من المتوقع خلال الأيام المقبلة أن تعلن حركة حماس في قطاع غزة ميثاقها الجديد الذي، بحسب التسريبات، يشمل تغييرات جوهرية، أهمها الاعتراف بإمكانية إقامة دولة فلسطينية على حدود 67 بدلاً من "فلسطين من البحر إلى النهر" كما جاء في ميثاقها القديم المعتمد منذ عام 1988، وتحديد وجهة النضال المسلح تجاه المحتل الصهيوني بدلاً من اليهود، وكذلك الانفصال عن جماعة الإخوان المسلمين الأم في مصر. هل يمكن أن يكون الميثاق الجديد مقدمة لاستعداد حماس لفتح حوار مع إسرائيل، في ظل الظروف الإقليمية التي خلقت حالة معينة من تلاقي في المصالح بين الجانبين إن جاز التعبير؟ وكيف يمكن أن يحدث ذلك؟ أم أن ميثاق حماس مجرد بطاقة مرور للمجتمع الدولي، وخطب ود مصر التي بدأت خلال الشهور الماضية في فتح معبر رفح وإدخال كميات كبيرة من البضائع للقطاع المحاصر؟ شغلت هذه الأسئلة كبار المحللين والمفكرين في إسرائيل، وذلك، وللمفارقة، في وقت تحذر الأجهزة الأمنية الإسرائيلية من إمكانية تنفيذ حماس عملية انتقامية ضد إسرائيل رداً على اغتيال مازن فقهاء القيادي بالجناح العسكري لحماس، "كتائب عز الدين القسام، الشهر الماضي أمام منزله بقطاع غزة.إسقاط حماس خط أحمر تتجنب إسرائيل الإقدام على عملية عسكرية عبر اجتياح شامل لقطاع غزة لإسقاط حماس، فبخلاف الخسائر المتوقعة في صفوف جيش الاحتلال التي ستنجم عن مثل هذه العملية، فإن سقوط نظام حماس في حد ذاته خط أحمر بالنسبة لإسرائيل. العلاقة بين إسرائيل والحركة غريبة ومعقدة للغاية. خاض الطرفان منذ عام 2007، تاريخ سيطرة حماس على القطاع، ثلاث حروب دامية، تخللتها معارك متفرقة، وهجمات صاروخية متبادلة، لكن وبحسب دراسة للدكتور "كوبي ميخال"، أحد كبار الباحثين في معهد أبحاث الأمن القومي الإسرائيلي، وخبير في دراسات الحرب والسلام والإستراتيجيا والأمن القومي، نشرتها مجلة "الشرق الأدنى" (همزراح هكاروف) بتاريخ 13 أبريل 2017، فإن إقدام إسرائيل على عملية عسكرية بهدف إسقاط نظام حماس سيؤدي لإقامة نظام جهادي سلفي في غزة أكثر خطراً على الدولة العبرية. ولا عجب أن نرى قادة كباراً في المنظومة الأمنية والسياسية في إسرائيل يحذرون من تفاقم الأوضاع المعيشية في قطاع غزة، بينهم منسق العمليات الإسرائيلية في الأراضي الفلسطينية اللواء "يوآف مردخاي"، الذي وجه في السابع من أبريل الجاري رسالة للأمم المتحدة يحذر فيها من أزمة إنسانية حادة ستواجه قطاع غزة بسبب النقص الخطير فى المياه الصالحة للشرب، متهماً السلطة الفلسطينية بعدم التعاون في تنفيذ الحلول التي تقترحها إسرائيل لحل الأزمة، بحسب ما نشره الموقع الإلكتروني للقناة الثانية في التلفزيون الإسرائيلي.