اتهم الرئيس الأميركي دونالد ترمب إيران بأنها {لا تلتزم بروح الاتفاق النووي}، محذراً طهران من أن إدارته تدرس الانسحاب من {الاتفاق السيئ}. وقال خلال مؤتمر صحافي مع رئيس الوزراء الإيطالي باولو جينتلوني: {أعتقد أنهم يلحقون ضرراً كبيراً بالاتفاق الذي لم يكن ينبغي توقيعه}. ولمحت مندوبة واشنطن الدائمة لدى الأمم المتحدة، نيكي هايلي، أمس، إلى أن إيران هي الدولة الوحيدة المستفيدة من استمرار الصراعات في منطقة الشرق الأوسط، متهمة إياها، دون ذكرها بالاسم، بإرهاب الدولة. وقالت هايلي إن الصراعات المتعددة في الشرق الأوسط خلفت مئات الآلاف من القتلى والملايين من النازحين. وقد أضاف تدفق المقاتلين الإرهابيين الأجانب عبر الحدود تعقيداً إلى شبكة مبهمة من الجماعات الإرهابية، مع تحالفات متلاحقة تهدد السلم والأمن الدوليين في المنطقة والعالم. وفي إشارة مبطنة إلى دور إيران في المنطقة، أشارت السفيرة هايلي إلى أن «مجلس الأمن يتناول عدداً من الصراعات على أساس منتظم، ولكنه كثيراً ما يغفل عن التفاعل بين الصراعات، ودور بعض الأطراف الفاعلة في إثارة الصراع، والاستفادة منه في جميع أنحاء المنطقة». وكان وزير الخارجية الأميركي ريكس تيلرسون عقد مؤتمر صحافي مساء أول من أمس لتكرار تهديداته لإيران حول الاستفزازات المثيرة للقلق التي تقوم بها ودعمها للإرهاب والعنف وزعزعة استقرار الدول المجاورة واتخاذ مسار كوريا الشمالية نفسه، وذلك بعد إرساله خطابا لرئيس مجلس النواب الأميركي بول رايان مساء الثلاثاء يعلن فيه أوامر إدارة ترمب بمراجعة الاتفاق النووي الذي أبرمته إدارة الرئيس السابق أوباما مع إيران. وردا على ذلك، طالب وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف الإدارة الأميركية بالوفاء بالتزاماتها في الاتفاق النووي والابتعاد عن تكرار اتهامات «لا أساس لها». وقال تيلرسون في مؤتمر صحافي تم إعلانه بشكل مفاجئ مساء أول من أمس: «إيران هي الدولة الراعية للإرهاب، وهي مسؤولة عن تصاعد الصراعات وتقويض المصالح الأميركية في دول مثل سوريا واليمن والعراق ولبنان، وتسلك الطريق نفسها التي تسلكها كوريا الشمالية، والولايات المتحدة تحرص على تجنب إعلان آخر، لأن سياسات الصبر الاستراتيجي قد فشلت». وأضاف: «تصرفات إيران تتطلب منا أن نتصدى لجميع التهديدات الإيرانية، حيث تواصل إيران دعم نظام الأسد الوحشي في سوريا، مما أدى إلى إطالة أمد الصراع وأسفر عن مقتل ما يقرب من نصف مليون سوري وتشريد آخرين، وتساند إيران نظام الأسد حتى وإن ارتكب فظائع ضد شعبه بما في ذلك الأسلحة الكيماوية». واستعرض تيلرسون كل جرائم إيران في المنطقة، وقال: «إيران تقدم السلاح والتمويل والتدريب والمقاتلين الأجانب إلى سوريا، وأرسلت أعضاء من (الحرس الثوري) الإيراني للمشاركة في عمليات قتالية مباشرة، كما تقدم الدعم لبعض الجماعات المسلحة في العراق من خلال (فيلق القدس) بما يقوض الأمن في العراق. في المقابل، قال وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف، أمس، إن