في حفلٍ بهيج حضره عددٌ غفير من المسؤولين والمثقفين، أصدر وزير البترول والثروة المعدنية السعودي السابق المهندس علي بن إبراهيم النعيمي كتابه «من البادية إلى عالم النفط» خلال حفل أقيم في المعهد الملكي للشؤون الدولية في لندن، وكانت النسخة الأساسية باللغة الإنجليزية، الذي تمت ترجمته لاحقاً إلى اللغة العربية ليصل الى أسواق المملكة والوطن العربي بعد ذلك. شغل علي النعيمي منصب وزير النفط السعودي لأكثر من 20 عامًا من -1995 الى مايو 2016م- وخلال هذه السنوات العشرين، التى كان فيها صانع القرار على صعيد النفط العالمي وشخصية مهيمنة في أوبك كان قادرًا على تحريك الأسواق بأقل من تصريح يصدر منه.. لكن الأمور لم تكن دائمًا على هذه الحال. من قلب صحراء المنطقة الشرقية من السعودية هنالك رحلة مدهشة حدثت لتثبت أن بإمكان أي شخص أن يحقق النجاح، حتى لو كان راعيًا بدويًّا فقيرًا كعلي النعيمي، الذي ستتطلع على كل هذه التفاصيل وقصته الحقيقية والحصرية عن السلطة والسياسة والنفط في كتابه هذا. عدّ البعض كتاب النعيمي هذا أنه أكثر من مجرد مذكرات شخصية للوزير النعيمي، بل هو جزء من تاريخ المملكة. رغم أن الكتاب هو سيرة ذاتية وتجربة شخصية للوزير النعيمي إلا أنها كانت أشبه بالسيرة الوثائقية لحقب مهمة من تاريخ المملكة العربية السعودية وتاريخ النفط وأرامكو السعودية. الكتاب، الذي حوى 19 فصلاً ذكر خلالها المؤلف قصته الاجتماعية والمهنية بداية من مولده في قرية «الراكة» في المنطقة الشرقية ونشأته في بيوت الشعر تحت رعاية أخواله في قبيلة العجمان، ومن ثم يذكر قصص ارتحاله بعد ذلك للعيش مع والده في قرية ساحلية بالظهران، وكيف كانت الصدفة سبباً لعمله مراسلاً بدون راتب في أرامكو إلى أن ترقى بالعمل الجاد والدؤوب والطموح العالي إلى قمة هرم أكبر شركة نفط في العالم. كما حفلت فصول الكتاب مواقف وقصصًا مثيرة دارت في أروقة أرامكو ودواوين الحكومة وأجنحة الفنادق الأوروبية، التي قد تروى لأول مرة، كصراع فريق إدارة أرامكو مع الوزير السابق أحمد يماني في قضية استحواذ شركة بترومين على أرامكو، وصراع وزارة البترول ضد فريق وزارة الخارجية في منح امتيازات جديدة لشركات أجنبية بمجال التنقيب عن النفط والغاز، ومحادثات خفض الإنتاج وزيادته مع دول أوبك وغيرها كروسيا والمكسيك والنرويج. أيضًا قصص الانفتاح على الشرق والاستثمار في شركات محاصصة في مجال التكرير مع الدول الآسيوية حتى أصبحت المملكة أكبر مزوّد للنفط الخام للدول الآسيوية. يعطي هذا الكتاب بُعدًا ثقافيًّا آخر للقارئ يتمثل في غزارة المعلومات المعطاة حول الثقافة النفطية حتى إن بعض القرّاء يقول إنه ما أن ينتهي الفرد من قراءة هذا الكتاب حتى يكون «قادراً على المشاركة ولو بالحد الأدنى في نقاش معرفي عن النفط واقتصاديات النفط، وعن زيادة الانتاج وخفضه، وعن الدول المنتجة في أوبك والدول المنتجة خارجها والعلاقة بينها»، وغيرها من الأمور التي لها ارتباط مباشر بسوق النفط والأحاديث، التي تكثر حوله. يتناول الكتاب أيضاً وبشكل مستفيض تاريخ النفط والغاز وصناعة تكريره وإنتاجه وتصديره خلال عقود من الزمان بدءًا من اكتشافه مرورا بالتوسع في إنتاجه واكتشاف حقوله ومكامنه في البلاد، وكذلك تقلبات أسعاره على مر السنين صعوداً وهبوطاً وكيف تعاملت الدولة السعودية معها وكيف أمسكت بخيوط العلاقات مع الدول الأخرى سواء المستوردة او المشاركة في الصناعات النفطية، وعرّج الكاتب على منظمة الدول المصدرة للنفط أوبك وغيرها من الأمور المتعلقة بهذا الصدد. رغم كل ذلك إلا أن الكتاب لم ينجُ من انتقادات القرّاء له في عددٍ من المواضع لعلها بدايةً من تدشين الكتاب، إذ إن معالي الوزير دشَّن الكتاب في لندن وباللغة الإنجليزية ومن ثم تمت ترجمته للغة العربية في وقتٍ لاحق، بينما رأى البعض أنه من الأجدى لو تم الاحتفاء بالكتاب والكاتب في مهد القصص، التي سمعنا أصداءها داخل الكتاب، إضافةً الى أن بعض القرّاء كان ينتظر صراحةً اقوى في بعض المواقف، خصوصاً أن المقارنات التي حدثت حول هذا الكتاب كانت مع مؤلفات غازي القصيبي مثل: حياة في الغدارة وسعادة السفير، التي كتبها وهو في سلك العمل الحكومي وكانت تتسم بالصراحة والشفافية. هذا بالإضافة الى السعر المبالغ فيه، الذي ربما قد يحرم ذوي الدخل المحدود من شرائه، لكن بشكلٍ عام فالكتاب يعتبر أحد أبرز الإصدارات التي انتظرها القرّاء، خصوصاً من محبي قصص الكفاح والسير الذاتية والمذكرات الشخصية.
مشاركة :