قوة حماس تخشى إسرائيل من تفاقم الأوضاع الإنسانية في القطاع إلى الحد الذي يدفع حماس في ظل الضغوط الشعبية الواسعة عليها، والتي عبرت عن نفسها مؤخراً في تظاهرات ضد الانقطاع شبه المتواصل للكهرباء، للبدء في عملية عسكرية ضد إسرائيل. ويأتي ذلك في وقت تؤكد الأجهزة الأمنية والاستخباراتية في تل أبيب أن حماس استعادت قدراتها العسكرية التي تمتعت بها قبل اندلاع حرب "الجرف الصامد" صيف 2014، وأن الحركة باتت بحوزتها صواريخ قصيرة المدى أشد فتكاً، وطوّرت قوات الكوماندوز البحري التابع لها فتضاعفت إمكانية تسللها إلى داخل البلدات الإسرائيلية عبر البحر وتنفيذ عمليات نوعية، إلى جانب الأنفاق التي تسابق إسرائيل الزمن لتنفيذ مشروع لتحييد خطرها، بحسب تقرير لصحيفة "يديعوت أحرونوت" منشور بتاريخ 26 مارس 2017."إسرائيل تنقذ حماس" يقول "آفي يسسخروف" في تحليل بموقع "walla" العبري، تحت عنوان "هكذا تنقذ إسرائيل نظام حماس" منشور بتاريخ 19 يناير 2017 إن "انتشار حماس في المنطقة (الحدود مع إسرائيل) مذهل للغاية. مر الجناح العسكري "عز الدين القسام" بتغير ملموس خلال السنوات الأخيرة. لم يعد مجرد تنظيم إرهابي: يدور الحديث عن جيش صغير، يدرس إسرائيل ويستعد لمواجهة جديدة معها. يعمل الجناح وفقاً لنظام مناطق عمل، لكل خلية فوج أو لواء خاص بها. في منطقة الحدود، لدى قوات حماس دوريات ومواقع مراقبة يبعد بعضها عن بعض مئات الأمتار، وكذلك قوات احتياط، ناهيك عن "القوات الخاصة"- النخبة، وحدة الغواصين (الكوماندوز البحري)، والاستخبارات التي تستخدم مجموعة متنوعة من الأجهزة، بداية من المناظير البسيطة، والطائرات الصغيرة بدائية الصنع وطائرات بدون طيار وغيرها، ووحدات الأنفاق وبالطبع الأسلحة المتطورة، كالصواريخ المضادة للدبابات، وصواريخ مختلفة المدى". وأشار في تقريره إلى إدخال إسرائيل كميات كبيرة من الوقود أرسلته قطر للقطاع عن طريق معبر "كرم أبو سالم" في وقت انطلقت تظاهرات في القطاع ضد حماس احتجاجاً على انقطاع الكهرباء، مضيفاً: "هذه في الحقيقة هي المفارقة التي تواجهها إسرائيل. فهي لا تريد أن يشهد قطاع غزة أزمة حادة للغاية. في هذه الحالة هناك احتمال كبير أن تحاول حماس صرف أنظار الرأي العام وتشن حرباً ضد إسرائيل. من هنا حقيقة تأتي محاولات إسرائيل لإبقاء غزة "على سطح الماء" وعدم السماح لها بالغرق".أقوال جاهزة شاركغرديبدو أن إسرائيل تحاول إنقاذ حماس... والسبب؟ شاركغردهل يتضمن ميثاق حماس الجديد الاعتراف بإمكانية إقامة دولة على حدود 67 بدلاً من "فلسطين من البحر إلى النهر"؟الحوار مع الحركة وأمام هذه المعطيات، والعلاقة المعقدة، ما إن تفجر الحديث عن الميثاق الجديد لحماس حتى انهالت التحليلات التي تبحث في إمكانية التوصل لتسوية مع الحركة، ومنها ما كتبه "عكيفا ألدار" المتخصص في الشؤون الفلسطينية على موقع "المونيتور" الأمريكي في نسخته العبرية "يسرائيل بولس" في 14 مارس 2017 بعنوان "بعد تغيير الميثاق، هل يتعين على إسرائيل التحدث مع حماس؟". يرصد المقال اختلاف وجهات النظر بين محللين في إسرائيل حول ما إذا كان يجب على إسرائيل تغيير موقفها من حماس والبدء في حوار معها بعد الحديث عن تعديل ميثاقها. ويضيف: "بعد التغيير المتوقع في ميثاق حماس، تحديداً الاعتراف بحدود 67، هل يجب العمل على تغيير سياسات إسرائيل تجاه التنظيم؟ يتوقف ذلك على مَن تسأل. قال رئيس الموساد السابق إفريم هاليفي، المؤيد للحوار مع حماس في مايو الماضي إن قيادة الحركة تدرك أنه ليس أمام حماس فرصة للقضاء على إسرائيل. وأشار إلى أنه يجب أن لا نخشى تأثير طهران على الحركة كونها ابتعدت عنها وتتطلع لإجراء اتصالات مع إسرائيل. في سبتمبر 2016 تنبأ هاليفي بالفعل، بأنه عندما تدرك الغالبية العظمى من الفلسطينيين أنهم خسروا فرصة إقامة دولتهم، وأن أية مفاوضات تجريها إسرائيل مع السلطة الفلسطينية هي مجرد خدعة، سيبقى هناك طريق واحد - طريق حماس". يعتقد الدكتور "نمرود نوفيك" أحد المقربين من الرئيس الإسرائيلي الراحل شمعون بيريز ومستشاره الخاص وزميل أبحاث في منتدى السياسات الإسرائيلي (IPF) أن "القول بأن حماس اليوم هي نفسها التي كانت قبل سنوات أو التي ستكون خلال العقد أو العقدين القادمين مجرد ادعاءات بعيدة المدى، وتجاهل للتغييرات التي مرت بها الحركة". ويقول "نوفيك" في حديث مع "المونيتور" إن حماس أوضحت في السابق أكثر من مرة أنها ستذعن لأوامر الشعب، معتبراً أن الحركة سوف تلتزم في الميثاق بدعم أية تسوية بين إسرائيل والسلطة الفلسطينية، متى طرحت في استفتاء شعبي فلسطيني وحظيت بالأغلبية. ويقول إن رئيس الحكومة الإسرائيلية السابق "إيهود أولمرت" رفض آنذاك دراسة جدية نوايا حماس، بعد أن بعثت له الحركة برسائل شفوية ومكتوبة حول استعدادها للحديث مع إسرائيل، على أن يبدأ من خلال طرف ثالث حول اتفاق طويل المدى للتعايش وليس للسلام أو لإنهاء الصراع. وتابع أن ميثاق حماس الذي لم يحظ بالاهتمام اللازم من الرأي العام الإسرائيلي، تضمن "مساعي للتوصل إلى تسوية القضايا الجوهرية"، باستثناء القضايا المتفجرة مثل القدس واللاجئين. في المقابل، يقول المستشرق المقدسي "ماتي شتاينبرغ" الذي عمل مستشاراً للشؤون الفلسطينية لعدد من رؤساء جهاز الأمن العام الإسرائيلي (الشاباك)، إن الحوار مع الحركة لن يكون مجدياً فحسب، بل ينطوي على ضرر بالغ وطويل المدى للمصالح الإستراتيجية لإسرائيل. وقال "على كل المتشدقين بمبادرة إقليمية أن يعرفوا أنها تعتمد على المبادرة العربية، التي رفضتها حماس من الألف للياء". وتوقع "شتاينبرغ" أن يبقى موقف حماس من المبادرة العربية على حاله، وبناء عليه فإن إعطاء شرعية لتسوية جزئية ومؤقتة مع التنظيم سوف يضعف السلطة الفلسطينية". ويتفق هذا الرأي مع ما كتبه المحلل الإسرائيلي "جال برغر" في "معاريف" تحت عنوان "الميثاق السياسي الجديد لحماس لن يغير شيئاً باستثناء صورتها أمام الخارج"، إذ يقول الكاتب في مقاله المنشور بتاريخ 8 أبريل 2017 إنه من الخطأ الاعتقاد أن الميثاق الذي تبلوره الحركة حالياً يشير إلى تغير حقيقي في رؤيتها، لكنه بطاقة عمل أكثر ليناً تجاه المجتمع الدولي، ومغازلة لمصر.