على الولايات المتحدة أن تفي بالتزاماتها التي جرى الاتفاق عليها في اتفاق نووي تاريخي في 2015 لا أن توجه الاتهامات لإيران. وأضاف ظريف على موقع «تويتر» رداً على تيلرسون، أن الولايات المتحدة يجب أن «تفي بالتزاماتها» حسب ما نقلت عنه «رويترز». لكن تيلرسون قال: «في ظل محاولات إيران لتنفيذ اغتيالات أو دعم أسلحة دمار شامل أو نشر ميليشيات مزعزعة للاستقرار، فإنها تنفق ثرواتها ووقتها بما يزعزع الأمن والاستقرار». وهاجم تيلرسون سجل إيران في انتهاكات حقوق الإنسان، وقال: «سجل إيران من أسوأ سجلات حقوق الإنسان في العالم، ويتم سجن المعارضين السياسيين وإعدامهم، كما تحتجز إيران بطريقة تعسفية أجانب؛ منهم مواطنون أميركيون، بتهم باطلة، ولا يزال العدد من الأميركيين مفقودين أو سجنوا ظلما في إيران»، وأضاف: «بجانب الانتهاكات داخل الحدود الإيرانية، فإن إيران تشكل تهديدا لبقية العالم، وتشكل طموحاتها النووية خطرا على السلم والأمن الدوليين، ومن عادة إيران استخدام كل الموارد المتاحة لها من أجل زعزعة الاستقرار بين الشعوب والأمم، بخاصة مع آخر اختبار لصواريخ باليستية متوسطة المدى في تحد لقرار مجلس الأمن الدولي رقم (2231)». وأشار تيلرسون أن «إيران ستجري اختبارا آخر لمركبة فضاء، مما يجعلها أقرب إلى إنتاج صاروخ عابر للقارات». وفي ما يتعلق بالاتفاق النووي، أكد وزير الخارجية الأميركي أن الاتفاق النووي فشل في تحقيق هدفه بجعل إيران دولة غير نووية، وقال: «فشل الاتفاق وخطة العمل المشتركة في تحقيق هدف (إيران غير نووية). وهذا الاتفاق يؤخر فقط هدف إيران المتمثل في أن تصبح دولة نووية، وتمثل الصفقة النهج الفاشل نفسه الذي اتبع في الماضي، والذي جلبنا إلى التهديد الوشيك الحالي الذي نواجهه من كوريا الشمالية، وإدارة ترمب ليست لديها النية لترحيل الأمر إلى الإدارة المقبلة فيما يتعلق بإيران». ودون إشارة محددة إلى الخطوات التي تنوي إدارة ترمب اتخاذها ضد إيران، أوضح تيلرسون أن الإدارة الأميركية تقوم بمراجعة واستعراض شاملين لسياسات إيران، وستعلن نتائج هذه المراجعة بمجرد الانتهاء منها (أي بعد 3 أشهر)، وقال: «سنواجه التحديات التي تفرضها إيران بوضوح وواقعية». وفي إجابته عن سؤال حول انسحاب أميركي محتمل من الصفقة النووية التي أبرمتها الولايات المتحدة والقوى الكبرى مع إيران عام 2015، قال تيلرسون: «نحن لا نرى أن هذه طريقة حكيمة للتعامل مع إيران، وبالتأكيد ليس في سياق جميع أنشطتها التخريبية الأخرى». ولاقت تصريحات تيلرسون ترحيبا كبيرا من كبار الجمهوريين في الكونغرس، وأشار السيناتور توم كوتون، الجمهوري الذي قاد المعارضة الجمهورية ضد الصفقة خلال عهد الرئيس أوباما، إلى أن النوايا الكامنة وراء البرنامج النووي الإيراني ليست حسنة، فيما شدد السيناتور بوب كروكر، رئيس لجنة العلاقات الخارجية، على أن إدارة ترمب يبدو أنها تستعد لاتخاذ موقف أكثر صرامة ضد إيران، وقال في بيان: «الإدارة ليس لديها