرور والتقاطعات الرئيسية قبيل ساعة الإفطار لتزويد المارة والسائقين بالماء والتمر واللبن. أغادر بلدي الثاني المملكة العربية السعودية بعد أربع سنوات مليئة بالأحداث والتحديات وكان شهر رمضان العامل الملطف لكثافة العمل. لقد عرفت الكثير قبل مجيئي الى المملكة العربية السعودية والمنطقة من خلال احتكاكي بالمسلمين في بريطانيا. ولكن بالطبع مظاهر الشهر الكريم تتجلى هنا بشكل واضح، حيث لا يتعلق الأمر بالصوم عن الطعام والشراب فحسب، بل هناك تذكير دائم بأهمية الأسرة وضرورة مساعدة من هم اقل حظا. يوجد في بريطانيا أكثر من مليوني مسلم وحوالي 1500 مسجد. والمركز الإسلامي في لندن هو الأكبر في أوروبا. وفي بريطانيا لا تتغير أوقات العمل ولا تغلق المطاعم قبل الإفطار ولكن تتجلى مظاهر الاحتفال داخل المنازل وفي المساجد وفي الأحياء التي غالبية سكانها من المسلمين. على الرغم من أن ليل لندن لا يتحول إلى نهار كما هو الحال في الرياض، إلا أن تجمع المسلمين حول المساجد سواء للإفطار أو السحور وقراءة القرآن والصلاة لوقت متأخر غالبا ما يعطي هذا الانطباع. لقد امتزجت المناسبات التي يقيمها أصدقائي هنا لتوديعي بحفلات الإفطار والسحور. وأؤكد لكم أنني سأفتقد تسلسل وجبة الإفطار التي عادة ما تبدأ برشفات من القهوة العربية وأكل ثلاث أو خمس أو سبع حبات من التمر، اقتداء بالسنة النبوية كما ابلغني أصدقائي، ثم يقيمون صلاة المغرب وبعد ذلك يبدأ الطبق الرئيسي في جو عائلي مليء بالبهجة ويتخلله عبارات شكر للخالق على النعم التي لا تعد ولا تحصى. واحدة من مميزات العمل الدبلوماسي انك تتعرف على العديد من الثقافات وتمر بالعديد من التجارب المختلفة المتعلقة ليس فقط بأغلبية السكان ولكن أيضا بالأقليات. فوجدت من خلال عملي في سوريا وقطر والمملكة العربية السعودية انه لا يوجد اختلاف فيما يفعله الناس في رمضان، ربما شكل المائدة يختلف ولكن القيم الرمضانية المتعلقة بالتعايش والإحسان والإسراع في عمل الخير والعطف على المساكين هي سمة مشتركة في جميع الدول التي عملت بها أو زرتها خلال الشهر الكريم. كنت أخاف أن أغادر المملكة بدون توديع جميع أصدقائي السعوديين الذين غادروا لقضاء إجازاتهم الصيفية في الخارج ولكن لحسن الحظ لقد عجل رمضان بعودتهم والآن أستمتع بلقائهم على الإفطار والسحور في منزلي أو في الخيام الرمضانية التي يقيمونها في منازلهم. فهم عادوا للمملكة للاستمتاع بجو يغلب عليه الطابع الإسلامي، وهذا بالضبط ما يفضله المسلمون البريطانيون المقيمون في السعودية، حيث يبقون هنا خلال شهر رمضان على الرغم من شدة الحرارة. رمضان في المملكة يعرض تجربة ثقافية خاصة نظرا لوجود جاليات إسلامية متعددة الثقافات والخلفيات وخاصة في العاصمة الرياض وجدة. ورمضان في المملكة يشترك في هذه الخاصية مع رمضان في بريطانيا نظرا لكون بريطانيا تضم أيضا عددا من المسلمين الذين ينتمون إلى جنسيات مختلفة. فتجد هناك الكثير من الأطباق المختلفة التي تميز كل جالية عن الأخرى. مع الفارق طبعا أن المسلمين هنا يصومون حوالي 15 ساعة بينما يصوم المسلمون في بريطانيا حوالي 19 ساعة. والفرق الآخر هو أن في المملكة العربية السعودية الأسرة هي مركز الاهتمام في رمضان في حين أن في بريطانيا المسجد هو محور الاهتمام. وهذا يقودنا بالطبع إلى أهمية المسجد في الدول الغربية حيث انه ليس فقط مكانا للعبادة ولكن أيضا يمثل ملتقى الجاليات. سأغادر المملكة في أغسطس وبالتأكيد سأفتقد كل شيء بداية من أصدقائي، وأجواء رمضان وأطباقي المفضلة الجريش والمندي والمثلوثة. من العايدين! * القائم بالأعمال البريطاني

مشاركة :