حوار الحضارات والثقافات: وماذا بعد؟!

  • 5/10/2014
  • 00:00
  • 2
  • 0
  • 0
news-picture

دعيت، في منتصف الأسبوع الفائت، إلى حضور مؤتمر (حوار الحضارات والثقافات) الذي عقد في مملكة البحرين وبمبادرة من ملكها، وقد افتتحه سمو ولي العهد في صباح اليوم الخامس من شهر مايو، وبحضور المدعوين الذين مثلوا الديانات السماوية وغير السماوية وبكافة أطيافها ومن خمس عشرة دولة، بما فيها المملكة العربية السعودية. في جلسة الافتتاح، تحدث سمو الأمير تركي الفيصل، وقد أوضح أن السعودية كانت سباقة إلى الاهتمام بمثل هذا النوع من الحوارات؛ فمنذ خمسين عاما، وفي عهد الملك فيصل ــ رحمه الله ــ أرسل الملك وفدا من العلماء لمقابلة بابا الفاتيكان بولس السادس للحوار حول المشتركات في الأديان، كما أشار إلى جهود الملك عبدالله في الاتجاه نفسه وكيف زار بابا الفاتيكان السابق بنديكت السادس عشر، وقد أحسن الأمير تركي عندما أشار في كلمته إلى جرائم بشار الأسد، وكذلك إلى الجرائم التي ارتكبها بعض الطائفيين، ولم ينس ذكر جهود الملك عبدالله في تجسير الهوة بين السنة والشيعة. الأمير الحسن بن طلال ركز كثيرا على أهمية الوحدة بين المسلمين عموما، وعاب على الغرب تدخله المستمر في التفرقة بين طوائف المسلمين ــ سنة وشيعة وصوفية... إلخ ــ كل ذلك من أجل تحقيق مصالحه، وطالب العالم بإيقاف الحروب وإنفاق الأموال التي تصرف عليها على فقراء العالم ومحتاجيه!! وبطبيعة الحال، خصص جزءا من كلمته للحديث عن طبيعة الأديان السماوية وغيرها، وأنها جميعها تدعو للسلام والتسامح، وطالب الحاضرين بالعمل في هذا الاتجاه بقوة. كما أشار في ثنايا كلمته إلى جهود الملك عبدالله في قضايا الحوار وإلى مكانة المملكة إسلاميا ومسؤوليتها في هذا الاتجاه. الاستاذ إياد مدني الأمين العام لمنظمة التعاون الإسلامي كان له كلمة في حفل الافتتاح تحدث فيها عن المجازر التي يتعرض لها المسلمون في كثير من بقاع الأرض، كما أشار إلى جرائم اليهود في فلسطين، وألمح ــ دون ذكر الاسم ــ إلى دعوة بلير إلى حرب صليبية في العالم العربي!!، وأعتقد أن منظمة التعاون الإسلامي تستطيع فعل الكثير من أجل الأقليات الإسلامية، ولكنها قبل إياد مدني وفي عهده ما زالت مقصرة في واجبها بدرجة كبيرة. الذين تحدثوا مثلوا كافة الديانات السماوية ــ وبكل مذاهبها واتجاهاتها ــ وكذلك غير السماوية وفيهم البوذيون والسيخ ومن الرجال والنساء على حد سواء، والكل وبدون استثناء كانوا يؤكدون أهمية التسامح بين الأديان، وأن الرسالات السماوية جاءت بكل قيم التسامح ومثلها غير السماوية، كما أنها ــ أي الأديان ــ أعلت قيمة الإنسان وحياته، وأكدوا أن الحضارات البشرية كلها إنما جاءت لخدمة البشرية وإسعادها، وضرب كثير منهم شواهد مما جاءت به تلك الأديان من القيم المتنوعة التي تصب في خدمة البشرية. الكلام الذي قيل في غاية الجمال والكمال، ولكن الواقع العملي يناقض تماما كثيرا مما قيل في ذلك المؤتمر، وأيضا ما قيل في مؤتمرات أخرى مشابهة له أقيمت في دول عربية وأخرى غير عربية!! ويكفي أن ننظر إلى المجازر التي يتعرض لها المسلمون حاليا في بورما، وكذلك في أفريقيا الوسطى، وأيضا إلى اضطهاد الأقليات المسلمة في بعض دول العالم، وأيضا نشاهد الاختلافات الكبرى، والتي أدت إلى الاقتتال وببشاعة في بعض الدول العربية مثل العراق وسوريا، ولا ننسى الحرب الأهلية في لبنان التي اشتهرت بالتسامح، وأيضا الاختلافات المتزايدة بين السنة والشيعة وفي أكثر من بلد عربي، وفوق هذا نشاهد من يقومون بالإرهاب وقتل الأبرياء وفي أكثر من بلد عربي وأوروبي وكذلك في أمريكا وغيرها. والسؤال: إذا كانت كل الأديان والحضارات والثقافات ــ كما قال الحاضرون ــ تؤكد على كل قيم السلام والتسامح بين البشر مهما كانت أديانهم أو مذاهبهم، فلماذا نرى أن الواقع في العالم كله لا يمثل ما جاءت به تلك الأديان، ولماذا ينتشر القتل والإرهاب بين البشر؟! لا بد أن هناك شيئا ما يحتاج إلى بحث ودراسة وبعمق شديد وشفافية حقيقية وبدون مواربة أو مجاملة، فهل البشر ــ أو جزء منهم ــ لم يعودوا يؤمنون بأديانهم ولا بما جاءت به من قيم؟ أو هل المشكلة سياسية بامتياز، إذ السياسيون لا يقيمون وزنا للحياة البشرية وإنما تهمهم مصالحهم الشخصية فقط؟ أم أن هناك أشياء أخرى لا نكاد نفهمها؟! تشكر البحرين وحكومتها على إقامة هذا المؤتمر وما يماثله من مؤتمرات، كما تشكر حكومة بلادنا على جهودها في الاتجاه نفسه، ولكن حاجة البشرية أكثر إلى رؤية تحقيق ولو جزء مما يقال في تلك المؤتمرات في واقع حياتهم، فهل يمكن تحقيق ذلك؟!

مشاركة :