أكمل القراءة "حان وقت التسوية" لكن دراسة الدكتور "كوبي ميخال" تؤكد أن ثمة دلائل على تحوّل كبير في سياسة حماس منذ انتخاب يحيى السنوار قائداً عاماً لحماس بقطاع غزة في فبراير الماضي، عبّر عن نفسه في التقارب من القاهرة، وخنق تنظيم الدولة الإسلامية "داعش" في سيناء، والفصائل الجهادية في غزة التي تطلق الصواريخ تجاه إسرائيل. وتشير الدراسة إلى أن مخاوف إسرائيل من السنوار ومواقفه "المتشددة" قد تراجعت مع اقترابه من القاهرة الذي يعد إشارة إلى تفهمه حجم المسؤولية الملقاة على عاتقه في غزة، لافتةً إلى أن "تقاربه المتصاعد مع مصر من شأنه أيضاً مساعدة المصريين في لعب دور وسيط فاعل وقوي للغاية في محاولة لبلورة آلية تسوية بين إسرائيل وقيادة حماس بقطاع غزة". ويستعرض الكاتب الخيارات الإسرائيلية في التعامل مع حماس مستبعداً تماماً احتلال القطاع لإسقاط الحركة. كذلك يعتبر أن إعادة غزة للسلطة الفلسطينية غير واقعي، وأيضاً السماح بإدخال قوة دولية لإدارة القطاع يظل خياراً نظرياً فقط، وبالتالي فأمام تل أبيب خياران لا ثالث لهما، الأول "الاستعداد لجولة عنيفة أخرى، تكون واحدة من جولات أخرى لاحقة، انطلاقاً من فرضية أن إسرائيل ستتجنب احتلال القطاع لإسقاط نظام حماس" والثاني "محاولة بلورة آلية تسوية مع قيادة حماس بقطاع غزة". ويضيف "ميخال": "المبرر الإستراتيجي لبلورة آلية تسوية مع قيادة حماس، يحدث لو أتاحت الآلية إحداث تباطؤ كبير في عملية تزايد قوة حماس العسكرية، والحفاظ على الردع الإسرائيلي وكبح دافع حماس للتصعيد، وحدوث تحسن كبير في الواقع الإنساني بقطاع غزة، وتحسين الواقع الاقتصادي، وتحسين البنى التحتية والقدرة على الوجود المستقل". ويتابع: "نظراً لأن مثل هذه الآلية تلزم في جوهرها إسرائيل بالمخاطرة، فإن الظروف الحالية لا تسمح ببلورة آلية كهذه عبر مفاوضات مباشرة بين إسرائيل وحماس". ولكن، برأيه، "فإن الظروف الإقليمية المتبلورة تسمح بتجنيد لاعبين إقليميين وآخرين من المجتمع الدولي لصالح هذه القضية". وخلص ميخال إلى "مفارقة" مفادها أن وجود يحيى السنوار كزعيم مسيطر في القطاع، و"صورته الصارمة"، من الممكن أن يتحولا إلى ميزة بحال اقتنع السنوار بأن "بلورة آلية التسوية هذه تخدم المصالح الإستراتيجية لحماس". وقال: "سيكون لالتزامه وزن ودلالة، وعلى الأرجح أنه بحال أصبح طرفاً في الاتفاق، فسيكون حريصاً على تنفيذه". وتابع: "لجعل السنوار جزءاً مهماً في المعادلة الجديدة سوف تحتاج إسرائيل خدمات المصريين وفي وقت لاحق المساعدة التركية والقطرية والسعودية، وبعد ذلك أيضاً المجتمع الدولي في جهود إعادة إعمار القطاع".اقرأ أيضاًحماس أو التنظيمات السلفية الجهادية... من يحكم قطاع غزة؟قصة حلف سرّي بين مصر ومحمد دحلان وحركة حماسلماذا تخشى إسرائيل السنوار؟ "ملك الكنافة" يقود حماس للحرب ويميل لإيران معتز بالله محمد صحافي مصري متخصص في الشؤون الإسرائيلية وعضو في نقابة الصحافيين. كلمات مفتاحية إسرائيل فلسطين من الصحافة العبرية التعليقات
مشاركة :