أي أوهام حول التهديدات المستمرة من طهران، وهي على استعداد للعمل بشكل وثيق مع الكونغرس للرد على تلك التهديدات». ورغم أن خطاب تيلرسون ليلة الثلاثاء الماضي إلى الكونغرس يشير إلى امتثال إيران لبنود الاتفاق النووي بما يعني الاستمرار في تخفيف العقوبات على إيران، فإن الكونغرس وافق على تعليق العقوبات، وليس إبطالها، مع إمكانية إعادة فرض العقوبات مرة أخرى؛ بل وزيادة تلك العقوبات بدعم قوي من إدارة ترمب بعد التسعين يوما التي حددتها الإدارة لاستعراض ومراجعة الصفقة. ومن المقرر أن يجرى اجتماع أميركي مع ممثلي حكومات بريطانيا والصين وفرنسا وألمانيا وروسيا (الدول التي أبرمت الاتفاق مع إيران) في فيينا الأسبوع المقبل للتشاور حول الصفقة النووية الإيرانية. ويحدد الكونغرس منتصف مايو (أيار) المقبل لبيان موقف إدارة ترمب وما إذا كانت ستواصل تعليق العقوبات. وتثير التصريحات المتكررة الصادرة من إدارة ترمب إلى نوع من التصعيد المتكرر واتباع سياسة تراكم الأدلة ضد إرهاب إيران، وآثار تلك التصريحات المتصاعدة خلال يومين، نوعا من الشكوك حول خطوات إدارة ترمب المقبلة، وما إذا كانت تنوي بالفعل الانسحاب من الصفقة النووية التي وصفها ترمب خلال حملته الانتخابية بأنها أسوأ صفقة في التاريخ. ويشير محللون إلى أن إدارة ترمب تلوح بتهديدات، لكنها في الوقت نفسه تفضل الانتظار حتى ترى من سيصبح الرئيس المقبل لإيران في الانتخابات التي تجرى أواخر الشهر الحالي. ويقول المحللون إن إدارة ترمب سيكون عليها تقديم موقف صريح حول الملف الإيراني حلال الأشهر المقبلة في قضيتين؛ الأولى كيف ستتعامل إدارة ترمب مع الاتفاق النووي الذي أبرمه أوباما مع إيران، والثانية ما المدى الذي ستحاول فيه إدارة ترمب إضعاف موقف إيران في منطقة الشرق الأوسط ومواجهة استفزازاتها. وتستبعد ويندي شيرمان، مساعدة وزير الخارجية السابق والتي شاركت في عملية التفاوض خلال إدارة أوباما، انسحابا أميركيا من الاتفاق مع إيران، وقالت: «الصفقة لا تزال باقية ومستمرة»، واتفق معها روبرت اينهورن، الباحث السياسي في «معهد بروكينغز»، مؤكدا أن إدارة ترمب ستبقي على الاتفاق النووي، فيما شدد مارك دوبويتز، الرئيس التنفيذي لـ«مؤسسة الدفاع عن الديمقراطية» وهي مجموعة تنتقد بشدة الصفقة الإيرانية، على أن إدارة ترمب قد تنسحب بالفعل من الاتفاق النووي مع إيران، أو تعيد التفاوض بشأنه، وشدد على أن إدارة ترمب ينبغي ألا تتقيد باتفاق يعاني من خلل عميق. وتقول مصادر بالبيت الأبيض إن هناك بعض الشخصيات النافذة في الإدارة تمتلك توجهات تريد بشكل علني تقويض «الثورة الإسلامية الإيرانية»، مثل وزير الدفاع الأميركي جيمس ماتيس الذي يملك خبرة واسعة في التعامل مع منطقة الشرق الأوسط، فيما تحذر أصوات أخرى داخل مجلس الأمن القومي من «اتباع نهج أكثر عدوانية بما يؤدي إلى وضع طهران وواشنطن على طريق المواجهة، وهذا وحده سيزيد من إشعال الصراعات في واحدة من أكثر المناطق تقلبا في العالم».
مشاركة :